1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الوعي المفارق : ملاذ آمن للكتّاب !

عارف معروف٩ مايو ٢٠١٣

يعلق عارف معروف على إعلان براءة من الطائفة السنية والطائفة الشيعية وقعه بعض المثقفين العراقيين، متناولا بالتحليل دقة ما جاء في الإعلان وغموض الموقف بمجمله.

https://p.dw.com/p/18UpM
صورة من: Reuters

أعلن عدد من الكتاب والإعلاميين العراقيين براءتهم من الطائفتين : السّنية ،والشيعية ، ودعوا ، في بيان ، أو إعلان ، بهذا المضمون ، إلى تحقيق جملة مطالب تترتب على إعلانهم هذا وحملة التواقيع التي بنيت عليه . ويأتي ذلك ، بحسب ظاهر الحال ، كما يقال ، وكما يفترض ، في سياق النشاط المناهض للطائفية ولغرض درء او الحّد من مخاطرها الجسيمة التي تهدد وحدة ووجود العراق والعراقيين ، فهل وفّقوا في الرمية ، ام ان قراءة متأنية لهذا الإعلان يمكن ان تتكشف عن مرمى مغاير ونتيجة مناهضة ، شاء ذلك من دبّج هذه الدعوة أم أبى ؟!

ابتداء ، يتوّجه ، إعلان البراءة، هذا ، بخطابه إلى:

السيد رئيس الوزراء نوري كامل المالكي المحترم.

السيد رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي المحترم .

السيد نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي المحترم .

السادة أعضاء مجلس النواب المحترمين

ولا ينسى ...

السادة قادة الكتل ورؤساء الأحزاب والتيارات المحترمين

السادة شيوخ العشائر المحترمين

أصحاب الفضيلة رجال الدين من الطائفتين

...نحن مجموعة من العراقيين... الخ

أي أن المخاطب بالدعوة والطلب هم كل " آباء " المجتمع ، بحسب التراتبية التي تقدمها العملية السياسية القائمة ، ومن الواضح هنا ، أن القيّمين على الحملة او دعاتها ، أما أنهم يعتبرون السادة والجهات أعلاه هم المعنيين أو المسؤولين أو الممثلين، الشرعيين ، للطائفتين، فبحسب منطق الأشياء ، نحن نعنون الطلب أو العريضة للجهات المعنية به ، وبالاقتران مع الجملة التي يختتم بها هذا النداء وهي " السادة الأكارم نحن لا ننتسب لأي من طائفتيكم الكريمتين ... الخ " ، وهذا أمر لم يحلم هؤلاء الأشخاص أو هذه الجهات به ، ولا يجرؤون على ادعاءه ، لكن المحاصصة الطائفية والنظام المسخ الذي انبثقت عنه هو من يعطي لهذه الجهات مثل هذه التسميات او المواقع ، وهو أمر لا يقتنع بصحته او مشروعيته حتى المواطن الأمي البسيط فكيف برجال " فكر " و" ثقافة " ؟ أو يعتبرونهم ، في أحسن الفروض ، مسؤولين عن تلبية مطاليبهم المدرجة في نص الدعوة . فإذا كان الذوات الثلاثة الأول يتمتعون بالسلطة التشريعية والتنفيذية فما هو شأن "شيوخ العشائر المحترمين ، وأصحاب الفضيلة رجال الدين الأجلاء من الطائفتين" ، هل تتطلب البراءة إذنا من العادات والتقاليد ومباركة من الكهنوت ؟!

" كيف يحميهم الخصوم؟"

ثم أنهم خصوم ، بحكم كونهم "زعامات " للطائفتين "الكريمتين" المتقاتلتين ، فكيف يتم التوجه اليهم بطلب الحل والحماية ؟! من الواضح أننا أمام ارتباك وتناقض لا سبيل إلى تسويته.

بعد أن يصف الإعلان الطائفتين ، السنية والشيعية ، بالكريمتين ، يعلن براءته منهما باعتبار العقيدة التي تصدران عنها ، او تمثلانها ، "كانت ، ولم تزل ،آلة للاحتراب والقتل وتمزيق الأوطان " !! ثم يكرر، الإعلان ، القول "ولأننا نريد أن نحيا بسلام بعيداً عن حروب طائفتيكم الأزلية التي تخبو لتندلع من جديد، ولأننا نرى ان طائفتيكم الكريمتين تقودان العراق إلى جهنم لا تبقي ولا تذر،".... إذن فهاتان الطائفتان جبلتا على الحروب ، لأنها عبثية وأزلية ، أي خلو من الدافع والغاية ، فكيف تكونان " كريمتين " وهما عابثتان ، مجرمتان ، تريدان أن تقودا البلد الى حرب لا تبقي ولا تذر ؟!!

