1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سلبية المواطن: محاولة تحليل

عبد المنعم الاعسم١ أغسطس ٢٠١٣

يرى عبد المنعم الاعسم أن الحديث عن إخفاق الخطط والجيوش والاستحكامات الأمنية الحكومية في لجم النشاط الإرهابي الإجرامي قد لا لا يُسـَلط الضوء كفاية على موقف المواطن من هذا النشاط.

https://p.dw.com/p/19I6Q
صورة من: Reuters

يحرص الخطاب الأمني الرسمي على تسويق جملة إعلامية مبهمة وشكلية وافتراضية وغير موثقة عن التعاون بين المواطنين والجهد الأمني، ومقابل ذلك، لم تعالج البحوث والمعاينات واقنية الإعلام والصحافة هذه القضية الخطيرة بالمراجعة والتدقيق والصراحة، فان الكثير من التفجيرات والتحركات المريبة للإرهابيين تمر من غفلة المواطن، إذا ما شئنا تسمية الأشياء بأسمائها.

نعم، المواطن مسكون بالخوف والقلق والغضب والحقد على المجرمين، لكن جميع هذه المفردات تنصرف بعيدا عن الاستعداد للتعاون مع السلطات، وأحيانا تنصرف الى الغليان ضد تلك السلطات.

علينا ان نثبت حقيقة وجود "إشكالية" في العلاقة بين المواطن وإجراءات محاربة الإرهاب، على الرغم من ان هذا المواطن هو ضحية لجرائم الإرهابيين ، بل الضحية رقم واحد لهم، حين تُصمم غالبية الهجمات لتكون مذابح جماعية وانتقامية للسكان والحياة المدنية، الأمر الذي يفترض (نظريا) ان تتجه ردود أفعال المواطنين الى مزيد من اليقظة والتعاون مع الجهات الأمنية وان يصبحوا عينا راصدة للتحركات الإرهابية، لكن شيئا من هذا لم يحدث في الواقع، وهو الشرخ البائن في النظام الأمني الوطني الذي لا يقوم فقط على التشكيلات العسكرية وخطط الملاحقة والردع والقصاص، بل يدخل تعاون المواطنين مع الدولة في صلب عملية المواجهة، ولعله الأخطر والاهم من الأركان الأخرى لهذا النظام.

سلبية المواطن حيال الحملة على الإرهاب تتسم بالتعقيد، فبعض الكثير منها يعود إلى الموروث التاريخي للخصومة بين السلطة والمواطن وانعدام الثقة بينهما، وقد تكرّست هذه الخصومة مع تنامي الشعور بثراء الفئات المتسلطة ورموزها وبذخ حياتها وتوسع إمبراطورياتها المالية والعقارية، وتعالي وغطرسة وفساد حلقاتها في السلطة، فمن غير المعقول ان تطلب من المهمش والعاطل عن العمل والمهموم بتردي الخدمات ومصاعب المعيشة ان يتعاون مع سلطات يشعر انها فاسدة، وتذله وتحرمه فرص العمل والعيش الكريم، هذا عدا عما تتركه الخطط الحكومية الفاشلة من إحباط بين المواطنين وفتور في الحماس للمراقبة والتعاون مع السلطات.

على انه ينبغي ان ينظر لسلبية المواطن هذه بجدية وصراحة، وان تخضع للتحليل الموضوعي، على خلفية الانقسام الذي يضرب النسيج الوطني، فان إضرام حمية الانتماء الطائفي من قبل الأحزاب والزعامات السياسية اوجد ثغرات خطيرة في الشعور بالمسؤولية الوطنية إذْ تسلل الإرهابيون عبر هذه الثغرات إلى تنفيذ أعمالهم الشنيعة من دون أية رقابة مجتمعية، وليس من دون مغزى ان تجد الجماعات الإجرامية قواعد انطلاق لها في مزدحمات سكانية او أحياء بعيدة عن حواضنها الريفية والقبلية.

بوجيز الكلام، لا يمكن دحر المشروع الإرهابي الإجرامي بالإجراءات الأمنية والعسكرية وحدها، فان المواطن يشكل الركن الثاني في موجبات دحر الإرهاب.. المواطن الذي يشعر ان الدولة بثرواتها وخيراتها هي دولته، وان السلطة في خدمته حقا.

" رحم الله امرأ أعان أخاه بنفسه" أبو بكر الصديق

نشر المقال في جريدة(الاتحاد) بغداد ويعاد نشره على صفحتنا بالاتفاق مع الكاتب