1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

آسف للتغيير واعتذر

عباس العزاوي٤ أبريل ٢٠١٣

قرر عباس العزاوي فجأة أن يقدم اعتذاره إلى رموز العهد القديم بعد أن يأس من احتمال المصالحة والاستقرار وعودة الأمن. العزاوي كان دائما من المدافعين الأشداء عن التغيير.

https://p.dw.com/p/189dM
صورة من: AFP/Getty Images

كانت طوابير المظلومين شاخصةً إبصارها لذاك المتلفع بالبُرد الوطني الرائع ، ولا ندري أتموز آخر يحرق وجه الفجر ويرحل؟ ام يمكث ما شاء الله لنصمت، وكان الكون يتراقص في أحداقهم الدامعة سنين عجاف لينساب على وجوههم الكالحة كنهر ساخن ، وما ان وصل صاحبهم المبجل حتى أدار ظهره إليهم ، ليرضي الجلادين والمتضررين من مقدمه الميمون ، فأي خيبة اشد مرارة من الانتظار مجدداً بعد كل هذه المحن لمحارب جديد أكثر بسالة وعدلاً ومروءة!.

صدقوني لا حل لنا إلا الاعتذار وإعادة الأمور إلى نصابها ،لأننا لم نتفق على أن الليل مظلم وان النهار مبصر وان القاتل مجرم ، وان في القصاص حياة لأولي الألباب ، فكيف بنا والأمور متشابكة، والحق اختلط بالباطل ، او العكس لا فرق فما عاد فينا نبي يفصح ولا رسول ينصح ، ولا إمام يشرح ، وصوت القوة والبطش والهمجية هو السائد، وحمى المصالح الخاصة والكسب من مواخير السياسة الداعرة يعصف بنا بكرة وأصيلا ، والكذب والتدليس والافتراء وتحريف الكلم عن مواضعه من صفاتنا الحميدة ! وها نحن نشهد هذه الفترة الشجاعة القصوى في تاريخ العراق وكيف انقلبت الأرانب الجبانة لاسود تفترس الجميع ، وكيف تحولت الدواجن المستكينة لصقور جارحة تعانق الجبال في فضاء الإعلام الجريء المقدام .

لنعتذر يا سادتي جميعنا للطغاة والسفلة والقوادين واللصوص ، فهم طعم الدنيا وعطرها وأفضل قادة لها في هذا الكون البائس السخيف ، لنعتذر لهم بخنوع العبيد وبطاعة جنود الملك وبهيبة الإمعات ، فنعتذر عن كل أخطائنا وهفواتنا وتجاوزنا للخطوط الحمراء دون إدراك منّا لفداحة الجريمة التي نقترف!

فلنعتذر لأننا لم نفهم حقيقة هذه الحياة السافلة كما فهموها هم ، وفكوا شفرة طلاسمها ولم ندرك حروف أبجديتها وتفاصيل جسدها العاري من الطهر والشرف، ولم نفهم إلا لغة السياط الموجعة ،ومفردات السقوط الأخلاقي ، وكلمات البغي والظلم وهتك الحرمات، ولم نعهد إلا نتانة العهر وبيع الأجساد الطرية للعابرين والسطو الماجد على بيوت الضعفاء،لأننا تعودنا الذل والمهانة والقهر وتطامن الأنوف حدّ الخنوع ، والانبطاح المشرعن والاعتدال المخزي ، لنعتذر قبل أن نُباع في المزاد السياسي بسعر زهيد ، فأي هذيان نتبنى في هذا التيه الحقير ، وأي غد نعد له احتفال بهيج ، ونحن نقاد كالخراف السمان إلى دكة المذبح الوطني، القومي ، الطائفي الكافر ،و نهتف بحماس مجنون كأضاحي مخلصة وقانعة.

عاش الوطن وعاشت سكاكين الوطن وعاش الشعب الواحد العظيم!

كللللوووووش ، واحنه مشينه للحرب ،هذا العراقي ، العراقي من يجن ، يبجي ولا عايل يمس ذباحه ، ذباحه، واحنه مشينه للحرب.

