1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ارنست بلوخ ـ فيلسوف الأمل في ذكرى وفاته الثلاثين

رشيد بوطيب٣ أغسطس ٢٠٠٧

ماذا تبقى من ارنست بلوخ؟ أو بالأحرى ماذا تبقى من الأمل في زمن العولمة و"الإنسان الأخير"؟ لربما الأمل نفسه، فقد تتغير المفاهيم أو يصيبها القدم، ولكن الأمل في حياة أفضل سيظل حيا، ضاربا بجذوره في الوعي واللاوعي الإنسانيين.

https://p.dw.com/p/BOts
بلوخ: الأولوية للوجود وليس لماهية الشيءصورة من: picture-alliance/dpa

"شجرة الحياة خضراء أما النظرية فرمادية"، كلمات لشاعر ألمانيا الكبير غوته، سبقت الوجودية بقرون، مؤكدة أن الأولوية للوجود وليست لماهية الشيء وأن الأسبقية للحياة وليست للفكرة. كلمات تصدق أيضا على فلسفة ارنست بلوخ، فنظريته الاجتماعية الثورية، وحلمه بمجتمع لا طبقي أضحى جزءا من أوهام الماضي، أضغاث أحلام راودت الإنسان وظلت أصغر من واقعه، بل وأصغر من الحلم نفسه. لقد جاءت السوق، لتتحول إلى مصدر للقيم ومدار للأفكار وفضاء للأمل. مبدأ السوق يعوض مبدأ الأمل لارنست بلوخ، ويسخر منه، ومن كل تفكير فيما وراء السوق وتداعيات آلياتها على الحياة . إنه زمن البراغماتية والربح السريع.

محطات قلقة في حياة فيلسوف

Ernst Bloch
إرنست بلوخ خلال مؤتمر تظاهري ضد قوانين الطوارئ في ألمانياصورة من: AP

لم تكن حياة بلوخ خالية من الأخطاء الكبيرة. فقد قام بلوخ في الثلاثينيات بالدفاع عن الستالينية وسياستها التطهيرية، ما كان وراء قطيعته مع أدورنو كما أنه اختار سنة 1949 قبول منصب أستاذ في جامعة لايبزيغ التابعة لألمانيا الشرقية، ليتحول بعد ذلك إلى الفيلسوف الرسمي للنظام الشمولي في شرق ألمانيا قبل أن يفيق من غفوته بعد القمع السوفياتي للانتفاضة المجرية سنة 1956 ليتم طرده من الجامعة. لكن بلوخ ينتمي أيضا إلى الألمان القلائل الذين رفضوا الحرب العالمية الثانية، إذ اختار المنفى طوعيا متوجها إلى سويسرا سنة 1917، كما أنه اكتشف خطر النازية في وقت جد مبكر ونشر سنة 1924 مقالا مطولا حول هتلر.

لكن، ورغم اختفاء كتب بلوخ من ساحة النقاشات الفكرية المعاصرة، شأنها في ذلك شأن كتب أدورنو وماركوزه، إلا أنها لم تفقد قدرتها على الإقناع بفضل حركتها الفكرية الصارمة وتعددها وقوتها الأسلوبية واللغوية، والتي تميز بها بلوخ منذ أول كتاب له "روح اليوتوبيا" الذي صدر سنة 1918 والذي ضم حجر رحى فلسفة بلوخ، التي تقول بأن الإنسان كائن ناقص يسعى نحو الكمال، ولهذا لا يمكنه أن يعيش بدون أمل، فليس الإنسان ماهو كائن ولكن ما يجب أن يكون.

وقد صدرت لبلوخ كتب متميزة، منها "ابن سينا أو اليسار الأرسطي" و"توماس مونتسه: لاهوتي الثورة"، الذي جاء احتفاء بلاهوتي اختار الانتصار لثورة الفلاحين بعكس مارتين لوثر، وفهم المسيحية كدين للعدالة الاجتماعية. لكن "مبدأ الأمل" الذي صدر سنة 1959، في أكثر من 1600 صفحة، يظل قمة ما كتبه بلوخ، تاريخا ثقافيا لفكرة الأمل الإنسانية، وأحد أهم ما أنتجته الفلسفة الألمانية في القرن العشرين.

الطبيعة كشريك للإنسان

Bildgalerie Johannes Rau
رودي دوتشكه، أحد أهم زعماء حركة التمرد الطلابيةصورة من: AP

جمع ارنست بلوخ صداقة كبيرة بالطالب المتمرد رودي دتشكه، ويمكن اعتبار بلوخ أحد المصادر الفكرية المهمة لحركة 68، رغم أن أفكاره لم تعرف نفس الانتشار الذي عرفته أفكار الفيلسوفين ماركوزه وأدورنو. لقد كان دتشكه أحد رموز حركة التمرد الطلابي المعروفة باسم حركة 68. ويعتبر دتشكه أكثر من تأثر بأفكار بلوخ واستشهد بها في تدخلاته العامة، مطالبا مثلا بتحقيق "مصالحة بين الإنسان والطبيعة. هذه الفكرة تحتل مكانا مركزيا في فلسفة الأمل البلوخية.

بلوخ الذي فهم الطبيعة كذات، ونظر إليها كشريكة للإنسان، رافضا وجهة النظر السائدة التي تختزل الطبيعة في مواد أولية وتحكم عليها انطلاقا من مردوديتها المادية، وهى وجهة نظر نلمس اليوم، لا غرو، نتائجها الكارثية على الطبيعة والإنسان، والتي انتقدها بلوخ بشدة منذ تواجده في منفاه الأمريكي، مطالبا بتحقيق تحالف بين الإنسان والطبيعة. لربما هذا ما يظل من فلسفة اليوتوبيا الواقعية، رغم أن الأمل بتحقيق عدالة اجتماعية، أمل بلوخ الكبير، سيرافقنا ولعقود قادمة، تماما كما سيرافقنا ماركس في رحلتنا نحو المستقبل، شوقا وتوقا إلى هذه العدالة، وإن اختلفت الطرق وتغيرت المفاهيم، وتعددت الرؤى، كتب جاك دريدا في "أشباح ماركس".

في الرابع من أغسطس سنة 1977، يغادرنا بلوخ. ثلاثة ألاف طالب يحضرون جنازته حاملين مشاعل بأيديهم، رمز أمل لا يموت إلا ليبعث من جديد.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد