1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المثقف في مواجهة "الإسلام النفطـي"!!

٢٨ أكتوبر ٢٠٠٨

سهيل أحمد بهجت

https://p.dw.com/p/FivZ

تمثل محنة المثقف المتنور و الحداثي في مجتمعاتنا "الإسلامية" الشرقية، أحد أكثر المآسي و التراجيديات حدة و مأساوية، فالمثقف – و نحن لا نعتبر جامع الكتب و المعلومات من هذا الصنف كون هذه الحالة لا تعدو كونها هواية – هو ذلك الشخص الذي يعي مأساة المجتمع الشرقي و افتقاره إلى حالة الوعي العقلانية و الواقعية التي تحلل أسباب ركون مجتمعاتنا إلى القناعة السلبية و الخضوع لقوانين غير منطقية "غيبية" كتبرير لاستمرار الفاسدين و الساديين في حكم شعوبنا، و مصيبة المثقف تكمن في وقوعه في حيرة من أمره، هل يتحول إلى الواقعية إلى حد أن يُتهم بكونه "ملحدا" لإنكاره أو موقفه السلبي من الغيب؟ أم يواجه الدين "السلبي" بالدين "الإيجابي" كمنطق تجديدي من منطلق أن ليس للحديد إلا الحديد؟

بين هذا و ذاك يقف المثقف شبه عاجز عن مواجهة تحالف السلطة مع الملالي أو الوعظ الديني الخرافي، و هذه الظاهرة موجودة في كلا الطرفين السني و الشيعي غير أنها أكثر بروزا في الوسط السني، و من خلال هذا الحلف الخبيث بين صنفين من الرجعية القبلية و الدينية الخرافية – و هو يختلف عن التدين كحالة عقلانية – فإن أقلية صغيرة تمتص خيرات المجتمع و إمكاناته الإنسانية لتسخيرها لهذه العصابة الصغيرة و الوعاظ و الملالي يمثلون الدرجة الثانية من هذه الطفيليات التي تنهش في مجتمعاتنا المتخلفة، و المؤسف مرة أخرى أن يقوم أشباه المثقفين بإلقاء اللوم كليا على الغرب و "الاستعمار" فيما يحيق بهذا المجتمع هروبا من المواجهة مع هذه العوامل الخرافية الناتجة عن درجة كبيرة من الجهل و غياب العقلانية عن إيجاد أي صيغة واقعية لإنقاذنا من هذه المحنة.

إن الفرد في مجتمعاتنا مصاب بداء خطير من العنصرية التي ربما هي أسوأ من العنصرية النازية التي ظهرت كتشوه في الثقافة الغربية، فالفرد في مجتمعاتنا حتى و هو واع لمدى التخلف و المأساة التي يعيشها مجتمعه، فهو مستعد لمواجهة أخطار الهجرة اللا قانونية و الموت في أعماق البحار هروبا من "المنطقة الآمنة" و سعادة الدكتاتور و عصابته، بينما هو في مجتمعه لا يقوم و لو بدور بسيط في خلق مجتمع متوازن و توعية المجتمع "المخدوع" الذي يصلي كل يوم وراء من يكذب عليه.

إن الوعي للوجود الإنساني لا يتم إلا في مجتمع مليء بأسئلة الشك و العقول التي تبحث دوما عن أجوبة و عن استكشاف المغيب و الغامض، ففي الوقت الذي كان العالم الإسلامي يحوي في داخله أشخاصا كأبي علاء المعري (المتهم بالزندقة) و بشار بن برد و الرازي الطبيب و الفيلسوف و إبن سينا و ابن رشد، كانت تلك المجتمعات تملك قابلية القفز نحو مستقبل مليء بالاستكشاف و الحصول على كثير من أسباب الحضارة و كان أؤلئك مسلمين حقا لكنهم ليسوا مسلمين من النمط السائد الآن بقدر ما كانوا ينظرون إلى ملكة التفكير على أنها ليست في إيطار الحلال و الحرام الذي أصبح يتحكم بعقولنا، لكن الحكام و المستبدين، خصوصا المتوكل على إبليس العباسي الذي انتبه إلى مخاطر العقل المعتزلي المتحرر من التقليد و الدين الخرافي، تحالف هؤلاء مع وعاظ كأحمد بن حنبل و أبو حامد الغزالي و أبو الحسن الأشعري في سبيل إجهاض هذه النهضة الفكرية التي بدأت تثير العامة على مصاصي دماءه و ناهبي ثرواته، و كان العالم الإسلامي قد بدأ يتحرك على أسس من فهم الواقع و علاقاته المادية و الاقتصادية و تكوين النقابات التي كانت تمثل أرباب الحرف و الأعمال و تدافع عن حقوقهم أمام السلطة، غير أن العقل السلفي الظلامي الذي ينظر إلى النص الديني على أنه "تجسد الله" المادي و بعون من الخلافة الغاشمة استطاعوا احتكار المنابر الإعلامية من مدارس و مصادر أدبية و جوامع لترسيخ ثقافة "الطاعة".

و كما تحدثنا في مقالات سابقة، فإن المصيبة الكبرى التي شوهت ثقافة هذه البلدان المشرقية الإسلامية هو أن مجموعة من "المثقفين" ينطلقون في نقد الذات على أساس من تنزيه هذه الذات و أن ما لحق بهذه الذات هو طاريء جاء من خارج لا علاقة له بهذه الذات، و نموذجا محمد عابد الجابري و أبو يعرب المرزوقي خير مثالين على نمو هذه النمطية المشوهة من نقد الذات و ذلك يرجع إلى نمو ظاهرة "الإسلام النفطي" الذي يتمدد ليمول مشاريع إعلامية و صحافة و مؤسسات فكرية و تعليمية هي في ظاهرها – علمانية حيادية – من قبيل جريدة الحياة و الشرق الأوسط و قناة إل بي سي اللبنانية و موقع إيلاف، و لكن في باطن هذه المؤسسات يقبع الوحش السعودي الوهابي الذي اشترى هذه المؤسسات فقط لكي لا توجه النقد إلى مذهب عبادة الأسلاف السعودي الذي أخذ يترنح بعد هزيمته في مواجه إلام الحرية و الديمقراطية.

كلا الباحثين الجابري و المرزوقي يقومان بتفكيك التركيبة الحضارية لما يسمونه العالم العربي – و جعله منفصلا عن باقي العالم الإسلامي إنفصالا ذاتيا – بينما الواقع التاريخي يظهر أن الغالبية العظمى من الفقهاء و الفلاسفة المسلمين لم يكونوا عربا "كعرق و قومية" بقدر ما كانوا إلى ثقافة موحدة متجسدة في العربية الفصيحة، كلا الباحثين يحاول رمي المثالب و التخلف و العجز الذي تعيشه المجتمعات العربية – نحن نوسع النطاق ليشمل كل العالم الإسلامي – و إلقاء هذه السلبيات على ذوات طارئة على "العروبة"!! فينسب الجابري ثقافة الطاعة – كليا – إلى الفرس أو الإيرانيين و مذاهب الشعوبية – التي هي مذاهب إنسانية تنظر إلى الإسلام إنسانيا – و التصوف "الهندي" و "المسيحي"!! و التشيع – على أنه الإرث الفارسي المجوسي اليهودي – و بالتالي فصل الإسلام عن تجلياته المتنوعة و الإبقاء على النصوص الجامدة في خدمة "الإسلام النفطي"، و المرزوقي يقوم بذات الصيغ المهيئة مسبقا لترتيب أحكام تنتهي بفصل التاريخ الفكري الإسلامي بكل جوانبه المتنوعة كتجليات للنص المقدس القابل لتعدد التفاسير و بالتالي خلق وهم انفصال الإسلام عن معتنقيه و حصره في "إسلام النفط السعودي".

فالجابري في مؤلفاته يكرر ذكر الكتاب الفرس الذين عملوا في البلاط الأموي و العباسي و بالتالي أملوا على الحكم أو أوحوا إلى الحكام الأمويين و العباسيين تبني خطاب الطاعة، متجاهلا كل الإرث الحديثي – الأحاديث النبوية – التي تؤكد على عقلية الطاعة و الصلاة خلف البر و الفاجر و ما إلى ذلك، فقد وجدت ثقافة الطاعة قبل أن يكون للفرس أي دور حقيقي في الإمبراطورية الجديدة و نحن لا ننكر دور العقلية الكسروية في تحكم فلسفة الحاكم الأوحد لكنها ليست السبب الوحيد في توجه العالم الإسلامي – مع استثناءات تعرضت للقمع – نحو الطغيان و الاستسلام و الطاعة.

إن الإرث الحضاري الثقافي للمسلمين سيبقى يثير مكامن السؤال و البحث و ذم التقليد – و ما من كتاب في العالم ذم التقليد كالقرآن – و مهما حاول "مفكروا الإسلام النفطي السعودي" فإن سعيهم في تسخير الفلسفة لأعداء الفلسفة "الوهابية السلفية" سوف لن ينفع و لن يؤدي إلا إلى المزيد من الشك الذي سيخلق يقينا جديدا مبني على استيعاب الواقع الحضاري التعددي، و لاحظ معي عزيزي القاريء أن هؤلاء "المفكرين"!! لا يذكرون السعودية بسوء مع أنها الدولة التي تقبع في ذيل القائمة من حيث الحريات و الحقوق، إنها الشر المستوطن على الأرض و لا بد من اجتثاثه يوما و تخليص المذبوحين و المرجومين.

Website: www.sohel-writer.i8.com

Email: sohel_writer72@yahoo.com