1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الولادة المُتعسِّرة للدولة الفلسطينية

٢٦ نوفمبر ٢٠٠٩

د شاكر النابلسي

https://p.dw.com/p/Kgih

لأكثر من ستين عاماً مضت، والفلسطينيون يحملون جنين الدولة الفلسطينية في أرحامهم، ولكن هذا الجنين لا يكبر، ولا يُولد. لذا، لم تكن تصريحات سلام فياض عن نية السلطة الفلسطينية إعلان قيام الدولة الفلسطينية من طرف واحد وبحدود 1967 ، والذهاب بهذا الطلب إلى مجلس الأمن، مفاجأة، أو مستغربة. فالفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة، كانوا يتوقَّعون ذلك. الفلسطينيون توقَّعوا ذلك من خلال عدم وجود حل بديل في الأفق، بعد الموقف الأمريكي الأخير من بناء المستوطنات. ونجحت "حماس" في دفع إجراءات الطلاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل من جهة وبين السلطة الفلسطينية وأوباما من جهة أخرى. كذلك، فإن العرب توقَّعوا ذلك، وقالوا: "فلنجرب هذه المرة الكي بالنار.. لعل وعسى". كذلك توقَّعت أوروبا وأمريكا تبنّي السلطة الفلسطينية إعلان قيام الدولة الفلسطينية من طرف واحد، بعد أن صبر الفلسطينيون على نكبتهم، وتشردهم، واضطهادهم، وتهجيرهم، وانتزاع بيوتهم بالقوة، أكثر من ستين سنة، وهو ما لم يحصل في أية حقبة من حقب التاريخ الإنساني، ولم يحدث لأي شعب آخر.

خروج أمريكا من اللعبة

بدت أمريكا الآن خارج اللعبة الفلسطينية – الإسرائيلية، بعجزها التام عن إيقاف الاستيطان، وهو الشرط الأساسي لنزول محمود عباس من شجرة الرفض والممانعة والانسحاب من الحياة السياسية. فالفلسطينيون - وعلى رأسهم بالطبع محمود عباس - وضعوا - كما يقول المثل الفلسطيني - في بطونهم (بطيخة صيفي)؛ أي اطمئنوا تماماً، من خلال خطابي أوباما في اسطنبول والقاهرة، وقوله أن الدولة الفلسطينية الموعودة قادمة وقريباً. ولكن خيبة أمل الفلسطينيين والعرب من ورائهم، لم تلبث أن ظهرت في الأفق السياسي واضحة وأليمة، وأن فصاحة أوباما اللغوية ومهارته في الخطابة، لم تؤدِ إلى خلق زعيم قوي ومجرب وعارف، كما قالت هيلاري كلينتون عن أوباما، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية.

فلقد تبين الآن، أن أوباما تحكمه ظروف وحسابات لم تكن في وعيه تماماً أثناء إلقاء خطابيه في اسطنبول والقاهرة. ومن هذه الحسابات، عدم احتمال نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة، فيما لو ضغط كثيراً على نتنياهو الذي يواجه معارضة شديدة لوقف بناء المستوطنات من الجيش، ومن اليمين السياسي الإسرائيلي، ومن جزء كبير من الرأي العام الإسرائيلي. ويبدو أن جهود السلام والحديث عن السلام سيتوقف طويلاً، كما توقف طويلاً من فترة لأخرى في الستين عاماً الماضية. زيادة على ذلك، فإن عدم استعداد الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للمفاوضات، قد يضع مسيرة السلام التي لا تسير، في ثلاجة أكثر برودة من السابق. فكل طرف يدَّعي أن لا شريك له في عملية السلام. فمحمود عباس يتهرَّب من المفاوضات لأنه يعرف مسبقاً، بأنه لن يستطيع تنفيذ أي بند يُتفق عليه في ظل وجود "حماس" في غزة. فما الفائدة؟ وهذه نقطة تُسجل لصالح "حماس"، في "صراع الديكة" بينها وبين "فتح". والرابح هنا، دون شك هي إسرائيل، التي تمضي قُدماً في سرقة الأراضي الفلسطينية، وهدم البيوت، وتشريد أصحابها، وبناء المزيد من المستوطنات. والطرف الفلسطيني على حق كذلك، عندما يقول بأن لا شريك إسرائيلياً لدي، حين يصرُّ الطرف الإسرائيلي على عدم وجود شروط مسبقة للمفاوضات، كقضية بناء المستوطنات، وعودة اللاجئين، والاعتراف بحدود عام 1967.

فكيف يمكن لمفاوضات شاقة وحيوية أن تجري بين أصم وأبكم كما قال الكاتب الإسرائيلي جدعون سامت في مقاله في جريدة "معاريف"، 12/11/2009 ؟

الصواب والخطأ في إعلان الدولة من طرف واحد

شعر الفلسطينيون ليس الآن فقط، ولكن منذ سنوات طويلة، أن لا الغرب، ولا أمريكا، ولا إسرائيل، ولا العرب في استطاعتهم منحهم حقوقهم الشرعية. لذا، فهم قد لجئوا أخيراً إلى نية إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد.

فهل أخطأوا أم أصابوا في ذلك؟

في حقيقة الأمر، لقد أخطأوا وأصابوا كذلك.

أصابوا لأن من حقهم بعد هذه السنوات الطويلة (أكثر من نصف قرن) من الشتات والعذاب والتشرد، أن يفعلوا ما فعلته إسرائيل في 1948، حين أعلنت قيام الدولة الإسرائيلية من طرف واحد.

فهل تشاورت إسرائيل مع الفلسطينيين أو مع العرب في ذلك الوقت؟

لم تستشر إسرائيل أحداً من ذوي العلاقة في العالم العربي في إقامة دولتهم على الأرض الفلسطينية، وطرد أهلها إلى خارج فلسطين.

وعباس الآن، يقوم بما قام به بن غوريون 1948 من إعلان قيام الدولة من طرف واحد، وبحدود 1967. وهذا اعتراف صريح بإسرائيل 1948، وتخلّي الفلسطينيين عن فلسطين من النهر إلى البحر، كما يقول ميثاق "حماس"، 1988، في مادته الحادية عشرة من أن " أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة. لا يصح التفريط بها، أو بجزء منها، أو التنازل عنها، أو عن جزء منها."

وأصاب الفلسطينيون، حين أصبحوا واقعيين ومنطقيين في رغبتهم أن تكون الدولة الفلسطينية في حدود 1967 ، وليس في حدود 1948، كما تطالب "حماس"، ومن معها من المليشيات الدينية الفلسطينية الأخرى.

وأصاب الفلسطينيون في لجوئهم إلى مجلس الأمن، لإحراج الغرب، وعلى رأسه أمريكا، التي تقف الآن عاجزة عن التقدم إلى الأمام، واتخاذ قرارها الجريء والقوي الذي بشَّرت به كلمات خطابي أوباما في اسطنبول والقاهرة.

وكان على الفلسطينيين أن يخطوا خطوة إعلان الدولة الفلسطينية بحدود 1967 بعد نكسة 1967 مباشرة، ولا ينتظروا بعدها أكثر من أربعين عاماً، لكي يعلنوا قيام هذه الدولة الآن.

من ناحية أخرى، فالفلسطينيون لم يصيبوا في خطوتهم هذه الآن، لعدة أسباب منها:

1- أن قوة إسرائيل السياسية والعسكرية الآن لم تكن كما كانت قبل أربعين عاماً في 1967 رغم انتصارها العسكري المدوي في حرب حزيران. وبهذه القوة الحالية، تستطيع إسرائيل أن تضغط على الغرب وخاصة أمريكا ليس باستعمال حق الفيتو في مجلس الأمن، ولكن بعدم التصويت على أقل تقدير.

2- لم تكن العلاقات السياسية والعسكرية والإستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل في عام 1967 قوية كما هي عليه الآن، رغم أن أمريكا في 1967 أقامت جسراً عسكرياً جوياً في عهد الرئيس جونسون، لتزويد إسرائيل بكل معدات القتال الحديثة. وأن علاقة إسرائيل بأمريكا تزداد في كل يوم قوة ومتانة. ومن كان يظن خلال العشرة شهور الماضية من أن أمريكا فكَّت الارتباط الاستراتيجي الوثيق مع إسرائيل بقدوم أوباما إلى البيت الأبيض، لم يضع في حسابه أن العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية لا تخضع ولا تتأثر بقدوم رئيس أو بمغادرة رئيس، سيما وأن أمريكا تسير كالطائرة بلا طيار. والمؤسسات الدستورية هي التي تصنع السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. وموقف أمريكا الآن من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، هو موقف المؤسسات الدستورية الأمريكية وليس موقف أوباما، الذي يصبُّ الإسرائيليون والفلسطينيون جام غضبهم الآن عليه.

3- لم يكن العرب في عام 1967 مشتتين ومختلفين ومتباعدين، وبينهم حروب داخلية سياسية واقتصادية وطائفية كما هم الآن. ولذا، فهم لا يستطيعوا الآن أن يفعلوا شيئاً إيجابياً للفلسطينيين.

4- وأخيراً، فإن الموقف الفلسطيني الآن ضعيف ومنقسم على نفسه كما لم يكن ضعيفاً ومنقسماً في أي وقت مضى. وكل اتفاق بين الفلسطينيين وأي طرف آخر، لا تكون "حماس" ممثلةً فيه وفاعلة، مصيره الفشل، و"نفخٌ في قربة مقطوعة"، كما يُقال.