فالحياة الناعمة تورث الضعف والعجز والميوعة ، والخير الوافر يسلب الرجولة والشجاعة ، والآمان يهب الخوف والجبن والخنوع ،فهل يعقل ان نتصارع من اجل هذه المكاسب الضارة والمفسدة ، ونموت من اجل لاشي طالما إن النتائج ستأتي بتفاصيل وجزيئات ما رفضنا سابقاً ، ألا تتفقون معي ؟ بأنه لا حل لنا إلا الموت بالمفخخات او الموت من عزف السياط الشيطانية التي كانت تلهب ظهور آبائنا ومن ظنوا بلحظة ساذجة بأنهم يقاتلون نيابة عن السماء والأنبياء والمرسلين لإصلاح الواقع ، الا تتفقون معي ؟ بأننا اضعف من ان نحمي أنفسنا واجبن من ان ندافع عن مستقبلنا ، واغبي من أن نفهم ما يدور حولنا!

أليس هذا هو الواقع؟ فلماذا يجب ان نموت ولدينا فرصة ذهبية للخضوع والبقاء على قيد الحياة مهانين ومسلوبي الإرادة، وماذا نفعل بالإرادة إذا لم تكن لدينا أهداف، ومن يدري ربما تتضاعف نسبة بقائنا أحياء أن اتخذنا سبيل الانحناء والطاعة لأسياد الدنيا وأساطينها!

فهل تتذكرون كيف كنا نسير في الشوارع كأشباح مطيعة وكيف ان رجل امن واحد يستطيع ان يصفع عشرة رجالاً مفتولي العضلات دون ان تتحرك شواربهم الكثة أو حتى يسألوه لماذا؟

هل تتذكرون كيف كنا نخاف الاقتراب من المصلين او من دور العبادة ؟ وكيف نهرب من المتهمين بالعمالة للفرس "المجوس" كالفئران ولو كانوا من ذوي القربى، وهل تتذكرون زوجات المعارضين التي تغتصب في المعتقلات دون أن تنتفض الرجولة الطافحة التي نراها اليوم!

وكم من النساء الحوامل وجدنا في طوامير أسيادنا وقادتنا المناسبون لعبيد أمثالنا ، أما ضالان فالكل سيوف مجردة ، وأصوات عالية ووقحة في وجه العراق ، وأصبح اعتقال الإرهابيات العاهرات عارا اجتماعيا لأجله تقام التظاهرات وتسقط الحكومات! .

"البحث عن فرعون جديد"

وها نحن نتصارع فيما بيننا كالعبيد الاصلاء في البحث عن فرعون جديد يسومنا سوء العذاب ، فالحرية لم تمنحنا القدرة على قول الصدق، ولم تعطنا الديمقراطية حرية اختيار الأفضل ، اتفقنا على الصمت والخوف والانحناء كأفضل العقلاء، أيام المجازر والمقابر والحفلات الوطنية في الشعبة الخامسة وابو غريب والأمن العامة ، واختلفنا في كيفية العيش بسلام في زمن الحرية، فهل نستحق الحرية التي لم توصلنا للسلام والمحبة والوئام! تباً لها فهي صناعة امبريالية فاشلة، ومؤامرة يقودها الاستكبار العالمي لتدمير أخلاقنا وقيمنا الرصينة في حزّ الرؤوس المخالفة.

فلماذا نحن خائفون، وعلاما نحن قلقون وكل ما في أيدينا كلام ، محض كلام ، نأكل الكلام ونشرب الكلام ،نتعامل فيما بيننا بتجارة الكلام ، ونهتف بالكلام ، وننظّر بالكلام والحديث عن النفط كلام ، والخيرات الوافرة كلام ، والديمقراطية كلام ، والحرية كلام، وكل مكتسباتنا وانجازاتنا وغلالنا النهائية من ليالي القهر والتعسف والانتظار كلام في كلام في كلام ، أليس الاعتذار أفضل الحلول وأكثر جدوى من استمرار الخراب والموت الذي نصنعه بفرقتنا وهوسنا المجنون ، نسيت ان أقول لكم بان الاعتذار أيضا كلام .. مجرد كلام.