1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العراق المضطرب: ضعف الطالب والمطلوب

نزار حيدر١٠ يناير ٢٠١٣

يرى نزار حيدر أن عقدا قد مر على التغيير في العراق عام 2003 ولازال البلد مضطربا لا يهدأ من أزمة إلا ودخل في أخرى، ولعل قائل يقول إن من طبيعة عمليات التغيير التاريخية، كالتي شهدها العراق، أنها تأخذ وقتا طويلا ولذلك .

https://p.dw.com/p/17H5Y
صورة من: Reuters

أقول: نعم، ولكن ذلك صحيح اذا كانت عملية التغيير تسير إلى أمام، وان كانت تسير بتوأدة وبخطوات قصيرة، وبتقدم سلحفاتي بطئ، ولكن المهم ان تسير الى الأمام، أما أن تخطو خطوة إلى أمام وتتراجع خطوات إلى الوراء، او أنها تعود بين عام وآخر إلى نقطة الصفر والى المربع الأول، كما هو الحال اليوم في العراق الجديد، فذلك لا يبشر بخير أبدا، وهو من علامات الفشل وان جبن كل الفرقاء من تسميته.

وقد يسال البعض ويقول: ومن قال إن حال العراق كذلك؟ من قال انه يتقدم خطوة إلى الإمام ويتراجع خطوات إلى الوراء؟.

أجيب: دعونا نكون علميين وواقعيين ونضرب الأمثلة التالية، كشاهد إثبات بغض النظر عن الأسباب والمسببات:

مظاهر التقدم إلى خلف

أولا: في العام الماضي كانت علاقات المركز وإقليم كردستان على أحسن ما يرام، أما اليوم فإنها في أسوء حالاتها، ما يعني ان العملية السياسية تراجعت.

ثانيا: في العام الماضي كانت العلاقة بين السيد رئيس الوزراء والقيادات السنية المشاركة في حكومته على أحسن ما يرام، أما اليوم فإنها في أسوء حالاتها، ما يعني ان العملية السياسية أصيبت في انتكاسة.

ثالثا: في العام الماضي كانت الخلافات السياسية تحت السيطرة، لانها كانت تدور بين السياسيين وزعماء الكتل السياسية فقط، اما اليوم فان الخلافات نزلت الى الشارع، ما يعني بان العراق تراجع الى الوراء.

رابعا: في العام الماضي كان حليف العراق الجديد، واقصد به الولايات المتحدة الأميركية التي ترتبط معه باتفاق استراتيجي طويل الأمد يرسم معالم شراكة حقيقية بين البلدين، يأمل خيرا من العملية السياسية ولذلك كان يدافع عنها بكل ما اوتي من قوة سياسية و ديبلوماسية واقتصادية وغير ذلك، كما انه كان يدافع عنها في عواصم (العربان) وعلى رأسهم الدوحة والرياض من الذين يحاولون بكل جهد ممكن إسقاط العملية السياسية والإجهاز على النظام السياسي الديمقراطي، اما اليوم فان واشنطن تئن من صداع قوي في الرأس اسمه (العراق الجديد) لدرجة بات بعض حلفائها السياسيين في بغداد يتهمونها بالسعي لإسقاط العملية السياسية وهم يسوقون احتفاظها بأحد أيتام النظام البائد من المدرجة أسماءهم على لائحة المطلوبين أميركيا، كدليل على ذلك، وليس بيان المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الاميركية بشان التظاهرات والاعتصامات التي تشهدها عدد من المدن غرب البلاد ببعيدة عن أمثلتهم التي يسوقونها بهذا الصدد.

خامسا: في العام الماضي كانت السلطة القضائية أكثر استقلالية، اما اليوم فان رئيس السلطة التنفيذية يتدخل بشكل مباشر بمهامها، ان من خلال القرارات المباشرة او من خلال ما يسميه بلجنة الحكماء او ما اشبه، ولعل في عملية اطلاق سراح المعتقلات مؤخرا خير دليل على ذلك، ما يعني ان النظام الديمقراطي أصيب بنكسة خطيرة.

سادسا: في العام الماضي نجحنا بعض الشيء في تقليل تدخل (علماء الدين) في السياسة، ليدير السياسيون العملية السياسية، بعد ان ظل كثيرون يتهمونهم بأنهم يوظفون الدين والمذهب لإغراض سياسية، اما اليوم فان (علماء الدين) الذين ظلوا صامتين على مدى (35) عاما من حكم الطاغية الذليل يرفضون التدخل في الأمور السياسية على الأقل من اجل ان يحتفظوا بمرتباتهم الشهرية التي كانوا يقبضونها من النظام، وتحديدا من وزارة الأوقاف، هم الذين يقودون التظاهرات والاعتصامات.

سابعا: في العام الماضي نزعنا بالكامل فتيل الأزمات الدينية والمذهبية، اما اليوم فقد عاد الاحتقان (المذهبي) الى أوجه، حتى بات العراق مرة أخرى على حافة حرب طائفية لا سامح الله، لدرجة ان رئيس الوزراء يعدها إحدى الاحتمالات التي قد تواجه البلاد، فيما كان يدعي في العام الماضي بأنه قد تم تجاوز احتمالات الحرب الأهلية والى الأبد.

هذه بعض الأدلة التي تثبت بان عملية التغيير التاريخية التي يشهدها العراق مصابة بمرض عسير ربما تحتاج الى عملية قيصرية إذا أرادت الشفاء منه، ويمكنني هنا ان اجزم بان لب المشكلة في العراق الجديد، هو الاستبداد كثقافة وظاهرة تعيش في دم العراقيين وهم يتنفسونها شهيقا وزفيرا مع الهواء الذي يستنشقونه، وهو الذي يسبب كل هذا الاضطراب وعدم الاستقرار في العملية السياسية.

فعندما يلجا الحزب الحاكم الى إجبار الناس للتظاهر تأييدا لسياساته، كما حصل ذلك يوم امس في عدد من المحافظات الجنوبية، فيعطل المدارس والدوائر الحكومية ويهدد من لا يشترك فيها، فان ذلك من علامات الاستبداد الذي بدا ينمو شيئا فشيئا في قلب عملية التغيير التاريخية، ما يشير الى ضعف المطلوب من كل هذا الاضطراب.

هاجسنا الاستبداد والماضي الرديء

وعندما يرفع بعض المتظاهرين شعارات وعلامات تحن الى الماضي الاسود، فهذا يعني أنهم مسكونون بالاستبداد، ما يشير الى ضعف الطالب.

ومن علامات الاستبداد:

ترتعد فرائصنا بظهور تافه لأحد أيتام النظام البائد ممن كان ينعته العراقيون زمن سيده الطاغية الذليل صدام حسين بأنه (ابو الثلج) او انه (جرذ القائد).

فبعد مرور (10) أعوام على التغيير لا زلنا نتخوف من ايتام النظام ومن عودة (حزب البعث) مع كل القوانين التي تصور لنا بأنها اجتثتهم من جذورهم، لنكتشف اليوم بان القضاء على مخلفات النظام البائد وإبعاد شبح عودته الى السلطة والحياة السياسية مرة أخرى، لا يتم بالقوانين او بالقتل والإعدام وما أشبه وإنما بالانجاز الصحيح والسليم الذي يطمئن الشارع بان عهدا جديدا قيد الانجاز بالفعل لا بالكلام.

كل الأطراف السياسية تتحدث عن عرائض تواقيع، ضد الأطراف الأخرى، تارة لسحب الثقة من هذا وحجبها عن ذاك، وتارة لاستجواب هذا وطرد ذاك، حتى مل الشارع العراقي من هذه اللعبة التي تشبه إلى حد بعيد لعبة الأحجار التي كنا نلعبها في شارع المحلة عندما كنا أطفالا صغارا.

كل الأطراف السياسية تتهم بعضها البعض الآخر، تارة بحملها أجندات خارجية وأخرى لتخريب العملية السياسية وثالثا بالتدخل في شؤون هذه القوة أو تلك من القوى الثلاث في البلاد، التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وكلهم يتحدثون عن الفساد المالي والإداري ولكن لم نسمع لحد الآن ان أحدا منهم قدم احد عناصر كتلته البرلمانية للقضاء طواعية ومن دون فضائح، علما بان كل الأطراف متورطة بهذا الملف.

كل الأطراف تدافع عن الدستور وتتهم الآخرين بالتجاوز عليه، وكلهم يدعون للعودة الى الدستور كمرجعية لحل الأزمات، ولكن لا احد يعود إليه بالفعل، بل إنهم جميعا تجاوزوا عليه بشكل أو بآخر.

المواطن شريف اذا كان (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) اما اذا تظاهر او اعتصم او انتقد او كتب ما يختلف ورؤية المسؤول فهو مشكوك في ولائه وارتباطاته ووطنيته ودينه ومذهبه وعشيرته وخلفيته الثقافية وفي انتمائه الحزبي وفي كل شيء.

حلول مقترحة للأزمة

اما الحل، والذي يجب ان ينفذ اليوم تحديدا وليس غدا، لان للزمن تداعياته واستحقاقاته، فيمكنني تلخيصه بما يلي:

اولا: ان يمتنع كل السياسيين من جر خلافاتهم الى الشارع، وعدم نقل هذه الخلافات الى الإعلام المباشر، وذلك يتطلب من كل وسائل الإعلام الوطنية عن الامتناع عن استضافتهم في اي برنامج او نشرة خبرية او تقرير إخباري، خاصة بعد ان ثبت للجميع بأنهم يكذبون بامتياز وإنهم يقولون نصف الحقيقة وأنهم يتهمون بلا دليل وينقلون الخبر بلا تثبت، وان كل ذلك يزيد الأزمة اشتعالا وانه يضيف زيتا الى النار ولا يساهم في حل الأزمة.

ثانيا: أن تتحول اكبر كتلة برلمانية، واقصد به التحالف الوطني، الى مؤسسة قيادية، تتحمل مسؤولياتها التاريخية على أكمل وجه من خلال توحيد الخطاب السياسي والإعلامي وكذلك توحيد المواقف ازاء القضايا الإستراتيجية، وترك ظاهرة العصبية والتعصب والفعل ورد الفعل والتازيم والانفعالية في القول والفعل.

ثالثا: ان يعيد السيد رئيس الوزراء الأمانة الى التحالف الوطني، كما أعادها إليه من كان قبله، على اعتباره ممثل الكتلة البرلمانية الأكبر وليس باعتباره من حزب ما او قائمة ما، ويطلب منه اختيار شخصية مستقلة بشكل كامل بعيدا عن كل الانتماءات الحزبية، لتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة ومختصرة مهمتها تصريف الأعمال وتهيئة كل الظروف اللازمة من اجل اجراء الانتخابات البرلمانية القادمة وفي وقتها.

رابعا: ان يسرع مجلس النواب الخطوات لتشريع القوانين التالية:

الف؛ إصلاح قانون الانتخابات من خلال تقسيم العراق الى دوائر بعدد مقاعد المجلس، وإلغاء القاسم الانتخابي واعتماد عدد الأصوات للفوز بالمقعد النيابي على قاعدة (صوت واحد لمواطن واحد) وكل ذلك من اجل ان يفتح الطريق امام التغيير الحقيقي ان على مستوى الوجوه او على مستوى السياسات والبرامج الانتخابية.

باء: إصدار قانون الأحزاب لتنظيم العمل الحزبي.

جيم: تشريع كل القوانين اللازمة لتهدئة الشارع العراقي كقانون العفو العام والتقاعد والميزانية العامة وما يخص سجناء (رفحاء) وغير ذلك.

خامسا: ان يسرع القضاء في حسم الملفات العالقة بما يضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطن.

ان الدعوة اليوم لحل البرلمان هي دعوة خطيرة جدا، لانها تعني الغاء الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد القادرة على تشريع القوانين اللازمة لتصحيح مسار العملية السياسية.

إن العراق يمر اليوم بأزمة حقيقية، يحتاج تجاوزها إلى الاعتراف بها أولا، والى الحكمة والتاني والصبر وسعة الصدر، أما العنتريات والفعل وردود الفعل والصراخ الخاوي من على الفضائيات، خاصة الطائفية التي لا تريد بالعراق خيرا، فان كل ذلك دليل على أن صاحبها ليس رجل دولة أبدا، وإنما هو (ابن شوارع) أو في أحسن الفرضيات (من طلاب السلطة).