1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أنها حرب على الإرهاب أيها الرئيس

نزار حيدر٢٧ يونيو ٢٠١٣

يرى نـزار حيدر أن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش كان محقا حين وصف حرب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بأنها حرب على الإرهاب، لان نظام طالبان ونظام صدام حسين لم يمتلكا شرعية تولي السلطة ، كونهما غير منتخبين.

https://p.dw.com/p/18xL0
صورة من: Getty Images

عندما وصف البعض حرب الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان والعراق، بأنها حرب صليبية جديدة ضد العالم الإسلامي، رفض الرئيس بوش وقتها هذا الوصف، قائلا (إنها حرب على الإرهاب) وأضاف: إنهم، أي الإرهابيون، يحاربون قيمنا الحضارية النبيلة، انهم يكرهون الحرية والديمقراطية.

وبرأيي، فان الرئيس بوش كان محقا وقتها، فلا حركة طالبان كانت تمثل الإسلام لنعتبر الحرب ضدها على انها حرب على الإسلام، ولا الطاغية الذليل صدام حسين كان يمثل الإسلام بأي حال من الأحوال، لنعتبر ان الحرب لإسقاطه وإزاحته عن السلطة حرب على الإسلام، فلقد مثل هذان النظامان، وقتها، أسوأ الأنظمة الشمولية والبوليسية في العالم، فكانا، ومن لف لفهما، لا يمثلون الا مصالحهم الشخصية، متلفعين بالإسلام لتضليل الناس ولتحشيد الشارع المغفل وراءهم في حروب عبثية ليس للأمة فيها لا ناقة ولا جمل.

إنهم، ومعهم كل التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الأسماء التاريخية والدينية عنوانا لها، يوظفون الدين والمذهب والطائفة لتحقيق مصالح أنانية، لم تدر على شعوب المنطقة أي خير، لا دنيوي ولا أخروي.

لم يتغير من الأمر شيئا خلال السنوات العشر الماضية، فلا زالت الحرب هي هي، واللاعبون هم هم، ربما تغيرت الأسماء والمسميات والعناوين والأشخاص والأماكن، إلا ان جوهر الحرب هي ذاتها لم تتغير، إنها حرب الإرهاب على القيم الإنسانية والمبادئ الحضارية النبيلة، الإرهاب الذي يمثله ويغذيه نهج التكفير وإلغاء الأخر، المدعوم بالبترو دولار الخليجي وفتاوى التكفير التي يصدرها فقهاء البلاطات الفاسدة لنظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، والتي تحرض على العنف والقتل والكراهية والبغضاء وتزرع الشحناء، ليس فقط ضد هذا المذهب او ذاك، وإنما ضد كل قيم الإنسانية، السماوية منها والوضعية، لان التكفير لا يؤمن بحرمة دم وانه لا يؤمن بالاختلاف الذي هو فطرة الله التي خلق الناس عليها، كما انه لا يؤمن بالتنوع والتعددية فضلا عن الرأي والرأي الآخر، فقاعدته: من لم يكن في صفوفنا وعلى ملتنا وديننا وعقائدنا فهو كافر لا يستحق الحياة ويجب ان ينفى من الدنيا سواء بالقتل او بالحرق او بتمزيق صدره لأكل قلبه وكبده او بحرق بيته على رأسه، او بأية طريقة ممكنة، فليس في الأمر حدود أو خطوط حمراء او رادع من نوع ما أبدا { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً}.

"تنصل الولايات المتحدة من حربها على الإرهاب سيورطها في الحرب أكثر"

هذه الحقائق يعرفها الأميركيون قبل غيرهم، وعلى أساسها شنوا حروبهم ضد التنظيمات الإرهابية في العالم، وان تسمت بأسماء دينية، فلماذا، اذن، وصف الرئيس اوباما الأسبوع الفائت نفس هذه الحرب بأنها (شيعية ـ سنية) رافضا تورط بلاده بها؟ لماذا رفضت واشنطن وصف حربها على الإرهاب فيما سبق كونها حرب صليبية، فيما تعطي لنفسها الحق في وصف ذات الحرب اليوم بأنها حرب طائفية؟.

أن تنصل الولايات المتحدة من حربها على الإرهاب وبهذه الطريقة المفضوحة سيورطها في الحرب بشكل أسوأ ولكن بطرق ووسائل جديدة، إنها الأنانية الأميركية التي حاولت واشنطن إخفاءها خلال الفترة المنصرمة، فلماذا تعتبر هذه الحرب على الإرهاب اذا مست الداخل الأميركي او مصالحها في العالم، إلا أنها حرب طائفية إذا ابتعدت عن مخادعهم؟.

Screenshot - CNN Boston Anschläge
سي ان ان غطت هجمات بوسطن اولا باولصورة من: cnn.com

ولذلك، ففي رأيي، لا يجوز وصف الحرب الدائرة في المنطقة بالطائفية، لسببين مهمين:

الأول: ان القاتل في هذه الحرب طرف واحد مدعوم من أنظمة وفقهاء تكفير وأموال غزيرة، اما الطرف الثاني فهم الضحايا فحسب، بمعنى آخر فان المهاجمين في هذه الحرب طرف واحد يسعى الطرف الثاني الى الدفاع عن نفسه فقط مقابل هجماته الإرهابية الوحشية، ولعل ابرز دليل على هذه الحقيقة هو ما جرى مؤخرا في مصر التي تعرض فيها مجموعة من المواطنين المسالمين، الى هجوم ارهابي شرس على يد جماعات العنف والإرهاب وجمهور من الغوغاء الذين نجدهم في كل ميادين.

لو كانت الحرب طائفية لرد الضحايا وأسرهم ومحبيهم على المهاجمين بنفس الطريقة وهم، بالمناسبة، قادرون على فعل ما هو اكثر من ذلك اذا ما خرجوا عن دينهم، الا ان صبرهم وتحملهم وعظهم على النواجذ دليل صارخ على انها حرب على الإرهاب وليست حربا طائفية.

المثل الثاني هو باكستان، فالقتلة يوظفون كل الأدوات لانتهاك حرمة دماء وارواح ضحاياهم، ولكن، هل سمعنا يوما ان احد ضحاياهم وظف ادواتهم للرد بالمثل؟.

المثل الثالث هو العراق، فلازال ضحايا هذه الحرب صابرون وصامدون لا يردون بالطريقة نفسها التي يمارس بها المعتدون جرائمهم ضدهم، ولو أرادوا لفعلوا وأكثر، الا انهم في كل مرة يريدون ان يثبتوا للرأي العام العالمي بان هذه الحرب هي حرب الإرهاب وليست حربا طائفية، صحيح ان المجرمين يختارون ضحاياهم على الهوية في اغلب الأحيان، الا ان حربهم تظل حرب الإرهاب، وليست حربا طائفية، انها حرب الارهاب على القيم السليمة والإنسانية التي يتمتع بها ضحاياهم، وليس في ذلك ادنى شك، ولهذا السبب يقابل الضحايا أدواتهم بقيم الصبر والتلاحم ورفض الرد بالمثل.

"حرب على الإرهاب وليست حرب طائفية"

وهكذا هي حرب الإرهاب، ايها الرئيس اوباما، فان سلاحهم القتل وفتاوى التكفير والذبح وسحل جثث الضحايا ومضغ أعضائهم الداخلية وإشعال الحرائق في بيوت الضحايا، وسلاح الضحايا المنطق والعقلانية والرأي والرأي الآخر والدعوة الى الوحدة والانسجام والإبقاء على الاختلاف في إطار الفكر بعيدا عن اراقة الدماء والتدمير.

Dzhokhar Tsarnaev Boston Anschlag Archivbild
المتهم الثاني بهجمات بوسطنصورة من: picture alliance/AP Photo/FBI

لماذا تبادر الولايات المتحدة الأميركية وحليفاتها في المجتمع الدولي، وكذلك الفاتيكان، الى ادانة اي اعتداء يتعرض له المسيحيون في بلداننا ويسارعون الى وصف الاعتداء عليهم بالعمل الإرهابي، فيما يقف الرئيس اوباما ليصف الاعتداءات الإرهابية التي يتعرض لها شيعة اهل البيت عليهم السلام في سوريا ومصر وغيرها بالحرب الطائفية؟ ما الفرق بين طريقة وادوات وشعارات ووسائل ودوافع الذين يعتدون على المسيحيين وبين اولئك الذين يعتدون على الشيعة؟ اوليس كلهم مشبعون بثقافة الغاء الآخر والحقد والتكفير؟ وضحاياهم، اوليسوا كلهم يقتلون على الهوية؟.

ثانيا: ان على الولايات المتحدة الأميركية ان تعيد النظر في طريقة تعاملها مع الحرب في المنطقة، فعليها أولا ان تعيد التسمية الأولى الى هذه الحرب، لتتحمل مسؤوليتها كاملة في الحرب على الارهاب، ولتبادر فورا الى لجم انظمة المنطقة ومنعها من الاستمرار في التحشيد الطائفي.

لا يكفي ان تستغني واشنطن عن واحد من حلفائها التقليديين بعد ان لفظته مصالحها حاله حال قطعة ورق المرافق العامة التي يستخدمها المرء مرة واحدة فقط ثم يرميها بعيدا، لا يكفي ذلك، بل ان على واشنطن ان ترمي كل الاوراق التي في المنطقة بعيدا، لتهدا المنطقة فتحمي بذلك جبهتها.

" هل كان هجوم بوسطن طائفيا ؟"

وبكلمة موجزة اقول: ان الحرب التي تشهدها المنطقة هي حرب على الإرهاب، وان احد اهم اسبابها هي العملية السياسية الجديدة التي يشهدها العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، ولا ينكر احدا بان للولايات المتحدة دور في انطلاق هذه العملية، ولذلك فان على واشنطن ان تتعامل مع هذه الحرب على انها جزء مكمل للحرب على الإرهاب التي بداتها منذ عقد من الزمن، وان عليها ان لا تنسى بان لها حلفاء وشركاء في هذه الحرب، منهم العراق الجديد وأفغانستان الجديدة، ولذلك فان عليها ان تعمل معهم من اجل ان تأتي على كامل فصول الحرب على الإرهاب من دون ان تفكر بالتنصل عن التزاماتها، الا اللهم إذا أرادت ان توحي للراي العام العربي والإسلامي بأنها فشلت في مشروع نشر الديمقراطية، وإنها استسلمت للإرهاب ولذلك لم تعد تكترث بما يحصل هناك، او انها تسعى لصب الزيت على نار الحرب في المنطقة لتشغل أهلها بأنفسهم لتخرج هي من هذه الحرب سالمة، واذا كانت واشنطن تفكر بهذه الطريقة فهذا هو الغباء بعينه، فالقاعدة تقول (اما ان يهنأ كل العالم بالامن والسلام، او لا يهنأ احد فيه لا بالامن ولا بالسلام) وما حدث بوسطن الأخير الا دليل على ذلك، ام ان السيد الرئيس قد نسي ذلك؟.