1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بين التقليد والحداثة: مسيرة البابا بنديكت السادس عشر في سطور

كريستوف شتراك/ ف. ي١٢ فبراير ٢٠١٣

منذ انتخابه في عام 2005 كبابا للفتيكان كان على بنديكت الـ16 أن يواجه المصاعب. ورغم تمسكه بالنهج المحافظ، إلا أنه حاول أن يفتح نافذة على الحداثة وأن يتواصل مع الجيل الشاب، فمن هو بنديكت وكيف كانت فترته في البابوية؟

https://p.dw.com/p/17cvi
GUARANTIGUETA, BRAZIL - MAY 12: Pope Benedict XVI embraces children during a visit at the Fazenda da Esperanca, a facility for recovering drug addicts, May 12, 2007 in Guaratingueta, Brazil. The pope is on a five-day visit to Brazil. (Photo by Franco Origlia/Getty Images)
صورة من: Getty Images

"لقد انتخبني السادة الكرادلة، كعامل بسيط ومتواضع في مزرعة عنب الرب". بهذه الكلمات أطل الكاردينال يوزيف راتسينغر في التاسع عشر من أبريل/ نيسان 2005 من كاتدرائية القديس بطرس في روما ليكسب تعاطف وود الجماهير على الفور. يومان فقط استمر المجمع المغلق، ليرتفع بعدهما دخان أبيض. الكرادلة انتخبوا ذا الثماني وسبعين سنة ليكون على رأس الكنيسة الكاثوليكية.

انتخابه لم يكن حدثا عاديا البتة، لعدة عوامل: البابا بنديكت السادس عشر، كان أول بابا ألماني منذ حوالي 500 عام. بابا من ألمانيا - بعد 60 عاما من المجازر النازية بحق اليهود. بابا من بلد إصلاح الكنيسة. واستقالته، التي أعلن عنها الآن بترك منصبه في 28 فبراير/ شباط، هي حدث استثنائي أيضا: لأنها أول استقالة من منصب البابا منذ قرابة 700 عام، وهي الاستقالة الثانية في تاريخ الكنيسة بأسره.

الربط بين النهج المحافظ والحداثة

مع البابا بنديكت السادس عشر عرف العالم بابا محافظا وحاضرا بنفس الوقت، فاجأ الجميع من حين لآخر. لأن بنديكت كان قادرا على الجمع بين الإخلاص العميق لأصوله مع الحس الأكاديمي لأستاذ جامعي. ولم يقم بمواصلة نهجه الصارم الذي كان عليه عندما كان الكاردينال يوزيف راتسينغر.

في جذور التقاليد القديمة بحث بنديكت عن الحوار مع الحداثة. فترة تربعه على الكرسي البابوي كانت مترافقة مع فضائح ومع أزمة شاملة إلى حد ما عرفتها الكنيسة الكاثوليكية، الأمر الذي عانى منه البابا شخصيا.

انتخابه في منصب البابوية جاء تتويجا لمسيرة حياة، بدأت في السادس عشر من أبريل/ نيسان عام 1927 في قرية صغيرة تدعى ماركتل، تقع على نهر "إن" في الريف البافاري. والد جوزيف كان شرطيا، وعائلته ملتزمة دينيا. وفي عام 1944 سُحب يوزيف (17 عاما آنذاك) إلى الخدمة العسكرية الإلزامية. وبعد أن حطت الحرب أوزارها انتقل إلى دراسة اللاهوت، مثل شقيقه تماما، ونُصبا معا كقسيسين. أخته الوحيدة بقيت عزباء.

FREIBURG IM BREISGAU, GERMANY - SEPTEMBER 25: In this photo provided by the German Government Press Office a representative of German telecoms provider Deutsche Telekom hands over an artwork made out of over 10000 small pictures to Pope Benedict XVI on September 25, 2011 in Freiburg im Breisgau, Germany. The Pope is winding up a four-day visit to Germany that included a private meeting with victims of sexual abuse by Catholic priests as well as an ecumenical mass with representatives of the Protestant Church in Germany. (Photo by Guido Bergmann/Bundesregierung-Pool via Getty Images) Papst Benedikt XVI. erhält von einem Vertreter der Deutschen Telekom (unbekannt), einer der Donatoren des Papstbesuchs, ein Grafik aus über 10000 Bildern, die eine Schlagzeile zur Papstwahl 2005 zeigt. Foto: Pool / Bundesregierung / Bergmann
يوزيف راتسينغر هو أول بابا ألماني منذ 500 عام.صورة من: Getty Images

