1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

إقصاء المكونات الصغيرة إنتهاك جديد للدستور العراقي

٣٠ سبتمبر ٢٠٠٨

منذر الفضل

https://p.dw.com/p/FRsa

إقصاء المكونات الصغيرة إنتهاك جديد للدستور العراقي

منذر الفضل

-1-

العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب منذ القدم , وهذه التعددية يعرفها كل العراقيين وهي مصدر قوة وليست ضعفا للعراق , كما نصت على هذه التعددية المادة 3 من الدستور العراقي الحالي لعام 2005 , وقد جاء النص أيضا على تعددية اللغات وهي العربية والكوردية والتركمانية والسريانية والأرمنية وحق التعلم بها أو بأية لغة أخرى ( المادة 4 ). أما بالنسبة لنطاق الحقوق والحريات المدنية والسياسية فأن جميع العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الأصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الأجتماعي ( المادة 14 من الدستور ) وأصل هذا النص يرجع الى ما أقره الأعلان العالمي لحقوق الأنسان من قيم إنسانية أساسية واجبة الأحترام في المجتمع الدولي. كما ان الفرص متاحة للجميع بصورة متساوية وعلى الدولة اتخاذ الأجراءات اللازمة لتحقيق ذلك وفقا لنص المادة 16 من الدستور .

إلا ان مجلس النواب إنتهك صراحة هذه النصوص الدستورية حيث كرس التمييز بين العراقيين وحرم الكثيرين منهم من فرص يجب ان يسود العدل في توفيرها واصدر قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي الذي تضمن اقصاء المكونات الصغيرة من القوميات واتباع الديانات الاخرى عندما الغى نص المادة 50 من القانون المذكور والتي كانت هي بالأساس موجودة فيه وليست محل خلاف بين أعضاء مجلس النواب والأحزاب والكتل السياسية قبل اجراء بعض التعديلات عليه لمناسبة الأعتراضات التي حصلت من قائمة التحالف الكوردستاني ورد مجلس الرئاسة على نص المادة 24 الخاصة بالانتخابات في كركوك وليس على نص مشاركة المكونات الصغيرة في هذه المجالس .

ان هذه المكونات وان سميت بالمجموعات الصغيرة من الناحية العددية Minority , إلا أنها ليست صغيرة في قيمتها وأهميتها وقوتها ودورها الأنساني وفي تاريخها وثقافاتها وخدماتها للعراق منذ القدم حتى الأن , اذ ليس العبرة بالعدد ابدا , وحينما نقول مكونات صغيرة لا يعني تهميشها او إقصاء دورها , هذا فضلا عن ان الديمقراطية لا يمكن ان تبنى بصورة صحيحة مع وجود تعطيل او اقصاء لمكونات اخرى لأن الديمقراطية لا تعني حكم الأغلبية Majority وانما يراد بها حكم الجميع ومشاركة الكل في السلطة وصنع القرار وفي توزيع الثروة بصورة عادلة , اي ان الديمقراطية تعني حكم الكل لا دكتاتورية الأغلبية على الأقلية او على المجموعات الصغيرة قوميا او دينيا او مذهبيا .

ولقد برز من بين هذه المكونات الصغيرة , التي هي مثل باقة الورد , من الأشوريين والكلدان والسريان والصابئة المندائية والأيزيديين والشبك وغيرهم شخصيات علمية وفكرية وسياسية وثقافية وفنية أغنت العراق وتاريخة وثقافته , ومن حقهم ان ينتسبوا للعراق وان ينسب العراق لهم , لان مصدر قوة بلاد الرافدين بوجود هذه الأطياف المتعددة والمختلفة ورعايتها واحترام حقوقها واي تهميش لهذه المكونات خرق للمواثيق الدولية ومنها الأعلان العالمي لحقوق الأنسان والبروتوكولات الملحقة به وانتهاك لقواعد الديمقراطية المعروفة دوليا وللقيم الأنسانية النبيلة .

-2-

أزمة قانون الانتخابات للمجالس والحلول غير المنصفة

في 22 تموز 2008 اصدر مجلس النواب العراقي قانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية والنواحي وقد حصلت اشكاليات غابت فيها الشفافية عند الوصول الى مناقشة نص المادة 24 من القانون حين طلب رئيس المجلس تحويب الجلسة الى سرية بعد كانت علنية مما ادى الى اعتراض قائمة التحالف الكوردستاني وبعض الأطراف الأخرى من المجلس الاعلى الاسلامي في العراق وحين وصل القانون الى مرحلة مصادقة مجلس الرئاسة لم تحصل الموافقة علية ونقض القانون وعاد الى مجلس النواب بسبب نص المادة 24 الخاصة بالانتخابات في كركوك .

وفي 24 ابلول 2008 صوت مجلس النواب على المواد المنقوضة من مجلس الرئاسة وتحديدا نص المادة 24 سالفة الذكر , غير ان الذي جرى قيام المجلس المذكور بحذف نص المادة 50 التي التي كانت تتضمن منح الأقليات القومية والدينية المسيحية المنصوص عليها في الدستور مقاعد في مجلس المحافظات بنحو 3 مقاعد في مجلس محافظة بغداد و3 مقاعد في مجلس محافظة نينوى وبضمنها مقعد واحد للأزيديين واخر للشبك وفي كركوك مقعدان لأتباع الديانة المسيحية وفي دهوك مقعدان وكذلك في أربيل وفي البصرة مقعد واحد . الا انه بحذف هذه المادة يكون مجلس النواب قد خرق الدستور ويمكن اقامة الدعوى امام المحكمة الأتحادية للطعن بهاذ الألغاء لانه يتناقض مع الدستور ونصوصه سالفة الذكر وهو موقف يجب ان لا يتكرر من مجلس النواب .

وفي الحقيقة حصلت اعتراضات كثيرة من العديد من الأطراف على هذا الموقف وصدرت بيانات ومناشدات تطالب باعادة العمل بنص المادة 50 , وأيا كان الأمر , نحن نعتقد ان التعديل الجديد لنص المادة 24 الذي صدر يوم 24 ايلول هو الغاء ضمني للجنة اعمال المادة 140 من الدستور حيث ان اللجنة الجديدة ستقوم بذات الأعمال تقريبا ولم تعد هناك حاجة للجنة المادة 140 وهو يعني تأكيد الاتجاه او التفسير الخاطئ بانتهاء احكام المادة 140 بنهاية مدتها في 31 تموز 2007 وهو فهم غير صحيح يضر بالعدالة لاسيما وان نص المادة 140 باقية ونافذة المفعول لكنها تحتاج الى تمديد الفترة الزمنية وهو ما يدخل ضمن أعمال لجنة تعديل الدستور التي تشكلت وفقا لأحكام المادة 142 من الدستور العراقي . وهذا الألغاء الضمني يتضح من خلال الفقرة الاولى من المادة 24 التي نصت على تأجيل إنتخابات كركوك والاقضية والنواحي التابعة لها لحين انتهاء اللجنة المشكلة في الفقرة رابعا من ذات المادة ؟

-3-

إحترام حقوق القوميات وأتباع الديانات والمذاهب شرط لنجاح الديمقراطية

ان الاضرار بحقوق المكونات الصغيرة يعني انتهاك لحقوق الأنسان وإهدار للنصوص الدستورية وللقيم الديمقراطية لأن هذا يعطل او يقصي دور مهم لأطياف كثيرة ويحرمها من حق دستوري في المشاركة السياسية وحرية التعبير ويؤذي الحقوق الأخرى التي كفلتها القوانين ومنها حق الشخص في ان يكون ناخبا او منتخبا وحقه في في ضمان حقوقه وحرياته الدينية والفكرية والسياسية والثقافية وعلى الحق في التمتع بثروات بلاده وبدون ذلك سوف لن يشعر المواطن بالمواطنة الكاملة .

ونحن نعتقد ان إلغاء المادة 50 من قانون الأنتخابات لمجالس المحافظات والأقضية والنواحي هوعملية اقصاء واضحة للمكونات الصغيرة وهو انتهاك للنصوص الدستورية لا يجوز السكوت عليها ولهذا يجب اعادة العمل بنص المادة 50 والتراجع عن الغائها لانه بدون تمثيل المسيحيين من الاشوريين والكلدان والسريان والشبك والصابئة المندائية والازيديين والأرمن والكورد الفيلية وجميع المكونات الصغيرة القومية والدينية والمذهبية سوف لن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في العراق ولم يعد مقبولا وجود دكتاتورية الأغلبية اذ لا ديمقراطية مع وجود أطراف تعاني التهميش وتعطيل دورها .

ان حقوق المواطنة وترسيخ الشعور بها يوجب سد كل منافذ التباين في الحقوق المدنية والسياسية وترسيخ ثقافة المواطنة مثلما تفعل شعوب الأرض المتحضرة وحكوماتها لكي تشيع السلام الذي هو قانون الحياة كما تغلق بقوة جميع أبواب التعصب والتطرف الذي يقود للأرهاب والعنف إذ أن اي انسان حين يشعر بالظلم يقوم بالتمرد . ثم ما قيمة النصوص الدستورية والقانونية والمساواة النظرية للحقوق والواجبات بين المواطنين اذا كانت بلا تطبيق عملي يكشف عن إحترام طوعي من الحاكم والمحكوم للقانون الأساسي والقانون .

وإذا كان هناك من يرد بالقول بأن هذه المكونات الصغيرة لم تهمش ولم يحصل إقصاء لها لأنها ستدخل ضمن مقاعد الأحزاب الكبيرة المشاركة في الأنتخابات فأن الرد على ذلك بسيط وهو ان وجود حصص او مقاعد لهذه المكونات بنص القانون أفضل ضمانة لهم ولحقوقهم ولفرصهم من الرأي الأول وهو سيزيدهم إطمأننا وشعورا بالرضا بأحترام هذه المكونات وبوجودها الأنساني .

الدكتور منذر الفضل

Stockholm