ثم أن وصفهما بالكريمتين ، يعني أن نقيضهما ، لئيم ، فهذا ما يستدعيه الذهن ، فهل ان ذلك ، قد حصل ، جّراء زلة لسان أم سوء تعبير أم اضطراب ذهن ، أم أننا يجب أن نحمله على محمل السخرية والتهكم ؟ طبعا يمكن القول بذلك لو ترافق الأمر، بإشارات معروفة ، في النص ، لكننا لا نجد شيئا من ذلك ، وإذا نظمنا ذلك مع الشخصيات والعناوين التي توجه إليها الإعلان بالطلب وصياغتها التراتبية البالغة الرسمية والامتثال ، فسنجد انفسنا ، لا مراء ، امام عقليات لا يمكن أن تكون خارج إطار هذا التكوين أو تحمل ثقافة مناهضة لثقافته ، فأي اضطراب إذن ؟

إن الملفت للنظر والداعي إلى كتابة هذه السطور ليس كل ما ورد أنفا ، على اضطرابه وتخبطه ، إنما الدعوات ، إن لم نقل المرامي ،الخطيرة ، بالفعل ، التي تضمنها الإعلان والتي وردت في نقاط ثلاثة بطلب: "أن يتم التعامل معنا قانونياً بوصفنا أقلية بما يضمن حقوقنا وعلى النحو التالي

أولاً: أن يكون لنا تعريف قانوني بوصفنا "غير ذوي طائفة "

ثانياً: السماح لنا بالتعريف بأنفسنا وبحركتنا علناً دون تضييق أو ترهيب.

ثالثاً: حمايتنا من استهداف أبناء الطائفتين لنا في حربهم التي يخوضونها، وذلك لا يتم إلا بإيجاد ملجأ آمن لنا نكون آمنين فيه من شرور أهل الطوائف"

ثم الجملة التي تقول "ان حربكم التي تخوضونها أيها السادة لا تعنينا من قريب أو بعيد"

كيف تكون حرب طائفية تهدد شعبا ووطنا ، وتوصف بأنها لا تبقي ولا تذر ، مما لا يعني مثقفيه وإعلامييه ، من قريب او بعيد ؟!

الجواب بسيط : ان هؤلاء لا يريدون سوى تركهم يعيشون بسلام في ملاذ آمن وتوفير الحماية لهم "!!

من سيوفر لهم هذا الملاذ وأين وبأي قوات سيحميه ؟

وهل ستكون له خطوط حضر طيران او قوات قبعات زرقاء للعزل ، والاهّم ،من كل هذا، اين سيكون مكانه؟!

وما هي حدوده وكيف سيتم التواصل معه والإشراف عليه وحمايته وإدارته؟

إنني اذهب بعيدا ليس عن شطط ، كما أرجو ، وإنما هو الذهاب بالأمور الى نهاياتها المنطقية ... المطلوبة في ضوء ما يحصل في العراق والمنطقة !!

" نص البراءة ضد الطائفة وليس ضد الطائفية "

الشيء الحسن ، ولكن الذي يدعو إلى التنبيه والعتب ، في نفس الوقت ، ان معظم من وقّع على الحملة ، قد أبدى ، في تعليقه ، على هامش المشاركة ، بما يفيد بموقف مضاد للطائفية ودعوه لنبذ التعصب المذهبي وللتسامح ... الخ ، وهو تصحيح ، أملته النوايا الحقيقية لمعظم الموقّعين ، من المثقفين والناشطين في سبيل الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي ونبذ ثقافة الكراهية ، لكنهم ، كما احسب ، لم يتمعّنوا في نص الدعوة جيدا ، فهي ضد الطائفة وليست ضد الطائفية ! مثلما نقول إننا ضد الدين وليس التعصب الديني ، وضد القومية وليس ضد الشوفينية والتعصب القومي ، وضد العنصر وليس العنصرية !! إن النص لا يخاطب الطائفيين ولا المتعصبين وإنما يخاطب الطائفة على أساس أن وجودها ، بحد ذاته ، هو المشكلة ، لكن الطائفة تكوين تاريخي ، أملته ظروف خارج إرادتنا وليس بمقدورنا إلغائه ، انه شيء ينبع ، بالضرورة ، من علاقة البشر بالدين وتفاعله كمنظومة افكار وقيم مع بيئتهم الجغرافية والتاريخية والثقافية ، ولذلك فانك تجد الطائفة في كل الأديان على الإطلاق ، وفي كل مكان من العالم، إنها الحلقة الوسيطة بين الدين كرؤيا عامة والمجموعة البشرية المحددة في زمن معين ومكان معين ، أنها مقاربة خاصة ضمن إطار عام ، وهو أمر لا اعتقد انه كان غائبا عن ذهن هؤلاء الدعاة او بعضهم على الأقل ! فالشر ليس في الدين ولا الطائفة وإنما في استغلالهما لتحقيق مآرب معادية للبشر وهذا ما يفعله المتعصب .