ألمانيا: "نحن البابا"

وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي أصبح يوزيف راتسينغر بروفيسورا لعلم اللاهوت و بسرعة اكتسب سمعة طيّبة. وفي عام 1962 شارك في المجمع الفاتيكاني الثاني (الذي انعقد بين عامي 1962 و1965)، وهو مجمع هام تصدر عنه مقررات ومراسيم ودساتير كنسية. في عام 1977 صعد إلى منصب أسقف، وفي ذات العام أصبح رئيس أساقفة ميونيخ – فرايزينغ، ثم صار كاردينالا. عقب ذلك بأربع سنوات ناده البابا يوحنا بولس الثاني إلى الفاتيكان. كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان أصبح المراقب الأعلى لشؤون العقيدة. أما في الخلافات حول المسائل الفقهية وقضايا الإصلاح كدور المرأة، أو العلاقة مع الطوائف المسيحية الأخرى- كان راتسينغر محافظا تماما.

انتخابه كبابا للفاتيكان ولّد في ألمانيا حالة من البهجة والفخر. "نحن البابا" هكذا عنونت صحيفة بيلد الألمانية واسعة الانتشار على صدر صفحتها الأولى. ولكن هناك انتقادات أيضا، فالبابا رقم 265 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية طاعن في السن (78 عاما عند انتخابه)، ولن يكون سوى بابا مؤقت وغير مؤهل للإصلاحات الكنسية.

البابا يدعو إلى الحوار

دعا البابا بنديكت السادس عشر لحوار حي بين الإيمان والعقل، بين الدين والحداثة. فعل ذلك عندما أعطى أول مقابلة تلفزيونية في تاريخ كرسي البابوية؛ حسابه على تويتر دليل على ذلك أيضا، في كتبه، ولكن بصفة خاصة في خطاباته. المفهوم الوضعي المنطقي للعقل والقوانين ليس كافيا وهو مرهق للبشر، كما قال، ثم يضيف: "إن الله ليس شيئا سخيفا يتعارض مع العقل". إذا أُقصي التدين من الحياة الخاصة، فسيكون ذلك على حساب الإنسانية – هكذا يؤمن الباب بنديكت.

البابا بنديكت قام بحوالي عشرين رحلة خارجية، أثار فيها اهتمام الرأي العام. من أهم خطاباته كان ذلك الخطاب الذي ألقاه في سبتمبر/ أيلول 2011 تحت قبة البرلمان الألماني، حيث بيّن موقفه في السياسة الأوربية.

Prince Ghazi bin Mohammed, second left gives Pope Benedict XVI a tour of King Hussein Bin Talal mosque, the biggest and newest in Amman, Jordan Saturday, May 9, 2009. The top religious adviser to Jordan's king thanked Pope Benedict XVI on Saturday for his expression of "regret" after a 2006 speech that many Muslims deemed insulting to Islam's Prophet Muhammad. (AP Photo/Nasser Nasser)
البابا في مسجد الحسين بن طلال أثناء زيارته إلى الأردن 2009.صورة من: AP

"حيث يوجد الله، يوجد مستقبل أيضا"

البابا فاجأ الجميع عندما تحدث كراعي روحي للجيل الشاب في تجمعات اليوم العالمي للشباب. وفي عظاته الأسبوعية في الفاتيكان ركز على تفسير الكتاب المقدس: "المؤمن لن يكون وحيدا أبدا - لا في الحياة ولا عند الموت"، قال ذلك في إحدى المرات. في زيارته الأخيرة إلى ألمانيا 2011، تحدث في تورينغن فقال: "حيث يوجد الله، يوجد مستقبل أيضا". نشاط بنديكت ككاتب، غير مسبوق في تاريخ البابوية، ويناسب هذا التوجه.

