1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لماذا هذا العدد الهائل من المؤتمرات في الجامعات العراقية؟

محمد الربيعي٦ يونيو ٢٠١٣

يتساءل أ.د. محمد الربيعي عن المؤتمرات التي تعقدها الجامعات العراقية ، وهل أن الباحثين في حاجة الى إعلام زملائهم بمنتجاتهم، أم إنها للترويج لعملهم؟ أم انه تعويض عن عدم تمكنهم من المشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية؟

https://p.dw.com/p/18kvU
صورة من: AP

من الغرابة أن نجد في العراق هذا العدد الهائل من المؤتمرات العلمية الباهظة التكاليف بالمقارنة بالجامعات العالمية التي قلما تعقد مؤتمرات بنفسها، فالمؤتمرات العالمية تعقدها منظمات ومؤسسات وجمعيات مستقلة تستقطب فيها علماء من كل الجامعات ومن كل البلدان، وتحقق في العادة أرباح للمنظمين.

نظرة سريعة إلى إخبار الجامعات في صفحات الوزارة والجامعات الالكترونية نجد ان المؤتمرات العلمية والندوات تأخذ مساحة اكبر بكثير من أخبار مهمة مثل حصول باحث على جائزة علمية، أو تقدير محلي أو عربي أو عالمي، آو أخبار عن تطوير المناهج ووسائل التدريس، أو انجازات الجامعة في تحسين نسب النجاح الواطئة جدا، أو عدد البحوث المنشورة في المجلات العالمية ومستوياتها وتأثيراتها على واقع العلم والتكنولوجيا، وغيرها من الإخبار التي تدل على مدى نجاح الجامعة والتي نادرا ما نقرأ عنها. السؤال الذي لا أجد إجابة عنه هو هل أن عدد المؤتمرات العلمية هو انعكاس لكثرة البحوث العلمية وأهميتها في العراق؟

" نشر المعرفة ليس بالضرورة من اختصاص الجامعات العراقية"

الجامعات العالمية مهتمة بإنتاج المعرفة، أما نشر المعرفة فهو ليس بالضرورة من اختصاصها وتبتعد في العادة عن عقد مؤتمرات علمية متخصصة، لان ذلك يتطلب منها خبرات تنظيمية وإمكانيات مالية قد لا تمتلكهاـ بالإضافة إلى أن عقد مؤتمر من قبل الجامعة قد يفقد المؤتمر استقلاليته العلمية ويضمن هيمنة باحثيها في المؤتمر، مما يفقده احد الأهداف الأساسية من عقد المؤتمرات العلمية ألا وهو توفير الأرضية للاحتكاك بين العلماء من كل حدب وصوب.

لربما لهذه وغيرها من الأسباب تبتعد الجامعات العالمية عن تنظيم المؤتمرات العلمية، خصوصا ان ما هو متوفر منها كثير جدا بحيث أنها أصبحت تعد بالآلاف في هذا الزمان، وكثير منها ما هو زائف وليس غرضه إلا تحقيق الإرباح.

في العراق والدول العربية عامة تعقد الكثير من المؤتمرات ولأغراض متعددة، فمنها ما غرضه سياسي وكل إنفاق عليه يبرر من كونه وسيلة إعلامية تهدف لترويج موقف سياسي وأهداف معينة، وقد تكون أغراضه ابعد من اهتمام المشاركين في المؤتمر ومنها الترويج لأفكار خارج قاعات المؤتمر، وفي اغلب الأحيان لا يدعى لمثل هذه المؤتمرات الا من يتوقع منه الموافقة على المواضيع المطروحة.

" البحوث المعروضة لا تخضع الى عملية انتقاء فاعلة"

المؤتمرات العلمية تختلف لأنها تعقد في سبيل تعريف المشاركين على ما تم التوصل إليه من اكتشافات علمية من قبل المداخلين، وهي قد لاتهم أحدا إلا المشاركين الذين تدفعهم رغبة مشتركة في التعرف على التطورات العلمية في مجال عملهم والاكتشافات العلمية التي توصل إليها منافسوهم في البحث، وقبل ان يتم نشر هذه الأبحاث لاحقا في المجلات العلمية، لذا تعتبر المناقشات العلمية والأسئلة المطروحة بداخل وفي كواليس المؤتمر مهمة جدا في تحقيق التفاعل الإبداعي بين المشاركين، والذي يعتبر في العادة أساسا لنجاح المؤتمر.

في كثير من المؤتمرات العلمية العراقية لا تعطى فترة كافية بين موعد الإعلان عن المؤتمر وموعد عقده، ولا يتم توزيع المداخلات على أساس الأهمية بل في معظم الأحيان توزع على أساس المرتبة الوظيفية، مما يدل على انعدام الجدية والعلمية. وتتميز المؤتمرات العلمية العراقية بتقيدها بأساليب وطرق محددة بعضها غريب على المؤتمرات العالمية، وقد يعود هذا إلى أن تنظيمها غير مستقل عن النظام الإداري للجامعة والدولة، فلا يمكن للمنظمين على سبيل المثال أن يهملوا دعوة المسؤولين من غير الاختصاص، ولا في جلوسهم في الصفوف الأمامية، ولا في إعطائهم فرص التحدث في بداية المؤتمر، بل أن هذا يعتبر من الأمور التي تكسب المؤتمر أهمية كبرى. أما أصحاب الشأن من المشاركين فهم في كثير من الأحيان لا يهتمون بالمساهمات الأخرى ويتركون القاعة فارغة بعد مغادرة المسؤولين إلا من رئاسة الجلسة والمتحدثين فيها، وهم بذلك يتركون انطباعا سيئا عن مدى الاهتمام باكتساب المعرفة والذي هو لابد ان يكون الغرض الأساسي للمشاركة. المؤتمرات المحلية برأي تشجع الإنتاج السيئ لان البحوث الملقاة فيها لا تخضع الى عملية انتقاء فاعلة تعتمد على تقييم عالمي.

" كل المشاركين سواء وكل البحوث والباحثين لهم نفس الدرجة من الأهمية"

ما يبدو لي أن هم الكثير من المشاركين هو إلقاؤه ورقة بحثه العلمي لكي تسجل له كإنتاج علمي لغرض الترقية، وفي هذا إجحاف بالحقوق العلمية لان مشروع إلقاء البحث في مؤتمر ونشره عن طريق المؤتمر لا يعد له أية أهمية كإنتاج علمي، ولا يمكن لهذا البحث من الاعتراف به كإنتاج علمي إلا بعد نشره في مجلة علمية. كما ان المشاركة الشخصية في مؤتمر لها درجات من الأهمية للمشارك، فهناك المدعو الرئيسي والمدعو الأولي والمشارك بإلقاء بحث والمشارك بتقديم بوستر، وهذا الترتيب تهمله معظم المؤتمرات العلمية العراقية والعربية، فكل المشاركين سواء، وكل البحوث والباحثين لهم نفس الدرجة من الأهمية.

ومن الغريب ان تتوصل المؤتمرات الى توصيات عامة كان يمكن كتابتها من دون الحاجة لعقد مؤتمر، وعادة تكون التوصيات الدقيقة والمتعلقة بأهداف المؤتمر والناتجة عن المناقشات الحقيقية التي حصلت داخل المؤتمر ثانوية ولا يعير لها أهمية تذكر بالرغم من أن كل التوصيات تكون عادة عرضة للإهمال بعد نهاية المؤتمر لعدم تشكيل لجنة للمتابعة وتنفيذ القرارات.

المؤتمرات العلمية استمرار لنهج العهد الصدامي: دعاية للنظام

باعتقادي ان المؤتمرات العلمية في الجامعات العراقية هي استمرار لعادة بدأت بالانتشار في العهد البائد، وبالتحديد أيام الحصار الاقتصادي، وكان هدفها غير المعلن هو التباهي بدور المؤسسة الجامعية في التقدم العلمي والتكنولوجي ودعم الاقتصاد العراقي، وفي وقت كان الباحثون العراقيين معزولين عن العالم ولم تكن بحوثهم تتعرض لأي تقييم علمي، لذا كان الإعلام يزخر تلك الأيام بإنباء الاكتشافات "الكبرى" على غرار عقار (بكرين وصدامين) للسرطان، خصوصا في المواضيع التي تثير المواطن العادي كإنتاج الأسلحة والطاقة النووية وعلاج السرطان واكتشاف الأدوية ، وكان هدف البحث العلمي عند الكثير هو لغرض المداهنة والتزلف للحصول على المكافئات والترقيات وكسب رضا القيادة السياسية.

واليوم نعيش في عراق منفتح على العالم وانجازات باحثيه تنشر في المجلات العالمية، والجامعات تعيش حالة وعي لأهمية النوعية في الإنتاج العلمي ولضرورة مقاربة الإنتاج العلمي العالمي واستخدام نفس المعايير العالمية في التقييم فلابد في مثل هذا الوضع ان تهتم الجامعات بالإنتاج الحقيقي المثمر من بحوث علمية بالمستوى العالمي وبنشريات في مجلات عالمية رصينة، وترك الاهتمام بالمؤتمرات الخاصة بكل كلية وبكل قسم وبكل مؤسسة، لأنها لا تعود بفائدة كبيرة تعوض عن الجهد المستثمر فيها.

حلول ومقترحات

بناءً على ما تقدم، أنا أدعو الى ما يلي من المشاريع والفعاليات كبديل لمثل هذه المؤتمرات:

1- إقامة ورشات عمل لتحسين كفاءة الأستاذ والطالب، و تطوير قابليتهم الإبداعية والمهنية.

2- زيادة عدد المبعوثين للمشاركة في مؤتمرات عالمية رصينة.

3- تحسين اسلوب كتابة مشاريع البحث العلمي، وربط أهدافها بالنشر بالمجلات العالمية الكبرى.

4- تشجيع اقامة المؤتمرات العلمية من قبل مؤسسات مستقلة خارج الجامعات وبتمويل من قبل المشاركين عن طريق استحصال أجور المشاركة.

5- التقليل قدر الإمكان من دعوة المسؤولين لافتتاح المؤتمرات، وعدم السماح بحضور المؤتمر من غير المدعوين والمشاركين الذين دفعوا رسوم الاشتراك، والتوقف عن دفع اية مبالغ نقدية الى وسائل الإعلام لتغطية المؤتمر، ورفض اية محاولة لإجراء مقابلة إعلامية داخل قاعة المؤتمر تشوش سير أعماله.

6- مقاومة الرغبات في وضع توصيات عامة شكلية لا علاقة خاصة بأهداف المؤتمر، ولا تتوفر الأرضية الواقعية لتحقيقها في فترة ما بين مؤتمرين.