فالقومية الألمانية ، حقيقة تاريخية ، لا سبيل الى إلغائها او إنكارها ، لكن النازية توظيف سياسي ، استخدم التعصب للعنصر كوسيلة لتحقيق تطلعاته الإجرامية ، وقد الحق بالغ الضرر بالشعوب الأخرى وبالشعب الألماني كذلك ، ولكن النازية ذهبت وجرّمت وبقيت ألمانيا والألمان ، إن تركيزنا على المذهب نفسه كشر ، يعني ان نحمل العداء للعقيدة الدينية لمجموعة من البشر ، وهذا أساس المواقف العنصرية والحروب الدينية كالصليبية وغيرها، أولا ، ويعني هروبنا وتهربنا من مقتضيات المعركة الحقيقية الى معركة أخرى موهومة.

ثانيا، هذا الأمر، بلغة أخرى، يسمى تضليلا وذرا للرماد في العيون !!

"اغلب الشعوب عاشت صراعات طائفية"

ثم أية طائفة او دين لم يشهد تاريخهما الحروب والمعارك والنزاعات الكبرى والادّعاءات ذاتها من أصوليين يعتبرون أنفسهم القلب من الدين ، والتلاميذ النجباء للمعلم ، والفرقة الوحيدة الناجية ، وهراطقة ومجدفين وشيعا تبتعد قليلا أو كثيرا عن تعاليم ذلك الدين وأسس تلك الطائفة !!

ثم ان الدعوة إلى أن " نكون أقلية معترف بها قانونا .. تعرف بأنها غير ذات طائفة " هي الوجه الآخر والتتمة الضرورية للدعوة التي أطلقها بعض الطائفيين من تحديد الانتماء الطائفي للعراقيين وإدراجه في وثائقهم الرسمية ! ويبقى اخطر ما تتضمنه هذه الدعوة هي مسألة توفير الملاذ الآمن ، فهل ان مشكلات البشر ، عراقيين أو غيرهم ، تحل ، باستمرار ، بالعزل والفصل والملاذات الآمنة ؟ هل هذا هو الموقف الجاد والمسؤول للمثقفين والإعلاميين والناشطين السياسيين ؟ أم أنها " لغة العصر " التي يراد لنا جميعا أن نتكلمها ، و "أدوات العصر" التي يراد بنا جميعا ان لا نعرف ولا نتعامل بسواها ، كأدوات وحيدة ممكنة ؟! لنفرض ان هؤلاء الإخوة حصلوا على اعتراف رسمي وملجأ آمن بالفعل ، فهل ان حصول بضعة عشرات او مئات على ملاذ آمن هو الحل الذي يسهم فيه مثقفون يخدمون مجتمعهم وثقافتهم ، اليس من الأفضل والأجدر أن يعمل هؤلاء على نشر فكر التسامح وثقافة قبول الآخر ، أليس الجدير بهم ان يحضّوا ويعبئوا الناس من اجل قوانين وتشريعات أكثر إنسانية وهيئات رقابية جادة وفعّالة ، ألن يكون الأفضل ، مثلا ، السعي والجهد في سبيل تحقيق قراءة أخرى للمشكلة الطائفية وتحديد ماهيتها وحقيقتها الفعلية ، ولماذا تعاود الظهور بين عصر وآخر ، ومن المستفيد حاليا من بعثها والترويج لها واستخدامها وسيلة لتحقيق غايات شريرة تستهدف امن واستقرار ووحدة وثروات شعوبنا ؟!

"زعل بانتظار إطراء السيد الأجنبي"

أين هؤلاء "المثقفين" من أمثال طه حسين او علي عبد الرازق أو نجيب محفوظ الذي بقي لصيقا بمصر وأزقة القاهرة رغم ما يتهدده من أفاع وشرور صار دبيبها مسموعا ومميزا بالنسبة إلى حسّه المرهف دون أن يثنيه عن مسؤوليته حتى واجه الموت على يد وحش متعصب ، أين هم من نصر حامد ابو زيد وفرج فودة ومحمود طه بل ومثقف، شاب ، مسؤول ومجالد مثل سيد القمني الذي تعرض ويتعرض لتهديدات واعتداءات يومية ، وهو يواصل نتاجه الهادف ،دون أن يطلب حماية أو " ملجأ آمن " !!

لكننا ، هناك، أمام قامات حقيقية ، ومثقفين جادين ذوي غاية ورسالة وهنا أمام نزق وزعل وولع بإعجاب ، وثناء، السّيد الأجنبي ، والمايسترو العالمي ، الذي يخامرني اعتقاد من ان الرسائل كتبت وتكتب لنيل إطراءه الثمين !