1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أمريكا: من عولمة كلينتون وبوش إلى عالمية أوباما

١٦ أبريل ٢٠٠٩

د. شاكر النابلسي

https://p.dw.com/p/HYAM

-1-

يعتبر الحديث عن العولمة في نهاية القرن العشرين، حديثاً جديـداً. فقد قال انتوني جدينـز Giddens في العام 1998 أن مصطلح العولمة قبل عشر سنوات من هذا التاريخ، لم يكن معروفاً في الغرب، في الأوساط الأكاديمية، أو في الأوساط الإعلاميـة. وأصبح المصطلح بعد عشر سنوات من تاريخ 1988 من مصطلح مجهول إلى مصطلح يتردد في كل مكان، في المجالات السياسية، والاقتصادية، والأكاديمية، والإعلامية.

لقد قادت أمريكا العالم في التسعينات من القرن الماضي، نحو العولمة، وإلغاء الحدود والسدود، في وجه الاقتصاد العالمي، وإنشاء الشركات الضخمة العابرة للقارات. وكان ذلك بعد حرب الخليج 1991، حين أنشأ بوش الأب التحالف الدولي، لطرد صدام حسين من الكويت. وقد تمَّ النجاح لهذه العملية. وخرج العالم بعدها بقناعة، أن العولمة العسكرية قد نجحت نجاحاً باهراً، فلماذا لا نأخذ بالعولمة الاقتصادية، التي قادها فيما بعد الحزب الجمهوري الأمريكي وعلى رأسه كلينتون. فبدأ التعاون مع الصين اقتصادياً. وكانت نتيجة ذلك، أن أصبحت الصين هي المصنع الأمريكي، وأمريكا هي المستهلك الصيني. ونقلت معظم الشركات الأمريكية الكبيرة مصانعها إلى الصين، ذات العمالة الرخيصة، والمنظمة، والماهرة، والمنتجة إنتاجاً باهراً، كما نرى الآن، من خلال سلعهم وبضائعهم المنتشرة في كل مكان من العالم.

-2-

لقد تمّت مقاومة العولمة في العالم العربي مقاومة شديدة، دون أن يفهم العالم العربي المعنى ذا المرمى البعيد من العولمة. ففي العالم العربي تيارات سياسية ودينية، تعتبر أن كل ما يأتي من أمريكا ضار، وقبيح، ومؤذي للعرب. وأصبح الحديث عن العولمة في العـالم العربي، في نهايـة القرن العشرين، أشبه ما يكون بالفزع الكبير الشامل. وكأنها قنبلة عظيمة الأثر أُلقيت في وسط العالم العربي، فانفجرت، وتناثرت شظاياها في كل مكـان من العـالم العربي، حتى الأمكنـة التي لا تزال تعيش أنظمـة القرون الوسطى سياسيـاً، واجتماعيـاً، وثقافياً، واقتصاديـاً. وما بين التطلع والتوجس، الترحيب والتحذير، الاستبشار والتخوف، التمجيد والاتهام، تعامل معظم ما كُتب وجُلَّ ما قيل عن العولمة، وكأنها مفاجأة سقطت على التاريخ من خارجه.

وكانت العولمة - باعتبارها مبادرة أمريكية – على هذا الأساس، منبوذة، ومحتقرة، ومتهمة عدة اتهامات في العالم العربي، منها: أن العولمة هي الاسم الحركي للأمركة. وأن العولمة علاقات دولية، تحكمها شريعة الغاب في عالم الغاب. وأن العولمة مشروع أمريكي تدميري.. الخ.

ورغم هذا كله، وجدنا أن العولمة هي الحاجة الطبيعية لإنسان القرن الحادي والعشرين. وأصبحنا – بفضل العولمة - نستهلك في العالم العربي منتجات أمريكية، صُنعت في الصين، وجيء بموادها الأولية من الشرق الأوسط، أو من جنوب شرق آسيا، وبطاقة نفطية عراقية، وليبية، وجزائرية، وخليجية.

-3-

في عهد الرئيس أوباما، نرى أن أمريكا بدأت تتحرك نحو وحدة القرار، والهدف، والعمل العالمي. وقد اتضح ذلك من خلال نجاح قمة العشرين في لندن في2/4/2009، واكتشفت أمريكا في عهد جورج بوش الابن أن أمريكا ليست دولة كبرى وقوة عظمى بذاتها، وإنما هي قوة عظمى ودولة كبرى بتحالفها مع العالم، بما فيهم أعداؤها ككوريا الشمالية، وإيران، وسوريا وغيرهم. وأن أمريكا أمٌ رؤوم، وأبٌ مسئول عن العالم كله، وذلك باتفاقها مع هذا العالم، وبوحدتها الاقتصادية، والعسكرية مع هذا العالم. وعندما تسعُل أمريكا، فإن العالم كله يصاب بالانفلوانزا الشديدة، كما يقال. وقد تأكد ذلك في الأزمة المالية الحالية، التي اجتاحت أمريكا في أواخر عام 2008 وما زالت حتى الآن. وكان تأثيرها وتداعياتها في العالم كبيراً.

وقال أوباما بهذا الصدد، بمناسبة انعقاد قمة مجموعة العشرين في لندن: "لقد تعلمنا أن نجاح الاقتصاد الأميركي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد العالمي، فلا يوجد خط فاصل بين إجراء يستعيد نماءنا داخل حدودنا، وإجراء يدعم ذلك النماء خارج حدودنا. وإذا كان المواطنون في بلاد أخرى يعجزون عن الإنفاق، فإن ذلك يعني أن الأسواق سوف تنضب، وقد شهدنا بالفعل، أكبر تراجع في الصادرات الأميركية، خلال أربعة عقود تقريباً، وهو الأمر الذي أدى ـ بصورة مباشرة ـ إلى خسائر في الوظائف داخل الولايات المتحدة".

ومن أجل ذلك، أصبحت إدارة أوباما تمدُّ يد التعاون إلى العدو والصديق على السواء. فأمريكا الآن في عدة مآزق، ومتورطة عسكرياً واقتصادياً، ولن تخرج من مآزقها وورطاتها، إلا بالتعاون مع العالم، الذي يأخذ ويعطي أمريكا، كما لا يحصل مع أي بلد آخر.

-4-

إذن، لقد انتقلت أمريكا في عهد أوباما، من مرحلة العولمة إلى مرحلة العالمية. والعالمية التي يدعو إليها أوباما، ليست هي ما قرأناه في كتب الاقتصاديين والسياسيين اليساريين السابقين، من أنها ذات مبدأ لغزو الشعوب والاستيلاء على الأراضي، وإذلال الناس باسم الشعوب، وإنما هي - بمفهوم أوباما – تتحدد في الإجراءات التالية، انطلاقاً من قمة لندن للدول العشرين:

1- التعامل بجرأة، من أجل انتشال الاقتصاد الأميركي من الأزمة، وإصلاح نظام الرقابة الأمريكي. وهذه الإجراءات سوف يعززها إجراء تكميلي في الخارج.

2- يجب أن تبدأ الجهود بإجراء سريع لتنشيط النمو. ولقد قامت أمريكا بالفعل بتمرير قانون الإنعاش الأميركي، وإعادة الاستثمار. ويجب تنشيط هذه الجهود والمحافظة على استدامتها، حتى يعود الطلب إلى ما كان عليه. ويجب أن تقوم أمريكا بتعزيز التجارة المفتوحة والاستثمار، مع الوقوف ضد مذهب حماية المنتج الوطني، الذي سوف يعزز من الأزمة.

3- ستعمل أمريكا بجرأة لتحقيق الاستقرار في نظامنا المالي. ويتضمن ذلك تقييماً صادقاً لميزانيات البنوك الكبرى. ويجب المضي في هذا الاتجاه وتوسيعه بإجراءات يتخذها شركاء أمريكا في مجموعة العشرين.

4- لدى أمريكا التزام اقتصادي وأمني وأخلاقي، لمدِّ يد العون إلى الدول والشعوب التي تواجه المخاطر الكبرى. وعلى مجموعة العشرين أن تُعبّئ مواردها بسرعة، لتحقيق الاستقرار في الأسواق الناشئة، مع دعم صندوق النقد الدولي.

5- سوف تقوم أميركا بدعم استثمارات جديدة، لها أهداف في مجال الأمن الغذائي، الذي من شأنه أن يساعد الفقراء على مواجهة الأيام الصعبة التي سوف تأتي. ورغم أن هذه الإجراءات يمكن أن تساعد أمريكا على الخروج من الأزمة، فإنه يجب أن لا تقبل أمريكا الرجوع إلى الوضع الراهن.

6- يجب وضع نهاية لعمليات المضاربة الطائشة والإنفاق الذي يتجاوز طاقة أمريكا، والائتمان السيئ وغياب الرقابة، حيث إن ذلك يجلب على أمريكا فقاعات سوف تنفجر حتماً.

7- وأخيراً، تحتاج جميع مؤسسات أمريكا المالية، داخل وول ستريت، وفي مختلف أنحاء العالم، إلى رقابة قوية وقواعد حكيمة في عملها. ويجب أن تكون هناك معايير للاستقرار، وآلية للإفصاح داخل جميع الأسواق.

وتلك كلها معالم المنهاج العالمي الأمريكي، الذي سيقوده أوباما في السنوات الثلاث المقبلة من ولايته.

فهل سينجح في تحقيق هذه الأحلام الصعبة؟