1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تلك الحدود 2

٥ نوفمبر ٢٠٠٩

نزار حيدر

https://p.dw.com/p/KOtz

اننا بحاجة الى ان نشيع ثقافة القانون في المجتمع وعلى مختلف الاصعدة، من خلال:

اولا: اهتمام الوالدين بتعليم الابناء وجوب احترام القانون، ليس فقط القانون المكتوب، وانما كل ما ينظم العلاقات العامة سواء بين الناس او بين الانسان والطبيعة او بين الانسان والاشياء التي من حوله، ليشب اولادنا وهم يحترمون القانون العام، وهذا ما يحتاج من الابوين الى ان يكونا دقيقين في طريقة التعامل مع القانون، لان الابناء عادة ما يتعلمان احترام او انتهاك القانون ممن هو اكبر منهم، فاذا راى الابن ان اباه، مثلا، لا يحترم اشارة المرور، فان الاب في هذه الحالة لا يمكنه ان يقنع ابنه بضرورة احترام اشارات المرور، لانه سيفكر بطريقة عفوية تهديه الى عدم الاكتراث بمثل هذا الامر، فيقول متسائلا مع نفسه، لو كان صحيحا ما يقوله ابي من وجوب احترام الاشارات الضوئية عند سياقة السيارة، وان ذلك لمصلحته قبل ان تكون لمصلة الاخرين، فلماذا لم يلتزم هو بمثل هذه (النصيحة)؟ الامر اذن لا يتعدى كونه مزحة من قبل ابي، وهكذا.

ثانيا: اضافة دروس في القانون الى كل المراحل الدراسية، ليشب الاطفال وهم يحترمون القانون.

حتى الاطفال في الروضة يجب ان نعلمهم على احترام القانون، من خلال القصة والرسم والطرفة وكل وسائل التربية والتعليم الحديثة.

ثالثا: اقامة الدورات وورش العمل التي تهتم بتدريس وتعليم القانون واهميته في بناء المجتمع السليم.

في هذا المجال، يشخص دور منظمات المجتمع المدني التي يجب ان تنشط في هذا المجال، من اجل اشاعة ثقافة القانون في المجتمع، ما يقلل من الكاهل والعبء على الدولة العراقية التي قد لا تستطيع ان تقنع الناس بمثل ذلك، لان العراقيين تعودوا على ان يرفضوا تعلم او تصديق كل ما تقوله وتسعى اليه الحكومة، اما منظمات المجتمع المدني، فان لها حظوظا كبيرة في انجاز مثل هذه المهمة، لما تتمتع به من ثقة عالية في صفوف الناس.

العامل الثاني: هو القانون نفسه، فلا يكفي ان يتحلى الناس بثقافة القانون اذا لم يوجد في البلد، اساسا، قانون صحيح، ينظم العلاقات العامة بين افراد المجتمع الواحد.

ومن اجل ان يكون القانون صحيحا وسليما وصالحا، يجب ان يتميز بما يلي؛

الف: ان يكون عمليا، فالقانون المثالي لا يلتزم به الناس مهما تمتعوا من ثقافة عالية، فالناس غير مستعدين للالتزام او تطبيق قانون مثالي وغير عملي.

باء: ان يكون قابلا للتطبيق، وذلك بان ياخذ المشرع الظروف الزمانية والمكانية لما يريد ان يشرع من اجله القانون، وهذا يتطلب ان يكون المشرع ملما بكل حيثيات وظروف الامر ليشرع قانونا ينسجم والجو العام.

وان افضل القوانين هي التي تصدر بعد دراسة علمية للواقع الاجتماعي والثقافي، معتمدا على المسح العملي لكل المقومات والحيثيات، وافضل منه هو الذي يصدر بعد الاستماع الى الراي العام، من خلال عمليات الاستبيان مثلا، وهذا ما يجري العمل به في بلاد الغرب عادة، خاصة في الولايات المتحدة الاميركية، الامر الذي يشجع الناس على الالتزام بالقانون لشعورهم بانه منهم واليهم، وانهم قد ساهموا في اصداره بشكل او بآخر.

جيم: ان يكون القانون متوازنا، فلا هو مرن بدرجة كبيرة، ولا هو لين بدرجة غير معقولة، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال لاحد اصحابه يوصيه بالطريقة الفضلى للتعامل مع الناس \{لا تكن لينا فتعصر، ولا تكن صلبا فتكسر\} في اشارة الى التوازن المطلوب، ليكون القانون قابلا للتطبيق في كل الظروف والحالات، ولذلك نرى ان علماء القانون يبحثون في روح القوانين وليس في النصوص، لان النص شئ ميت لا حراك فيه، اما الذي فيه الروح وتدب فيه الحياة فهو جوهر القانون الذي يسمونه بروح القانون.

ان القانون الذي ليس فيه روح لا يمكن تطبيقه ابدا، مهما كان الناس على درجة عالية جدا من الوعي والثقافة القانونية، اذ كيف يمكن لاحد ان يطبق قانونا ليس فيه روح؟ وان الذي لا زال يحكم في الولايات المتحدة الاميركية، وبعد مرور اكثر من قرنين من الزمن على تشريع الدستور الاميركي الذي لا تتعدى مواده عشر ما تحتويه كل (دساتير) دول العالم العربي والاسلامي، هو روح القانون وليس نصه، ولذلك ظل طوال هذه المدة الطويلة من الزمن حيا في كل مناحي الحياة، وكانه دون، بتشديد الواو وكسرها، للتو، اما في بلداننا فالقانون ميت لا حياة فيه، ولذلك لا احد يتذكره الا عندما يريده الحاكم لحاجة في نفسه يريد قضاها.

داء: واخيرا، ان يسري القانون على الجميع من دون استثناء، فلا احد الا والقانون فوقه، وليس في المجتمع من هو خارج سلطته، ليتسنى للقانون ان يحقق العدالة في المجتمع من خلال سريانه على الجميع، حاكمون ومحكومون، اما ان يصطاد القانون ضعفة الناس ويفلت منه الاقوياء، فهذا ليس بقانون، وانه سيفقد مصداقيته بمرور الزمن.

العامل الثالث: هو القوة التي تنفذ القانون، اذ لا يكفي ان يتمتع بلد ما بقانون رائع وبشعب مثقف وواعي، ليشهد حكومة القانون، ابدا، اذ يجب ان تكون الى جانب كل ذلك، القوة التي تنفذ هذا القانون وتذكر الناس (المثقفين) بوجوب تنفيذه عند الضرورة والحاجة.

ان اعرق الدول الديمقراطية تتمتع بقوة تنفيذية عالية الجودة، تفرض هيبتها على جميع الناس، والا لما احترم احد القانون ابدا، لان من طبيعة الناس انهم يتمردون على كل ما يحد من حرياتهم بشكل او بآخر، فلو كان الامر بيد الناس لقاد الجميع مركباتهم في الشوارع والطرقات باقصى السرعة، فلم يلتزم احد بحدود السرعة المقررة، او بالاشارات الضوئية وعلامات التوقف، ولكل مبرراته في عدم الالتزام بالقانون، الا ان الرقابة السرية المنتشرة في الشوارع والطرقات، كالكاميرات، والانتشار الهائل لشرطة المرور السرية منها والعلنية، في كل مكان، والتي تمتلك حق ايقاف المخالفين مروريا واصدار المخالفات القاسية احيانا بحقهم، ان كل ذلك هو الذي يساهم بدرجة كبيرة في ردع المخالفين، الذين يتعرضون لعقوبات هي بحجم المخالفة، اذ كلما كانت المخالفة اكبر كلما كانت قوة الردع القانونية اكبر، وهكذا.

وكلنا يتذكر كيف ان الناس في الولايات المتحدة الاميركية، خرجوا عن القانون وتمردوا على التزاماتهم وتنكروا لثقافتهم الدستورية والقانونية، بمجرد ان غابت القوة لساعات في مدينة (نيو اورليانس الساحلية في ولاية لويزيانا) التي ضربها الاعصار المدمر قبل سنتين، الامر الذي كشف عن مدى حاجة المجتمع، اي مجتمع، الى القوة لتنفيذ القانون.

لقد ابتلي العراقيون بالفوضى في حياتهم، طوال حكم النظام البائد، عندما غاب القانون عن حياتهم اليومية، وعلى مختلف الاصعدة، ولذلك فانهم بحاجة اليوم الى اعادة تشكيل الحياة القانونية على مختلف الاصعدة، بدءا من العلاقة الثنائية داخل الاسرة الواحدة، وليس انتهاءا بالعلاقة بين مؤسسات الدولة، مرورا بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وغير ذلك.

اننا بحاجة الى ان نرسم معالم القانون الذي ينظم كل هذه العلاقات، سواء من خلال ما يدون منه في الدستور وغيره، او ما نتفق عليه نظريا كعقد اجتماعي والتزامات اخلاقية تساعدنا على تحسين حياتنا وتطويرها نحو الافضل.

لقد تحدث القران الكريم في العديد من الايات عن القانون، والذي يطلق عليه في كتاب الله عز وجل بـ (الحدود) منها قوله تعالى:

\{تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم\}.

\{ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين\}.

\{التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين\}.

\{وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه \}.

ولان الله تعالى هو الخالق والرازق، فهو اعرف بخلقه وحاجاتهم وما يصلحهم، ولانه العالم بكل شئ والمطلع على كل الامور، ولذلك فان تشريعه سبحانه وتعالى لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وحدد قانونها واشار الى ما يصلحها وما يفسدها، يقول تعالى في محكم كتابه الكريم \{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين\} ويقول تعالى \{وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وامر قومك ياخذوا باحسنها ساريكم دار الفاسقين\} وان كل ذلك من اجل ان ينعم عباده سبحانه بالنعم التي خلقها لهم وبالعدل والانصاف، بلا ظلم او تعدي، وكذلك من اجل ان ينعم البشر بالسعادة في الدنيا ويفوزوا برضاه ونعمه التي اعدها لعباده الصالحين في الاخرة.

ان القانون الصالح هو الذي يحقق:

اولا: الحرية.

ثانيا: العدالة.

ثالثا: المساواة.

رابعا: تكافؤ الفرص.

خامسا: الرفاهية.

سادسا: الرقابة والمساءلة.

سابعا: المكافاة والعقاب.

ومن خلال التامل بكل واحدة من هذه القيم، سنكتشف بان النظام الذي يقوم على اساس المحاصصة والتوافق والفيتو لا يمكن ان يحقق كل ذلك ابدا، لان هذا الثلاثي يقوم على اساس نظام فاسد وغير صالح، باعتماده على قيم غير سليمة ابدا، فهو لا يعتمد الكفاءة والخبرة والاقدمية في الخدمة مثلا، وانما يعتمد الولاء الحزبي او العائلي او الشخصي، او اي ولاء آخر باستثناء الولاء للوطن وللخدمة العامة.

ومن اجل ان نحقق دولة القانون، يلزم ان تكون قوة الردع كبيرة، اذ كلما اشتدت العقوبة بحق المخالفين كلما ضمنا التزاما به بدرجة اكبر، بل ان قوة الردع هي التي لا تدع نفوس الناس تسول لهم بمخالفة القانون او تحدثهم بالتمرد عليه، ولذلك نرى ان التشريع الاسلامي حقق هذه القاعدة بدرجة كبيرة، فلو تم الالتزام بقوة الردع التشريعية الواردة في النصوص الدينية، لما حدث انسان نفسه بارتكاب ما يخالف القانون، والى هذه القاعدة انتبه المشرعون في بلاد الغرب، في اميركا مثلا، لتتزامن العقوبات الرادعة مع المخالفات القانونية، الصغيرة منها فضلا عن الكبيرة، وبهذه القاعدة تمكن الغرب من فرض هيبة القانون، في ظل نظام ديمقراطي يتمتع فيه الجميع بالمساواة وتكافؤ الفرص.

وفي احيان كثيرة، فان قوة الردع هي التي تحمي القانون، حتى قبل ان تاخذ العقوبة مكانها في المجتمع، ولذلك فعندما اهتم الاسلام بقوة الردع في المخالفات الكبيرة، انما من اجل ارعاب الناس للحيلولة دون ان يحدثوا انفسهم بمخالفة.

ولقد اشار القران الكريم الى هذه القاعدة بقوله \{ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب\}.