1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حكومة الأغلبية السياسية لا تصلح للعراق

عصام فاهم العامري٢٢ مايو ٢٠١٤

يرى عصام فاهم العامري في مقال نشر على صحيفة القدس العربي أن حكومة الأغلبية السياسية في العراق لن تشكل نموذجا ناجحا يمكن ان يخرج بالبلد من عنق الأزمة.

https://p.dw.com/p/1C4OT
Irak Wahlen April 2014
صورة من: ALI AL-SAADI/AFP/Getty Images

أكثر من سبب يدعوني للقول ان حكومة الأغلبية السياسية لا تصلح في العراق. اول هذه الاسباب واهمها ان بلدا مثل العراق بسبب تعددية مجتمعه وتكويناته، وغياب الاجماع الموحد لهذه التكوينات، فإن ديمقراطية الأغلبية والأقلية لا تناسبه؛ وان ما يناسبه الديمقراطية التوافقية، هذا على الأقل ما تقول به بديهيات الديمقراطية وفق مفكريها المعاصرين مثل روبرت دال وآرنت ليبهارت وآلان تورين.. اذ ان هذه البديهيات تقول ان ديمقراطية الاكثرية الحاكمة والاقلية المعارضة لا تصلح الا في المجتمعات التي تجرى فيها الانتخابات على اساس البرامج السياسية، وبهذا المعنى فان الاكثرية والاقلية قابلة للتبدل والتعديل على نحو دائم، وفق قناعة الناخبين بالبرامج السياسية للكتل المتنافسة. اما في حالة العراق فان الانتخابات والتصويت فيها يجري على اساس الانتماء للتكوينات القائمة، بعبارة أوضح التصويت يجري على أساس طائفي (سني ـ شيعي) واساس قومي (عربي ـ كردي)، فضلا عن التمثيل لهويات اخرى، مثل المسيحيين والآشوريين والكلدان والتركمان والايزيديين والصابئة. فالناخبون أدلوا بأصواتهم على أساس التمثيل للتكوينات، وليس على اساس البرامج السياسية، لأنه في الأصل ليست هناك هوية جامعة تفوق الهويات الفرعية، فالهوية الوطنية حتى الان لم تتشكل او على الأقل لم تنصهر في بوتقتها الهويات المذهبية والدينية والقومية والعرقية. وعلى هذا الأساس، وفي هذه الحالة يصبح قانون الأكثرية في جوهره معاكسا للسلطة الشعبية؛ والاستعانة به من دون التشبث بالعناصر المتكاملة الاخرى؛ كثيرا ما يؤدي الى نشوء أنظمة استبدادية وهدم للديمقراطية بدل بنائها.

السبب الثاني ان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 30 نيسان/ ابريل الماضي، تقول انه ليس هناك تغيير كبير في نتائج الانتخابات، اللهم الا اختلاف بسيط بالاوزان، فمثلا كتلة دولة القانون التي يتزعمها المالكي زاد عدد مقاعدها بحدود 6 مقاعد عن الانتخابات السابقة؛ اما كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري فقلت 4 مقاعد عن الانتخابات السابقة، وكتلة المواطن التي يتزعمها عمار الحكيم، التي يمكن وصفها بـ’الحصان الاسود’ فقفزت للضعف في هذه الانتخابات عما حققته في الانتخابات السابقة، فحققت 29 مقعدا، لاسيما ان كتلة بدر في هذه الانتخابات لم تكن جزءا من قائمة المجلس الاعلى الاسلامي، كما درج ذلك في كل الانتخابات السابقة، بل كانت هذه المرة جزءا من تحالف رئيس الوزراء المالكي. ويبدو ان الاكراد في هذه الانتخابات سيزيد عدد مقاعدهم في البرلمان المقبل بحدود 12 مقعدا، اما الكتل السنية فهي الوحيدة التي ستنقص عدد مقاعدها بحدود 15 مقعدا، طبعا الكتل السنية ستخسره من مقاعدها في بغداد والمحافظات المختلطة الاخرى، مثل ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك، التي كسبها الاكراد من جهة والمالكي خصوصا وبقية الكتل الشيعية من جهة اخرى. خسر السنة هذه المقاعد لاسباب عديدة اهمها: في هذه الانتخابات انقسمت قوائم الترشيح الى عدة قوائم، في حين ان معظم المحافظات التي فيها اغلبية سنية عربية (صلاح الدين، نينوى، كركوك، ديالى) تضم اقليات شيعية من جهة، وكردية من جهة اخرى، وبالتالي فان تشتت الصوت السني العربي على عدة قوائم استفاد منه المنافسون الآخرون، الاكراد الذين نجحوا في الدخول بقائمة موحدة في هذه المحافظات وايضا القوائم الشيعية. والسبب الاخر في خسارة السنة العرب لبعض مقاعدهم، وجود عوائق امنية وحصار امني فرض على بعض مناطقهم، بالاضافة الى العوائق الاخرى التي تتعلق بغرق بعض المناطق بالمياه، كما في بعض مناطق بغداد ذات الاغلبية السنية، الامر الذي حال دون وصول الناخبين من السنة لصناديق الاقتراع للادلاء باصواتهم.

المهم، ان هذه النتائج لن تسمح للمالكي المنادي بولاية ثالثة وبحكومة اغلبية سياسية ان يشكل الكتلة الاكبر في البرلمان، الا عبر التحالف مع كتل كبيرة رئيسية. كما انه لا توجد مشاريع انتخابية سياسية لمعظم الكتل التي فازت في الانتخابات من كل المكونات. وبالتالي فان المالكي او سواه لا يمكن ان يشكل الحكومة الا بمشاركة كتل كبيرة فائزة في الانتخابات ممثلة للمكونات العراقية.

السبب الثالث، ان تجربة السنوات العشر الماضية اثبتت ان مركز الثقل السياسي في النظام السياسي العراقي الجديد، ليس في البرلمان، كما يقر بذلك الدستور العراقي، وإنما في الحكومة وفي رئاسة الوزراء، لاسيما بعد ان اثبتت تجربة ولايتي المالكي خلال السنوات الثماني الماضية، ان الحكومة ورئاستها بالتحديد قادرة على تجميد الدور الرقابي للبرلمان، والغاء استقلالية القضاء، والهيمنة على كل الهيئات التي يفترض ان تكون مستقلة، فضلا عن التحكم بموارد الدولة المالية وقوتها العسكرية والامنية، وخلال السنوات الماضية وبغية تطويع خصومه ومنافسيه، قام المالكي باستخدام القوة العسكرية والامنية مرة، والقوة المالية مرة اخرى، ومرة ثالثة باستخدام كل أدوات القوة التي يمتلكها. وهكذا وجدناه يشن حملات عنيفة لإخضاع المناطق السنية بحجة مكافحة الارهاب، تشمل فرض حصارات قاسية عليها، ويحرض على الزعامات المحلية السنية، بما يعرضهم للاغتيالات، ويمنع التخصيصات المالية عن اقليم كردستان، بما في ذلك قطع رواتب الموظفين العاملين في الاقليم، ويسجن ويعتقل بعض اتباع الصدر، ويتهم بالفساد من لا يخضع له في الوزارات والادارات الحكومية، ويحرم اتباع الحكيم من الحصول على الامتيازات او المناقصات، في الوقت الذي يغدق على الموالين والتابعين العطايا ويحميهم من ان يطالهم القانون.

هذا الواقع، يجعل الكتل الرئيسية تتشبث أكثر بضرورة مشاركتها بالحكومة، كما يجعلها لا ترضى مطلقا ان تتشكل حكومة أغلبية سياسية، وترفض قطعا ولاية ثالثة للمالكي، بأي شكل من أشكال الحكومة، بعد التجربة المريرة من نكث الوعود والمواثيق والاتفاقات التي سبق ان قطعها المالكي خلال ولايتيه الماضيتين.

ويقينا ان المالكي لن يستسلم بسهولة لارادات الكتل، وبالتالي سيحاول تخريب كل محاولات تشكيل الحكومة من دون ان تكون تحت رئاسته، وسيمارس لعبة الاغراءات والضغوط، كما انه لابد ان يستعين بالنفوذ الايراني الذي تعاظم في السنوات الماضية في العراق، بحيث تعدى هذا النفوذ الإطراف الشيعية من جماعتي عمار الحكيم ومقتدى الصدر، ليمتد الى الاطراف الكردية، وبعض أطراف السنة العرب. ومؤكد ان إيران ستحاول مساعدته خصوصا انها بحاجة لاستمراره لمساعدتها في سوريا، كما في تقوية نفوذها اكثر فأكثر في العراق. والمتوقع ان واشنطن التي أصلا يتراجع نفوذها في المنطقة وفي العراق، لن تلعب دورا مؤثرا في هذا السياق تحت مسمى الحياد وضرورة النأي عن التدخلات الخارجية في مسألة تشكيل الحكومة العراقية.

ولكل ذلك، فان صراع تشكيل الحكومة في العراق سيطول ويطول كثيرا، وسيفجر معه مزيدا من التوترات السياسية والأمنية والتوترات الاجتماعية ويغرق البلد أكثر فأكثر في دوامة العنف المجتمعي والأهلي، وستكون حكومة الأغلبية السياسية هي الخشبة العائمة التي يتشبث بها المالكي وفريقه لتبرير عناده وإطالة صراع تشكيل الحكومة، وهو في واقع الأمر مستعد للتخلي عن المناداة بها (اي حكومة الأغلبية السياسية) إذا ما شعر بان من الممكن ان ينال الولاية الثالثة.

القدس العربي / http://www.alquds.co.uk/?p=170814