1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"لن تموتي"، رواية تعلّم على التمسك بالإرادة والتصميم من أجل الحياة

٢٠ نوفمبر ٢٠٠٩

جعلت الكاتبة الألمانية كاترين شميت من بطلة روايتها "لن تموتي" امرأة تحب الحياة. رغم قسوة المرض ورغم المحنة لم تظهر عليها شوائب الكآبة، لأنها باختصار لم تكن تنظر إلى الوراء وإنما إلى الأمام.

https://p.dw.com/p/KboK
الكاتبة الألمانية كاترين شميت مع روايتها "لن تموتي التي حازت على جائزة الكتاب الألمانيصورة من: AP

تلقي رواية "لن تموتي Du stirbst nicht" التي حازت مؤخرا على جائزة الكتاب الألماني، الضوء على حياة امرأة يداهمها نزيف دماغي تصاب على إثره بشلل نصفي وتفقد من بعده الذاكرة وكل ما يتعلق بها من قدرة على الحركة اللغوية والحركة الجسدية.

ومن ميزات الرواية أنها تتسم بملامح كثيرة من السيرة الذاتية كما أقرت كاتبتها كاترين شميت Karthrin Schmidt. وفي هذا الإطار تترك الكاتبة بطلة الرواية هيلينا فيزيندال تتحدث بصيغة الأنا عن آلام المرض والصراع القائم مع مصير اسمه النهاية، حيث أصبحت الكلمات والجسد في حالة جمود. فبعدما تستيقظ من الغيبوبة في المتشفى تدرك أن جسدها لم يعد يصغي لأي أمر من أوامر هذا المخ الذي اعتاد أن يحرك كل أعضاء الجسد. فأصبحت امرأة تدرك ما يدور من حولها وتستطيع أن تفكر فيه، لكنها كانت عاجزة عن التعبير عن ذاتها.


جبروت الإرادة

pz-08.06.2007-gehirn6
رواية "لن تموتي" تروي كيف شُل الجسد بعد تعطّل المخ عن العملصورة من: DW-TV

في روايتها الصادرة عن دار نشر "كيبن هوير & فيتش" في ألمانيا، تتحدث شميت، على لسان بطلتها أيضاً، عن تصميم قوي في استرجاع الحياة الطبيعية كما اعتادتها قبل المرض. وفي النهاية نراها تقاوم الحالة المرضية التي وصلت إليها إلى أن تستعيد كيانها الجسدي. أي أنها استعادت حياتها. وشيئاً فشيئاُ تستعيد الراوية هيلينا فيزندال وعيها. وكلمة بعد كلمة وجملة بعد أخرى تسترجع قدرتها على الكلام، تجمع بتأن قصاصات ذاكرتها إلى أن تراءت لها صورة اللحظة عندما كانت واقفة على شرفة بيتها حيث داهمها صداع قوي كأن أحداً أطلق على رأسها طلقة. وفجأة لم تعد ساقاها تحملانها فوقعت على الأرض وقالت: "سأموت".


الذاكرة أساس الحياة


اللغة التي كانت وعاءً أساسياً لإنجاز هذه الرواية، كانت قد احتضرت مع لحظة النزيف وعادت من جديد بهيكلها القديم. والذاكرة التي هي أساس التواصل مع المحيط هاجرت إلى مكان خفي لتعود رويداً رويداً إلى الحياة الطبيعية. كل هذا كان بمثابة ولادة جديدة لجسد يحمل في طياته سنوات العمر.

رواية "لن تموتي" التي تتحدث أيضاً عن الحالة الاجتماعية للراوية هيلينا فيزندال هي أيضاً رواية محنة مرضية لحالة صعبة، ولكن الكاتبة نجحت في التقاط معالم هذه المحنة جسدياً وروحياً لأنها كانت تسرد لحظات عاشتها لنفسها بين الحياة والموت وكيف استعادت بذلك تركيب ذاتها من جديد، بلغة عميقة ومعبرة تكتب شميت صور وأحداث رافقت حالتها المرضية التي قد يكون كل منّا ضحيتها. وهكذا فإن الراوية تعلمنا كيف لا نفقد الإرادة والتصميم على حب الحياة.

الكاتبة في كلمات:

كاترين شميت كاتبة ألمانية من مواليد عام ألفٍ وتسعمِئةٍ وثمانيةٍ وخمسينْ في مدينةِ غوتا بشرقِ ألمانيا. درسَت عِلمَ النفس الاجتماعي وعَمِلَت كمُعالِجة نفسية للأطفال. حَصَدَت شميت عدَّةَ جوائزْ آخِرُها جائزةُ الكتابِ الألماني عن روايتِها "لن تموتي"، وهي الروايةُ الرابعةُ للكاتبةْ التي أصدرت أيضاً مجموعةً شِعْريةً بعنوانْ"إذهب إلى بِلادونيين".

الكاتب: فؤاد آل عواد

مراجعة: ابراهيم محمد


مقاطع من الرواية ترجمها من الألمانية فؤاد آل عواد:

... صوت ارتطام أدوات السُفرة، فحص درجة حرارة اليد والقدم. هي لا تستطيع فتح عينيها.

ولكنها تسأل ابنتها باللغة الإنجليزية:

"من أين أنتِ؟ هل أنتِ من لندن؟"

الآن تستطيع أن تفتح عيناً واحدةً فقط. أجل، هي تفعل ذلك. ثم تسأل نفسها:

"هذه الصبية التي عمرها أربعة عشر عاماً، سافرت إلى بريطانيا لتتعلم اللغة الإنجليزية، لماذا هي الآن هنا؟"

الصبية تبكي، لسبب ما تبكي. لذلك أرادت أن تتكلم إليها بالإنجليزية ربما تواسيها بذلك. ولكن لا فائدة، لا يسرها شيء قط، يبدو أنها تحمل في دواخلها هماً ما، ولكن أيُّ همٍ يَشْغَلُها؟

من تستطيع هي أن تسأل الآن؟ نظراتها تتوزع بكل اتجاه في الحجرة، هناك بجانب ابنتها يقف زوجها. تناديه بالإنجليزية: "زوجي". وتأمل بذلك سبباً يجعلهم يضحكون. لا شيء من هذا القبيل. ولكن على الأقل يبتسم زوجها. كلما تفرّسَتْ وجهَه أطول، ستجد ابتسامته أكثر غرابة.

ابتسامته معلّقة بين عظمتي الوجنتين كخيارة مالحة مخللة.

تردد بالإنجليزية " كبيس خيار مالح" ومن ثم تسأل: "هل يوجد هذا المصطلح عند الإنجليز؟"

***

مواليد 3/12/1972 وتسكن في مدينة هوكِل هوفِن.

لحظة! هذا ليس تاريخ ميلادها!

لماذا لا تستطيع أن تعبر عن ذلك بصوت عالٍ، كما تريد؟

اللعنة! يجب أن أحاول!

"لا تنفعلي سيدتي، سنأتي الآن إليكِ!"

"من تكلم؟ هل الشاب الواقف هناك؟"

الآن تستطيع أن تفتح كلتا عينيها في نفس الوقت. على الأقل تعتقد هي ذلك.

ربما شيئاً فشيئاً، ولكن من الصعب هذا. كأن شيئاً ما يهمد على الرموش.

الشاب هناك يبتسم. ولكن هذا لا يهدئها حتى ولو قليلاً.

هذه ليست هي! هي أكبر من الصبية بأربعة عشر عاماً. وهي لا تسكن في هوكِل هوفِن.

لا أدري! لا أدري! تتكلم بالإنجليزية من جديد.

الآن يسأل الشاب الرجال ذوي المعاطف الزرقاء.

"لماذا لا تستطيع هي أن تنطق بالجملة كلها؟ يبدو لي أنها تحاول أن تتكلم بالإنجليزية كلما استيقظت بين الحين والآخر".

الرجال يضحكون.

هي تبحث عن امرأة ما. هناك في الخلف، خلف الرجال تقف امرأة، ولكنها تبدو وكأنها مشغولة بعض الشيء.

أحد الرجال ينحني صوبها قائلاً: "هل تستطيعين أن تسمعيني؟"

لن تقول له ما إذا كانت هي تسمعه. تدعه يصرخ كما يشاء.

وتغمض العينين من جديد.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد