1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي

عبد الخالق حسين٣ يناير ٢٠١٣

يشخّص د. عبد الخالق حسين ظاهرة سائدة مفادها عدم انتقاد الشعب، فالشعب وفق هذا المنظور مجتمع مثالي خال من العيوب. و لذلك يجب إلقاء اللوم على الحكومة وحدها في كل شيء، لأن معارضتها، تكسب الناقد سمعة الوطنية والشجاعة.

https://p.dw.com/p/17Cnc
صورة من: Joy Bhowmik

لا شك أن الغرض من ربط الديمقراطية بالكوارث على العرق هو إعطاء صورة سلبية عنها. وهذه مؤامرة متعمدة من أعداء الديمقراطية الذين احتكروا السلطة بالقوة الغاشمة لعشرات السنين، وتضرروا من الديمقراطية، لأنهم يرفضون مساواتهم بالمواطنة مع بقية مكونات الشعب العراقي. لذلك قام فلول البعث ومن يدعمهم من دول المنطقة بتعريض الشعب العراقي إلى سلسلة متواصلة من الكوارث والأزمات، وأبغضها وأخطرها هو إثارة الصراعات والفتن الطائفية والعنصرية. لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حقاً الديمقراطية هي سبب هذه الكوارث؟

"فضائع خلاف العراقيين مع أنفسهم"

في سياق آخر، أثبت التاريخ الحديث أن الشعب العراقي غير متصالح مع نفسه، ويتحين الفرص للقيام بأعمال انتقامية ضد بعضه البعض، وتحت مختلف الواجهات والأسماء والذرائع. وعلى سبيل المثال لا الحصر على عدم تصالح الشعب العراقي مع نفسه، نذكر الأحداث المؤلمة التالية التي كشفت حقيقة هذا الشعب:

- في الحرب العالمية الأولى حصلت حرب الجهاد، ومن ثم ثورة العشرين. وخلال هذين الحدثين الكبيرين ارتكبت فضائع كثيرة.

- وفي عام 1933، تم ارتكاب مجزرة شنيعة ضد الآثوريين راح ضحيتها الألوف.

- عند قيام حركة مايس 1941(حركة العقداء الأربعة- رشيد عالي الكيلاني)، قامت الجماهير في بغداد ومناطق أخرى من العراق بأعمال الفرهود لممتلكات اليهود، وقتل العشرات منهم، لا لشيء إلا لأنهم يهود.

- وتكررت العمليات الانتقامية والفرهود ضد اليهود بعد الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينات، وأوائل الخمسينات، كل ذلك حصل في العهد الملكي.

- وخلال ثورة 14 تموز (1958-1963) حصل صراع دموي بين الجماهير على شكل مظاهرات صاخبة ارتكبت فيها جرائم القتل والسحل بمنتهى الوحشية في الموصل وكركوك وبغداد والبصرة، ولكن في هذه المرة كانت ترتكب الجرائم والانتقامات بغطاء شيوعي- بعثي. لتتكرر الانتقامات المضادة من قبل البعثيين خلال انقلاب 8 شباط 1963، ويقال أنه تم قتل ما لا يقل عن خمسة آلاف من الشيوعيين والقاسميين وغيرهم من الوطنيين في هذه المجازر البشعة.

- وخلال حكم البعث الفاشي حصلت انتفاضة آذار (شعبان) 1991 من قبل الشيعة في الوسط والجنوب، والكُرد في الشمال، فانتقم منهم حكم البعث وقتل منهم مئات الألوف خلال أسابيع قليلة، وتم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية لحد الآن، إضافة إلى عمليات الأنفال وحلبجة ضد الشعب الكردي.

- ومنذ سقوط حكم البعث، اندلعت عمليات الاقتتال والإرهاب، وهذه المرة باسم الصراع الطائفي، (السني- الشيعي)، وكان من نتائجها تفجير ضريح الإمامين الشيعيين: علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، وعلى أثر هذه الجريمة اندلعت موجة جديدة غير مسبوقة من الاقتتال الطائفي.

- واليوم نشهد تصعيداً جديداً للصراع الطائفي على شكل مظاهرات صاخبة في المحافظات العربية السنية مع قطع الطرق الدولية التي تربط العراق بسوريا والأردن، وإطلاق خطب نارية تحريضية طائفية، ورفع أعلام حزب البعث، وعلم دولة كردستان وصور أردوغان، في إشارة واضحة للتضامن الطائفي ضد الشيعة "الخنازير" "أولاد المتعة" على حد تعبير خطباء "الربيع العربي الجديد"، تم ذلك على اثر قيام قوات الأمن العراقية باعتقال بعض عناصر حماية وزير المالية رافع العيساوي (وهو سني من الأنبار وعضو في القائمة العراقية) بتهم تتعلق بالإرهاب مما حدا بالأخير إلى الدعوة إلى إقالة المالكي او إزاحته.

بإختصار شديد، هذا هو تاريخ شعبنا الذي يحاول البعض إظهاره بالشعب الموحد المتآخي!! فما الجديد في كل ذلك؟

"الديمقراطية أتاحت أن يسمع صوت الجهل"

الجديد أن الديمقراطية فسحت المجال للأشرار لإطلاق العنان عن نزعاتهم العدوانية الشريرة، ودغدة الغرائز البدائية لجماهيرهم في العدوان، والحط من قدر مكونات الشعب الأخرى. وعلى سبيل المثال شاهدنا عن طريق روابط الفيديو ما يلي:

قال الأستاذ حسن العلوي في تصريح له في هذا الخصوص: "وفي الأسابيع الماضية كان قرار القضاء وشاشات الصحف تطارد بالحق او بالتشهير محافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي نجل أهم وأكبر زعيم سياسي شيعي عرفه العراق وكان ممن اعتمدت الحكومة عليه ووثقت به هو الدكتور عبد الباسط التركي الحديثي الذي ينتمي للمذهب السني ليكون كلمة الفصل ومعتمد رئيس الوزراء الشيعي في قضية الفساد بالبنك المركزي والذي كان من نتائجه تكليف الدكتور التركي بمهام محافظ البنك المركزي. فلماذا لم يثر الجمهور الشيعي على هذا الأجراء وقد طرد أبن الزعيم الشيعي الأول في العراق ليحل محله ابن مدينة سنية كاملة التسنن؟؟"

في الحقيقة، إن الذين أثاروا الجماهير في المحافظات العربية السنية فضحوا أنفسهم، ولا يمكن أن يكون اندلاع هذه النزعات العدوانية الطائفية الشريرة وليدة اللحظة، أو أنها مجرد رد فعل لاعتقال عدد من حماية رافع العيساوي.

" المستهدف هو العراق الديمقراطي "

يجب أن يعرف هؤلاء أن قرار القبض لم يصدر من رئيس الوزراء نوري المالكي (الشيعي)، بل من هيئة قضائية مؤلفة من جميع الأطياف، (6 أعضاء من 9 هم من أهل السنة)، ودور الحكومة اقتصر في تنفيذ القرار عن طريق رجال الأمن، لكونها سلطة تنفيذية. وحصل قبل ذلك ضد عدد من حماية الإرهابي الهارب من وجه العدالة، طارق الهاشمي، المحكوم عليه بالإعدام. فكيف تستطيع الحكومة دحر الإرهاب وتوفير الأمن للشعب إذا لا يحق لها إلقاء القبض عن المتهمين بالإرهاب خوفاً من اتهامها بالطائفية؟ فلو اتبعت السلطة هذه الحجة لتم شلها بالكامل، وهذا بالضبط ما يريده أحمد العلواني ورافع العيساوي وأمثالهما، والمطالبون بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب.

لقد بات واضحاً، أن المستهدف من كل هذه الضجة المفتعلة هو ليس المالكي، إذ من السهل عليهم التركيز على شخص واحد ومساعديه، وإنما المستهدف هو العراق كله للقضاء على الديمقراطية وإعادة الحكم إلى ما كان عليه قبل 2003. أما رفع علم كردستان في هذه التظاهرات فهي نكتة بائسة في وحدة طائفية، يعرف البرزاني نفسه هذه الحقيقة، وربما يقول لكم: "أيها العربان، سنة وشيعة، ناركم تأكل حطبكم".

والسؤال الذي يجب طرحه هو: هل كان بالإمكان تحقيق الديمقراطية بدون المرور بمرحلة الصراعات الدموية المخزية؟ الجواب: ممكن نظرياً فقط، أما عملياً فغير ممكن الانتقال من نظام دكتاتوري بعثي همجي جائر، حكم العراق لأربعة عقود، إلى ديمقراطية ناضجة بدون هزات عنيفة. ولكن رغم كل هذه الكوارث، إننا متفائلون بأن في نهاية المطاف لا بد وأن ينتصر صوت العقل على صوت الهمجية الطائفية العنصرية البغيضة.

كذلك نود أن نهمس في أذن زعماء العرب السنة أن لا يرتكبوا أخطاء زعماء الشيعة بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921، حيث تمسكوا بمبدأ سخيف (كل شيء أو لا شيء) فانتهوا بلا شيء، حيث ساهموا في عزل أبناء طائفتهم من حقوقهم المشروعة في المشاركة في حكم بلادهم لثمانية عقود، عاشوا خلالها مهمشين كمواطنين من الدرجة الثانية. فعهد التفرد بالسلطة لمكونة واحدة قد ولى وإلى الأبد. والعراق غني بثرواته وجغرافيته وتاريخه، يسع الجميع. وكلما يحتاجه العراق هو التخلي عن الأنانية وضيق الأفق، وتبني قبول الآخر، وحق الاختلاف في التعددية الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية.