1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ظاهرة عضوية تحرير المجلات العلمية "العالمية"

محمد علي الربيعي٢٩ مايو ٢٠١٤

يلفت أ.د. محمد علي الربيعي الأنظار إلى ظاهرة القرصنة الالكترونية بطريقة الدعوة إلى المشاركة في تحرير مجلات علمية وهمية. مشيرا إلى آخر الفضائح حول هذه المجلات هو ما أطلقه احد الباحثين بـ(كذبة نيسان).

https://p.dw.com/p/1C8pn
Schering AG Beneseron Produktion
صورة من: picture-alliance/dpa

منذ عام 2008 بدأت ألاحظ ازدياد كبير في عدد الرسائل الالكترونية التي تصلني من مجلات علمية تصدر على الانترنت تدعوني الى المساهمة بنشر بحوثي على صفحاتها او بدعوتي ان أصبح عضوا في هيئات تحريرها، ووصل البعض منها الى دعوتي لرئاسة لجان تحريرها، او إصدار مجلة علمية بالشكل الذي ارغب به. بدأت هذه الدعوات تثير اهتمامي لان معظمها مفتعلة لغويا، وتحمل تواقيع أسماء هندية او باكستانية او عربية، وتحتوي على أخطاء إملائية ونحوية كثيرة، بالإضافة الى معرفتي بأنها تُرسل الى إعداد كبيرة من العلماء والأكاديميين وحتى طلبة الدراسات العليا في مختلف انحاء العالم. في معظم الحالات تحمل هذه المجلات اسماء تثير الانتباه كالمجلة "العالمية" او"البريطانية" او"الامريكية"، علما ان هذه التسميات لا تعني كثيرا في الأوساط العلمية الغربية حيث يمكن استخدامها من دون رادع او مانع من قبل كل قاصي وداني.

هذه المجلات هي من النوع الذي يطلق عليه اليوم بالمجلات الزائفة Fake Journalsوالتي تحمل أحيانا عامل تأثير Impact Factorزائف وتتبنى موقعا الكترونيا يضم بالعادة عددا كبيرا من المجلات المختصة وهي مجلات تنشر من قبل ناشرين فاسدين غرضهم الوحيد هو كسب اجور نشر من أصحاب البحوث مقابل قبول البحث للنشر على صفحاتها في الانترنت.

مجلات وهمية

والمجلات هذه على نوعين الأول يصدر عدد كبير من المجلات ضمن اسم لمنظمة او شركة للنشر غير مسجلة وغير معترف بها. والأخرى تصدر مجلات فردية لناشرين مجهولين وبأسماء مستعارة. تضمنت اخر الفضائح حول هذه المجلات هو ما اطلقه احد الباحثين بـ(كذبة نيسان)، حيث ارسل بحثا ملفقا الى 157 مجلة تدعي انها "علمية وعالمية" وتم قبول البحث من قبل جميع هذه المجلات.

لقد سبق وان كتبتُ في عدة مقالات حول هذه المجلات ودعوت الى تجنب النشر فيها وعدم قبول دعواتها لعضوية لجان تحريرها ولما يسمى حاليا "مقيم للبحوث"، وهي ظاهرة مقتصرة على هذه المجلات. ويستطيع القارئ مراجعة مقالتي المنشورة بعنوان "النشر العلمي في المجلات الزائفة" على الواصل: http://alakhbaar.org/home/2012/10/136712.html لكي يتعرف بصورة مفصلة على هذا النوع الكاذب من النشر العلمي، وفي المقالة تفنيد لمزاعم هذه المجلات. وقدمت فيها اسلوب لمعرفتها ولغرض تمييزها عن المجلات العلمية العالمية الحقيقية والرصينة.

حرصت على إيصال المقالة والمقالات الأخرى حول الموضوع الى الجامعات ووزارة التعليم العالي، وتناولت الموضوع في محاضراتي العلمية العديدة ضمن ورشات عمل لمهارات البحث العلمي، وحول خطورة السماح للاكاديمين العراقيين من النشر في هذه المجلات او القبول بعضوية هيئاتها العلمية حرصا على سمعتهم، ومصداقية البحث العلمي العراقي، وتجنبا للادعاء بالنشر في مجلات علمية "عالمية"، ومما يسعدني ان هذه النصائح وجدت آذاناً صاغية. الا ان الجهات التعليمية وخصوصا دائرة البحث والتطوير في وزارة التعليم العالي على الرغم مما تقوم به من جهد كبير في تطوير البحث العلمي وتحرص على ان تكون البحوث بمستوى عالمي، وكذلك في محاربة الفساد العلمي، هناك من لا يهمه هذه الامور طالما كانت له مكاسب من خلالها، ولا بد من معاقبة كل من تسول له نفسه إشاعة الفساد العلمي أو الاستفادة بهذه الطريقة.

قد يكون اغلب الأكاديميين العراقيين أعضاء في هيئات تحرير مجلات وهمية

ما دفعني للعودة إلى هذا الموضوع هو أني اطلعت قبل أيام على خبر يفيد أن 184 تدريسيا من جامعات العراق هم أعضاء في هيئات تحرير مجلات عالمية. لا شك أن الخبر مفرح ويدل دلالة قاطعة على ان التدريسيين العراقيين بلغوا مستويات عالمية متطورة لكي يحتلوا مراكز مهمة كعضوية تحرير مجلات عالمية ويدل على ان انتاجهم البحثي العلمي وشهرتهم العلمية لابد لها من التفوق على كثير من اقرانهم في الدول الاخرى لكي يتم اختيارهم من قبل هذه المجلات. هذا طبعا ان لم تكن هذه المجلات من قبيل المجلات الزائفة. مع الأسف اقول انه من خلال مراجعتي في السنوات الأخيرة لادعاءات كثير من التدريسيين في الجامعات العراقية بعضوية هيئات تحرير مجلات عالمية تبيَّن لي أنها من نوع المجلات الزائفة (لربما لعدم معرفتهم بحقيقة هذه المجلات)، الا أني لا استطيع التأكيد ان كان هذا العدد الكبير هم حقا أعضاء في هيئات تحرير مجلات عالمية رصينة وما على الوزارة إلا تأكيد ذلك أو نفيه لان وجود 184 تدريسيا أعضاء في هيئات تحرير مجلات عالمية له دلائل وأحكام مهمة منها:

1- أن البحث العلمي العراقي قد وصلت مستوياته الى مستويات البحوث العالمية الصادرة في أوروبا وأمريكا.

2- ان بعض الباحثين العلميين العراقيين يتولون بالإضافة إلى عضوية هيئات التحرير رئاسة تحرير مجلات عالمية لان المهمتين مرتبطة إلى درجة ما ببعضهما.

3- ان الباحثين العلميين العراقيين لهم من الشهرة العلمية بحيث يمكن وصفهم بقادة بحوث على الصعيد العالمي.

4- إن إصدارات الباحثين العلميين في هذه المجلات العلمية العالمية تقدر بعدة مئات سنويا.

5- ان كل عضو هيئة تحرير يمارس مهمته كاملة ويراجع عددا من البحوث بصورة دورية للمجلة التي هو عضو تحرير فيها.

6- ان يكون لكل عضو تحرير في هذه المجلات العالمية تأثير علمي مهم ينعكس في معامل" ا ج " والذي يقيس درجة إنتاجية وتأثير الأعمال المنشورة من قبل كل عالم او أكاديمي.

تنبيه

ما أريده من الملاحظات اعلاه أن أنبه الوزارة والجامعات الى ضرورة توخي اهمية وتأثيرالخبر قبل نشره، لان وجود 184 تدريسيا في عضوية تحرير مجلات عالمية في الوقت الذي لم يكن قبل عشرة سنوات اكثر من أصابع اليد الواحدة عضوا في تحرير مجلات عالمية على أكثر احتمال يؤكد اننا قد وصلنا مرحلة متفوقة جدا في سلم البحث العلمي، واذا أخذنا بنظر الاعتبار الفترة القصيرة منذ ان بدأ البحث العلمي بالنهوض من كبوته ودخوله مجال المنافسة العالمية، فاننا تبعا لهذه النتائج يعتبر تطورنا اعلى درجة تطور في العالم، وان علمائنا ينتجون أفضل ما هو موجود في الادبيات العلمية العالمية. كما انه من الضروري التحقيق فيما اذا كانت بعض هذه المجلات هي من نوع المجلات الزائفة، إنصافا لبعض التدريسيين العراقيين والذين اعرف جيدا انهم أعضاء في هيئات تحرير مجلات علمية رصينة كالدكتور فؤاد قاسم محمد الذي هو ضمن عضوية تحرير المجلة العالمية: BMC Veterinary Researchوعدد آخر من العلماء القديرين في الجامعات العراقية، ولي رجاء لهم ان يتحفونا بأسماء المجلات العلمية العالمية الحقيقية التي يعملون كأعضاء في هيئاتها العلمية.

لا طريق مختصر للمعرفة

إن تقدم البحث العلمي في أي بلد لا يتطور ويزدهر الا بتوفر ملايين الدولارات لبناء المختبرات الحديثة وتوفير الأجهزة المتطورة والمواد المختبرية، بالإضافة الى تواجد العقول المبدعة، وتفرغها للبحث العلمي في بيئة علمية سليمة، وفي ظل سياسات تحدد الأهداف والأولويات، وتعمل على دمج البحث العلمي الوطني بالبحث العلمي العالمي، مع مراعاة الاهتمام بدراسة مشاكل البلد الاقتصادية والاجتماعية وايجاد الحلول لها. وبالرغم من ان الجامعات تبذل جهدها في سبيل رفع مستوى البحث العلمي لذا فاننا على ثقة من ان نتائج هذا الجهد سيتجلى في زيادة عدد البحوث المنشورة في المجلات العالمية الرائدة، وفي تسجيل براءات الاختراع عالميا، وفي ظهور قادة بحث عالميين معترف بهم لهم عشرات او مئات من البحوث الرائدة في موضوع اختصاصاتهم الدقيقة، ويقدمون مساهمات نوعية ومتميزة. بعد هذا سيجد هؤلاء العلماء الباحثين المجلات العالمية الرصينة والمؤتمرات العالمية واللجان العلمية الدولية مفتوحة لاحتضانهم للاستفادة من خبراتهم وإبداعاتهم. إذ ليس هناك طريق مختصر Short-cutللوصول إلى القمة.

فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