1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أطباء العراق أسرى نفوذ وبطش العشائر

٢٢ فبراير ٢٠١٣

يواجه أطباء العراق قيام العشائر بفرض قوانينها عليهم من خلال فرض "الدية" في حال فشل عملية جراحية أو عدم نجاحها بالتمام .

https://p.dw.com/p/15IO4
Irak, Ärzte stoßen auf Schwierigkeiten durch Stammes-Gewohnheiten. Operationsaal in Baghdad ,Iraq. Copyright: DW/Munaf Al-saidy Juni, 2012
صورة من: DW

لم يكن شفيق نعيم السامرائي، الذي كان يعمل كطبيب أخصائي في جراحة الأنف والأذن والحنجرة في إحدى المستشفيات الحكومية بالعاصمة بغداد، يعرف بأن مهنته الإنسانية ستجلب له الكثير من المتاعب وترغمه على ترك وظيفته. شفيق اعتزل مهنة الطب منذ عامين لمضايقات من قبل أفراد إحدى العشائر بسبب حادثة أرغمته على دفع فدية مالية تعادل 40 ألف دولار أمريكي، بعدما أجرى عملية جراحية لتصحيح كسر في أنف أحد مرضاه، والتي أدت إلى وفاته بعد نحو شهر من العملية نتيجة تأثره بتخثر الدم. "على الرغم من نجاح العملية (...) وحتى أن لم يكن خطأك فعليك أن تدفع المال تجنباً للمشاكل"، بحسب الطبيب المعتزل.

وعن تلك اللحظات العصيبة يقول السامرائي بنبرة حزن والذي أبدى انزعاجه الكبير من هيمنة الأعراف العشائرية وتدخلها في عمل الكوادر الطبية: "بسبب تلك الحادثة تعرضت لتهديدات ومضايقات كبيرة من قبل ذوي المتوفى، حتى كان الفصل العشائري الحل الوحيد بيننا"، في إشارة إلى الصلح بينه وبين عائلة المتوفى. منوهاً إلى أن: "هذه الحادثة دفعتني إلى أن اعتزل مهنة الطب وألتجئ إلى عمل آخر. خوفاً على حياتي في ظل سلطوية العشيرة". ويختم السامرائي حديثه بالقول: "كنت مصراً على خدمة أهلي وبلدي ولكن الأعراف العشائرية حالت دون ذلك".

Irak, Ärzte stoßen auf Schwierigkeiten durch Stammes-Gewohnheiten. Krankenhaus in Baghdad ,Iraq. Copyright: DW/Munaf Al-saidy Juni, 2012
المستشفى التعليمي لم يرتقي بعد إلى مستوى تقديم خدمات لائقةصورة من: DW

"الكثير من الأطباء باتوا يرفضون إجراء العمليات الجراحية المعقدة للمرضى، إذا ما اكتشفوا أن هؤلاء قادمين من مناطق ذات نفوذ عشائري"، كما يقول طبيب التخدير أركان محمد مهدي، والذي يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية بالعاصمة العراقية بغداد.

ويقول مهدي في حوار مع DW عربية: "غالباً ما يتلقى الأطباء تهديدات من قبل مواطنين إثناء عملهم في محاولة منهم للتدخل في عمل الطبيب"، مشيراً إلى ما يتعرض لها من تهديدات اللفظية كثيرة على مدار العام، "بسبب رفضي الاستجابة لمطالب غير محقة لبعض المرضى والمراجعين".

ويستطرد بالقول: "بعد أن عاصرت هجرة الكثير من زملائي في المهنة إلى خارج العراق، على خلفية تهديدات عشائرية وجهت ضدهم، سأضطر إلى اللحاق بهم، لأني لم أعد أستطيع أن أعمل تحت رحمة ظروف كهذه"، بحسب تعبيره.

Irak, Ärzte stoßen auf Schwierigkeiten durch Stammes-Gewohnheiten. Dr. Irkan Mohammed, Doctors are exposed to threats from those with patient , Baghdad ,Iraq. Copyright: DW/Munaf Al-saidy Juni, 2012
أركان محمد مهدي، طبيب عراقي تخديرصورة من: DW

وبلغت نسبة الأطباء الذين هاجروا خارج العراق بعد عام 2003 نحو 60 – 70 بالمائة من أصل العدد الكلي المسجل لدى نقابة الأطباء العراقيين البالغ 34 ألف طبيب، فضلاً عن هجرة أعداد غير معروفة للكوادر الطبية الوسطية، بحسب إحصائية رسمية لوزارة الصحة العراقية نشرت مطلع العام الحالي.

قانون حماية الأطباء إلى أين!

من جانبها تؤكد الطبيبة هدى محمد أمين، أخصائية أمراض نسائية وتوليد، على ضرورة أن تشرع الدولة قانوناً من شأنه أن يحمي الأطباء من التهديدات العشائرية، "لاسيما تلك التي تعنى بتهديدات أهالي المرضى في حالة حدوث أخطاء طبية غير متعمدة".


و تشير الطبيبة هدى أمين إلى: أن "الدولة تخلت عن حمايتنا"، داعية الأطباء إلى التظاهر لإرغام مجلس النواب العراقي على الإسراع في سن القوانين، "التي تعنى بحماية الطبيب من التهديدات العشائرية". وكان مجلس النواب العراقي قد أرجأ في عام 2012 التصويت على مشروع قانون حماية الأطباء، حيث طالب النواب بأن يكون تشريع قانون حماية الأطباء متزامناً مع قانون ضمان حقوق المريض. لكن يبدو أن الخلافات التي تعصف بالمشهد السياسي في العراق، حالت إلى وضع مشروع القانون على الرف، حاله حال الكثير من القوانين التي تتعلق بالمواطن العراقي بشكل مباشر.

ضحية خطأ طبي

لكن المواطن مرتضى طالب صحن ( 25 عاماً) الذي كان ضحية خطأ طبي أيضاً، حيث نسي أحد الأطباء مادة (الشاش) الطبي في معدته، يقول إن "الكثير من الأخطاء الطبية تسبب غضب المرضى وذويهم". ويبين أن "بعض الأطباء يتصرفون بنوع من اللامبالاة تجاه المرضى. وأحياناً لا يولون اهتماماً لهم بالمرة".

Irak, Ärzte stoßen auf Schwierigkeiten durch Stammes-Gewohnheiten. Murtaza Talab, Victims of medical errors, Baghdad ,Iraq. Copyright: DW/Munaf Al-saidy Juni, 2012
مرتضى طالب صحن، ضحية خطأ فني طبي في العراقصورة من: DW


ورغم أن صحن تقدم بشكوى رسمية في إحدى محاكم بغداد، ضد الطبيب الذي أجرى له العملية الجراحية، إلا أن الأخير قام بتسوية الأمر عن طريق إخراج قطعة (الشاش) من معدة صحن عن طريق عملية جراحية مجانية، فضلاً عن إعطائه مبلغاً من المال لإرضائه.

وكان العراقيون المصابون بأمراض مختلفة تتطلب علاجاً غير متوفر داخل البلاد أو عمليات دقيقة قد اعتادوا على السفر إلى سوريا والأردن ولبنان وتركيا والهند، طلباً للعلاج بعد تناقص أعداد الأطباء العراقيين الاختصاصيين مابين عامي 2004 و2009، إذ لقي ما يزيد عن 60 طبيباً عراقياً مصرعهم خلال تلك الفترة، بحسب إحصائية وزارة الصحة العراقية.

هيمنة العرف العشائري، ساهم في استهداف الأطباء؟

"هيمنة العرف العشائري على المجتمع العراقي إثر غياب سيادة السلطة الحكومية، تعد من أهم الأسباب التي ساهمت في ارتفاع حالات استهداف الأطباء عشائرياً في أغلب المدن العراقية"، بحسب الخبير الاجتماعي، حسن كريم حسن. ويضيف حسن في حوار مع DW عربية أن "زعماء العشائر غالباً ما يبتزون الكفاءات العلمية الاختصاصية لاسيما الأطباء من أجل الحصول على منافع مادية تحت ما يسمى بـ"الفصل العشائري" لاعتقادهم أن الطبيب ذو قدرة مالية على الدفع".

يوضح حسن أن "أخطاء الأطباء في التشخيص والعمليات الجراحية أمر وارد في كل دول العالم، وهو ما تحكمه أنظمة وقوانين تحفظ حقوق كل من الطبيب والمريض". و تنص الضوابط المعمول بها في المستشفيات العراقية على موافقة المريض وأهله على إجراء العملية الجراحية، إلا أن ذلك لا يردع بعض العائلات عن تهديد الطبيب في ما إذا توفي المريض خلال العملية أو بعدها.

من جانبه يرفض الشيخ بهاء الدين فرج رحيم، رئيس عشيرة عراقية، تهديدات البعض للأطباء، كما يرفض في الوقت ذاته أن تنسب التهديدات إلى العشائر، إذ يعدها تهديدات شخصية، مبيناً أن "الخطأ وارد جداً في مهنة الطب". و يضيف رحيم بالقول: "استجيب أحياناً لشكاوى مقدمة من قبل بعض العشائر على معظم الأطباء في حال وجدت أن الطبيب كان هو المخطئ".

Irak, Ärzte stoßen auf Schwierigkeiten durch Stammes-Gewohnheiten. Sheikh Abd al-Razzaq Faraj Rahim rejects the threat of doctors , Baghdad ,Iraq. Copyright: DW/Munaf Al-saidy Juni, 2012
الشيخ بهاء الدين فرج رحيم، رئيس عشيرة عراقيةصورة من: DW

و يصف رحيم (57 عاماً) في حوار مع DW عربية، قضية أحد الأشخاص الذي توفي أثناء إجراء عملية جراحية له: "طالبنا بمبلغ 50 ألف دولار أمريكي كتعويض لعائلة المتوفى. ثم قمنا بخفضه إلى النصف بعد أن أعترف الطبيب بخطئه. و لو رفض الطبيب دفع المبلغ لكان من المحتمل أن يستمر الثأر العشائري للاقتصاص منه لسنين عدة".

ميثاق "لحماية" الأطباء

Irak, Ärzte stoßen auf Schwierigkeiten durch Stammes-Gewohnheiten. Ahmed Saadi Assistant Inspector General at the Ministry of Health , Baghdad ,Iraq. Copyright: DW/Munaf Al-saidy Juni, 2012
معاون المفتش العام في وزارة الصحة العراقية في بغداد أحمد رحيم الساعديصورة من: DW

من جانبه يشير معاون المفتش العام في وزارة الصحة العراقية، احمد رحيم الساعدي، في حوار مع DW إلى أن "ظاهرة استهداف وابتزاز الأطباء عشائرياً بما يعرف بـ"الفصل" أخذ بالازدياد خلال الآونة الأخيرة"، معللاً الأمر بـ"غياب الأمن الاجتماعي في البلاد".

وعن دور وزارة الصحة العراقية للحد من ارتفاع حالات استهداف الأطباء عشائرياً في العراق يشير الساعدي في حوار إلى أن وزارته وقعت ميثاقاً مع شيوخ العشائر في محافظات الوسط والجنوب، "يتضمن عدم ملاحقة الأطباء عشائرياً. والرجوع إلى وزارة الصحة في حال شعروا بأي غبن. فيما ستتأكد الوزارة بدورها إن كان الطبيب مقصراً في عمله أم لا"، مضيفاً "وإن كانت عشيرة المريض المتوفى على حق فستحال قضيته "الطبيب" إلى العدالة".

وينوه الساعدي أيضاً إلى ضرورة تفعيل قانون حماية الأطباء الذي تقدمت به وزارة الصحة لمجلس النواب العراقي منذ عام ونصف العام، "من أجل الحفاظ على الأطباء العراقيين كثروة وطنية للبلد"، على حد تعبيره.

ويلجأ معظم الأشخاص في العراق وخاصة في محافظات الوسط والجنوب إلى العشيرة لحل النزاعات التي تحدث بينهم من خلال تسويتها أو تعويض المعتدى عليه بمبالغ مالية بما لحقه من أضرار مادية أو معنوية.

مناف الساعدي/ بغداد

مراجعة: حسن ع. حسين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد