ذكرى الانتفاضة ضد نظام جمهورية ألمانيا الديمقراطية
قبل 60 عاما شهدت جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا/ ألمانيا الشرقية مظاهرات احتجاجية ضد نظام الحزب الواحد. لكن القوات السوفيتية قمعتها. وبهذا دخل 17 يونيو/ حزيران 1953 التاريخ باعتباره يوم الانتفاضة الشعبية في ألمانيا.
ثورة من أجل الحرية
إضرابات ومظاهرات وغضب عارم: شهد يوم 17 من حزيران في عام 1953 انفجار غضب واستياء مواطني ألمانيا الشرقية إزاء الدولة الاشتراكية التي يحكمها حزب واحد في انتفاضة شعبية. لكن القوات السوفيتية قمعت الثورة وسحقتها. ومنذ ذلك اليوم بات واضحا بالنسبة لمواطني ألمانيا الشرقية وللغرب أيضا أن الاتحاد السوفيتي سابقا لا يتسامح مع أي نوع من المقاومة.
بناء الاشتراكية
ولكن لماذا كان الشعب غاضبا من القيادة السياسية؟ واحد من الأسباب كان يكمن في " مسار البناء الاشتراكي"، وفق الخطاب السياسي آنذاك. وكان الحزب الاشتراكي الألماني الموحد الحاكم بقيادة رئيس الحزب، فالتر أولبريش، على يسار الصورة، قد اقر في تموز/يوليو من عام 1952 مشروع زيادة الإنتاج، بهدف تحسين الوضع المعيشي لسكان الجمهورية الفتية. لكن الرياح هبت بما لا تشتهي سفن القيادة.
أجواء متوترة بسبب نقص الخدمات
بعد تأميم المؤسسات الزراعية باتت المواد الغذائية سلعة نادرة. كما لم يتحسن المستوى المعيشي للمواطنين، كما وعدت القيادة بذلك. فقررت قيادة الدولة والحزب رفع مستوى الإنتاج: وكان على العمال أن يعملوا لفترات أطول لإنتاج المزيد. لكن القرار هذا ولد لدى الناس انطباعا بأن المستوى المعيشي للناس سيسوء أكثر.
" التوجه الجديد"
لكن توجها جديدا ظهر في الأفق. فبعد وفاة الديكتاتور السوفيتي ستالين، تولى السلطة في موسكو مجموعة بقيادة نيكيتا خروشوف والتي وجهت تعليمات إلى قيادة ألمانيا الشرقية تفيد بالتراجع عن بعض القرارات. وتم في ألمانيا الشرقية اعتماد التوجه الجديد. لكن القرار الجديد جاء متأخرا.
عمال البناء في شارع ستالين ببرلين
بات الناس في ريبة إزاء القرارات الجديدة. بداية يونيو/ حزيران اشتعلت نيران المقاومة في كل أنحاء ألمانيا الديمقراطية. وتسبب مقال نشر في السادس عشر من الشهر المذكور في اندلاع الانتفاضة: حاول كاتب المقال تبرير قرار زيادة الإنتاج بنسبة 10 بالمائة، وعلى الفور وبشكل عفوي أعلن عمال البناء في شارع ستالين وسط برلين الشرقية التوقف عن العمل والتظاهر ضد القرار. وأنضم إليهم آلاف الناس وبشكل عفوي أيضا.
استقالة الحكومة! وانتخابات حرة!
صبيحة يوم 17 يونيو/ حزيران لم يتعلق أمر الانتفاضة بقرار زيادة الإنتاج فحسب، فالمتظاهرون طالبوا باستقالة الحكومة وإجراء انتخابات حرة. وأصبحت المطالب ذات طابع سياسي، من بينها المطالبة بالوحدة الألمانية. مئات الآلاف من سكان ألمانيا الشرقية استغلوا الفرصة للتنفيس عن الاحتقان السياسي الكامن في نفوسهم منذ سنوات. وشارك في التظاهرات كل فئات المجتمع.
موجة من الاحتجاجات تعم البلاد برمتها
ما لا يعرفه الجميع هو أن الاحتجاجات عمت كل مناطق البلاد. فقد شهدت أكثر من 700 بلدة ومنطقة في ألمانيا الشرقية، كما هنا في الصورة في لايبزج، مظاهرات واحتجاجات شعبية. وفي بعض المدن نجح المنتفضون بتحرير السجناء. ووقعت مشاهد مفزعة، ففي قرية راتيناو شنق المحتجون رجل شرطة سري مفترض.
الدبابات ضد المحتجين
في الوقت الذي اختفت فيه قيادة ألمانيا الشرقية في المقر الرئيسي للقوات السوفيتية في البلاد في منطقة كارلسهورست بالقرب من برلين، طلبا للأمن، انتشرت القوات السوفيتية في نفس الوقت وبشكل مكثف في شوارع مدن البلاد، خصوصا في برلين الشرقية. كما تم الإعلان عن حالة الطوارئ. ودوت أصوات الرصاص، حيث سقط اكثر 50 قتيلا، فيما عاد هدوء أهل القبور على المدن في المساء.
ثمن الحفاظ على السلطة
تمكنت القوات السوفيتية وبفضل كثافة وجودها في المدن من الحفاظ على سلطة فالتر أولبريشت وحزبه الموحد. وبعد قمع الانتفاضة بدأت مرحلة معاقبة المشاركين فيها، وقامت محاكم عسكرية متنقلة بالحكم على المتظاهرين فورا. وتم تنفيذ أحكام إعدام بحق بعضهم. كما قامت أجهزة الدولة الأمنية باعتقال أكثر 15 ألف شخص في الأسابيع التالية للانتفاضة، حيث قضى الكثير منهم سنوات طويلة في السجون.
الدعاية السياسية للدولة
وفي الوقت الذي تم فيه الحكم على المشاركين في الانتفاضة، بدأت الأجهزة الإعلامية الحكومية بتزييفها ووصفوها بأنها مجموعة من العمال المغرر بهم شاركوا فيها بدعم وبقيادة عملاء غربيين، حسب التعبير الرسمي آنذاك. وعُرضت صور لمواطنين شرقيين يقدمون أكاليل من الزهور للجنود السوفيت، كما تظهر هذه الصورة في برلين الشرقية، وذلك تثمينا لمواقفهم المتضامنة، حسب التعبير الرسمي.
مناضلون من أجل الحرية بدلا من "عمال مغرر بهم"
اعتبرت جمهورية ألمانيا الاتحادية/ ألمانيا الغربية المشاركين بالانتفاضة مناضلين من أجل الديمقراطية، ففي خطاب للمستشار الألماني آنذاك، كونراد ادناور، بمناسبة حفل تأبين ضحايا الانتفاضة أمام بلدية شونبيرغ في غرب برلين، وصف الضحايا بأنهم " شهداء الحرية". ومنذ ذلك العام اعتبرت ألمانيا الاتحادية يوم 17 يونيو/ حزيران عطلة رسمية.
الشوق إلى الحرية
في 17 حزيران من عام 1953 بات واضحا من أن الاتحاد السوفيتي لا يسمح بظهور حركات ديمقراطية في مناطق نفوذه. وهي تجربة مريرة عاشتها أيضا هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا في سنوات لاحقة. لكن لا يمكن قمع رغبة الناس في الحرية بشكل دائم. وقد مضى أكثر من 36 عاما على الانتفاضة حتى سقط جدار برلين وتوحدت ألمانيا.