أكد بنديكت على دور الكنيسة وحقها بالتفرد، وهذا ما أغضب البروتستانتيين. ضمه لأخوية القديس بيوس العاشر الكهنوتية إلى الكنيسة - وهي أخوية ذات توجه أصولي محافظ رافض للإصلاحات التي طرأت على الكنيسة الكاثوليكية - وصبره على المنشقين عن الكنيسة جلب له العديد من الانتقادات. ولكن راتسينغر حاول ضم الأصوليين خوفا من انقسام دائم. قبل الإنجليكيين الذين ذهبوا بإصلاحاتهم إلى حد قبول سيامة النساء، كما عمد لفتح اتصالات مع الكنيسة الأرثوذوكسية.

علاقته بالإسلام

علاقة بنديكت مع الأديان الأخرى لم تكن خالية من التوتر. وخاصة الغضب الكبير الذي أبداه العالم العربي بعد محاضرة له في جامعة ريغينسبورغ الألمانية في عام 2006، مع اقتباس وصف فيه الإسلام بأنه دين عنف، ولكن الباب سرعان ما تراجع عن تلك التصريحات وعبر عن أسفه لإساءة فهمها.

ولكن ربما كان لذلك الموقف الفضل في دفع عجلة الحوار المسيحي الإسلامي المتخصص، بحيث عرف انتعاشا كبيرا ربما لم يسبق أن شهده سابقا. وعقد في مقر الفاتيكان في عام 2008 مؤتمر عالمي للحوار الإسلامي – المسيحي، حضره أبرز رجال الدين من شتى أنحاء العالم. واختتم اللقاء يومها بلقاء العلماء المتحاورين مع الباب بنديكت السادس عشر.

زيارة البابا إلى الشرق الأوسط في مايو/ أيار 2009 كانت هي الأخرى حدثا استثنائيا، وخاصة عندما بدأها في إسرائيل، حيث حاول أن يوصل رسالة سلام إلى اليهود، خاصة مع انتقادات له بسبب إعادته إلى الكنيسة الكاثوليكية لأساقفة ينكرون المحرقة النازية بحق اليهود، ومن بين أولئك الأساقفة ريتشارد ويليامسون.

فضائح تلقي بظلالها على فترته البابوية

Pope Benedict XVI attends a consistory at the Vatican February 11, 2013, in this picture provided by Osservatore Romano. Pope Benedict said on Monday he will resign on Feb 28 because he no longer has the strength to fulfil the duties of his office, becoming the first pontiff since the Middle Ages to take such a step. REUTERS/Osservatore Romano (VATICAN - Tags: RELIGION TPX IMAGES OF THE DAY) ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS PICTURE IS DISTRIBUTED EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS
إعلان الاستقالة في 11 فبراير/ شباط 2013صورة من: Reuters

الفضيحة التي بقيت مستترة لعقود والمتعلقة بالاستغلال الجنسي لأطفال قاصرين على أيدي رجال دين كاثوليك كانت أهم حدث خلال فترة تولي بنديكت السادس عشر لكرسي البابوية. من ايرلندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبلجيكا وبعدها، اعتبارا من عام 2010، تكشفت فضائح في ألمانيا. النقاد اشتكوا من أن الكنيسة لا تتخذ ردا حاسما بما يكفي، وتكتفي بإقالة المجرمين بسرية فقط، دون وجود أي متابعة قانونية وتعويضات وفق القانون المدني.

وحاول بنديكت السادس عشر أن يتواصل مع الضحايا. وفي العديد من رحلاته التقى بضحايا، ولكن دائما وراء الأبواب المغلقة. وأعرب عن صدمته ووصف تلك الأعمال بـ"آفة" و "معاناة كبيرة" - كما قام بتشديد متطلبات تدريب القساوسة.

وآخر الفضائح كانت في عام 2012، حيث هزت فضحية فاتيليكس الشهيرة مركز السلطة الكنسية في الفاتيكان. فقد سُربت إلى الجمهور وثائق وأمور داخلية خاصة بالكرسي الرسولي. وتبين أن خائن الأمانة هو باولو غابرييلي، كبير خدم البابا. وحكم عليه بالسجن لسنة ونصف، ولكن البابا عفا عنه بعد فترة بسيطة.

المراقبون لسنوات طويلة للكنيسة، يرون بأن الفاتيكان يعاني من المؤامرات والصراعات الداخلية بين أجنحته، ليبقى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية مهمة صعبة ستعلق على عاتق خليفة بنديكت السادس عشر.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد