1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تركة "داعش" الثقيلة في مدينة القيارة العراقية

فلورين نويهوف/ خ.س٢٢ سبتمبر ٢٠١٦

مثل حكم تنظيم "الدولة الإسلامية" لمدينة القيارة، المحررة حديثاً من نيره، سنوات من الجحيم والإرهاب. مراسل DW ينقل لنا الأجواء من هناك وكيف يكافح السكان للتعامل مع التركة الثقيلة، التي خلفها التنظيم الإرهابي بعد رحيله.

https://p.dw.com/p/1K5NP
Irak - Brennende Ölquellen
صورة من: DW/F. Neuhof

قبل سنتين وشهرين فر ضباط الشرطة، الذين كانوا يقيمون في البيت المقابل لبيت حسن، وحل محلهم حكام جدد للمدينة. بعد فرار الجيش العراقي من الموصل، اندفع تنظيم داعش الإرهابي عبر سهل نينوى واحتل مدينة القيارة العراقية، تلك المدينة الغارقة اليوم بالدخان والواقعة على نهر دجلة.

أدرك حسن، ذو التسع والأربعين سنةً والذي كان يعيش في منطقة سكنية ليست بعيدة عن مركز المدينة، أن شيء ما ينذر بالشؤم يحدث. شاهد من على سطح بيته الجهاديين وهم يقتادون رجالاً إلى إحدى الساحات ويقومون بضربهم هناك. ورأى، أيضاً، كيف جر عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" المعتقلين إلى منزل، لينتهي بهم المطاف بعد أيام جثثاً هامدة.

"كانت الجثث تُحفظ في الثلاجات"، يقول حسن، الودود، مشيراً بيده إلى داخل الغرفة، حيث تتكوم الفرش الملطخة بالدماء فوق بعضها البعض. ولتحويل الغرفة إلى زنزانة اعتقال، قام عناصر التنظيم بلحام صفائح معدنية على النوافذ.

وكان عنصر رفيع المستوى في التنظيم، يُدعى أبو ناجيد، قد أقام هنا إلى أن قامت القوات العراقية الخاصة بطرد التنظيم من المدينة في معركة استمرت يومين في أغسطس/ آب الماضي. عُرف أبو ناجيد بـ"قاضي الدم" بين الجيران، إذا أنه كان بيديه تقرير مصير من يدخلون بصراع مع التنظيم.

"قاضي الدم"

بعد تعذيبهم لانتزاع اعترافاتهم، كان المعتقلين، في غالب الأحيان، يُشنقون بتعليقهم إلى السقف، ومن ثم يسحب الكرسي من تحت أقدامهم ويتركوا بمواجهة مصيرهم المحتوم، كما يخبرنا الضابط في الجيش العراقي، حسن عبيد، وهو واقف في "غرفة الإعدام"، حيث جرت تلك الفظاعات.

استغل أبو ناجيد موقعه المتميز في التنظيم الإرهابي واحتفظ بأربع نساء إيزيديات كسبايا له، على حد تعبير حسن. وكانت حال تلك الإيزيديات الأربعة كحال الكثير غيرهن من الإيزيديات، إذ تقاسم عناصر التنظيم آلاف الإيزيديات بعد تقدمه في منطقة سنجار خلال أغسطس/ آب 2014.

أحياناً، كان يُسمح للإيزيديات السبايا بأن يخرجن وحدهن دون حراسة. عندها كُن يستغلن الفرصة لطلب المساعدة. "كانت السبايا الإيزيديات يطلبن من الجيران توصيل رسائل لأقاربهن. وعندما كان عناصر الحراسة في التنظيم يشاهدونهن وهن يتكلمن مع السكان المحلين، كانوا ينهالون عليهن بالضرب"، كما تقول شيماء، وهي ابنة حسن ذات الثمانية أعوام، والتي كانت تتحدث مع السبايا كثيراً.

Irak - Shema und Schwester in Haus das zuvor vom IS zur Folter genutzt wurde
شيماء وأختها في البيت، الذي كان يستخدمه التنظيم الإرهابي للاعتقال والتعذيب.صورة من: DW/F. Neuhof

وقد أخذ أبو ناجيد السبايا الإيزيديات الأربعة، واللواتي كن جميعهن تحت سن الثلاثين، معه عند فراره من المدينة. تُركت بعض من ثياب السبايا الإيزيديات ملقاة على قطة أرض خارج المنزل، يكسوها عشب بشكل مهلهل، كتذكار على مأساتهن.

حكم الإرهاب

يقول سكان القيارة إن التنظيم الإرهابي شيّد خمسة معتقلات فظيعة من هذا القبيل في المدينة، التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرين ألف نسمة. وقد سيطر الحكم الإرهابي على كل مفاصل الحياة اليومية، حيث كانت "الحسبة" تفرض تفسير التنظيم القروسطي للإسلام. "يأتي عناصر داعش والحسبة التابعة لهم إلى السوق، ويفتشون عمن يرتدي سروالاً طويلاً أو عمن تكون لحيته قصيرة أو عمن تكون قصة شعره غريبة"، يقول أحمد وهو مدرس لغة إنكليزية يبلغ من العمر الثانية والأربعين. ويضيف أن الجلد كانت عقوبة المخالفين.

قاد تطرف التنظيم الإرهابي إلى نفور سكان المدينة منهم، وتشكلت مقاومة بالرغم من العقوبة القاسية على من كان يثبت عليه ذلك. عندما أصبحت القوات الخاصة العراقية على مشارف القيارة، انتفضت مجموعة صغيرة من الرجال ببنادق - كانوا قد خبأوها – "في وجه الطغاة"، حسب ما يخبرنا به اللواء الركن نجم الجبوري قائد غرفة عمليات نينوى العسكرية، المسؤولة عن العمليات القتالية في المنطقة.

"اتصلنا ببعض الناس في القيارة قبل انطلاق المعركة. وعند اقتراب قواتنا من المدينة انتفضوا ضد التنظيم. مما ساعد قواتنا على السيطرة على المدينة من دون سقوط ضحايا في صفوف المدنيين"، يضيف اللواء الركن من مركز قيادته الواقع بالقرب من مدينة مخمور في محافظة نينوى.

Irak - Soldaten halten Kleidung die zu Versklavten Frauen des IS gehört
بقايا ثياب لإيزيديات كن سبايا عند داعشصورة من: DW/F. Neuhof

بديل غير قابل للحياة

في كل أنحاء القيارة يمكن تلمس الارتياح من التخلص من "داعش". يتذمر سكان القيارة، وهم من السنة، من مظالم كبيرة على يد الحكومة التي يقودها الشيعة وقواتها الأمنية. هذه المظالم استغلها التنظيم الإرهابي عند سيطرته على ثلث العراق.

غير أن الرعب الذي عاشوه السكان خلال سنتين تحت حكم التنظيم، جعلت من التنظيم بديلاً مجرد من الأهلية وغير قابل للحياة لحكم العراق، بدلاً من الحكم الحالي الذي فيه عيوب. "الكل يعرف من هو داعش. إذا كانت لديك في الماضي فكرة الانضمام لداعش، عليك اليوم أن تمحوها من عقلك"، يقول المدرس أحمد، الذي أصبح بلا عمل بعد أن أغلق التنظيم الإرهابي المدارس في المدينة.

من يحتاج تذكيره بالمأساة التي أوقعها التنظيم بالمدينة، يكفي الإشارة إلى سحب الدخان الكثيف التي ما تزال تتصاعد من آبار النفط، التي أضرم فيها التنظيم النار قبل الانسحاب. غطت سحب الدخان أحياء بكاملها، ويكافح المهندسون منذ أسابيع لاحتواء النيران. يؤثر الدخان على صحة السكان، وبدأ السكان بالشكوى من صعوبات في التنفس ومن الحساسية.

بعد ما عانوه على يد التنظيم، يميل السكان إلى وحدات الجيش التي تحمي المدينة من عودة التنظيم الإرهابي. "الجيش العراقي جيشنا"، يقول علي محمد عبد الله، وهو مسؤول حكومي محلي متقاعد.

يبشر هذا الأمر بالخير للقوات الحكومية وللمستقبل العراق. فالقيارة لا تبعد سوى 60 كلم عن الموصل، المعقل الأخير للتنظيم الإرهابي في العراق وثاني أكبر مدينة في البلاد.

الموصل مدينة سنية، ويعتقد اللواء الركن نجم الجبوري أنه وفي حال كان سكان المدينة معادين للقوات الحكومية، فإن ذلك سيعرض القوات المتقدمة باتجاه الموصل للخطر.

مستقبل مجهول

Irak Qayyarah - Armee sucht nach IS Mitgliedern
عمليات البحث عن عناصر ومتعاونين مع داعشصورة من: DW/F. Neuhof

يرى اللواء الركن الجبوري أنه إذا لم يتم ردم الهوة بين السنة والشيعة فإن مستقبلاً أسوداً بانتظار العراق، ويضيف: "نحن بحاجة لمصالحة في العراق". المصالحة لا تعني التساهل مع من انضم للتنظيم وركب قاربه.

وحتى بعد أسابيع من إعادة القوات الحكومية السيطرة على المدينة، ما يزال يتم جمع رجال في الشوارع أو في أبنية عامة، ويتم التحفظ عليهم لساعات في إطار بحث القوات الأمنية عن متعاونين مع داعش. كما يتم تدقيق البطاقات الشخصية، وشُكلت محاكم عامة استثنائية للبت في مصير المتهمين بالانضمام لداعش.

"في بعض الأحيان يقول الناس أن هذا الرجل طيب، فتطلق القوات الأمنية سراحه. وإذا لم يقل الناس ذلك، يتم أخذه"، يوضح أحمد الذي كان من ضمن مجموعة من الرجال تقوم بعملية تدقيق أمني في الشارع الرئيسي للمدينة.

تعتصره وغيره من الرجال المرارة من أولئك الذين أداروا ظهورهم لجيرانهم وتعاونوا مع التنظيم الإرهابي. بعد اقترابه من تفتيت البلد بتأجيج نار الكره الطائفي، ترك التنظيم الإرهابي، أيضاً تركة ثقيلة: مجتمعات محلية مكسرة في قلب المنطقة السنية في العراق.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد