1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ليس هناك سجناء فكر وسياسة, ولكن هناك قتلى فكر وسياسة في العراق .. !!

٣ ديسمبر ٢٠٠٩

د كاظم حبيب

https://p.dw.com/p/KpRl

يفتخر بعض المسؤولين الكبار في الحكومة العراقية ويعبر عن ذلك بصوت مرتفع مدعياًً أن ليس هناك سجناء فكر وسياسة في العراق, ولكن هذا البعض لا يتحدث عن القتلى المتزايد عددهم بين الكتاب والصحفيين من النساء والرجال بسبب نشاطهم الفكري والصحفي وبسبب كشفهم لملفات الفساد المالي والإداري أو جرأتهم في عرض جملة الاختلالات الجارية يومياً في مجلس النواب وأجهزة الدولة ونشاط الحكومة أو رئيس الوزراء, أو بسبب النقد الصريح الذي يوجهونه لممارسات الأحزاب والقوى السياسية الإسلامية أو غير الإسلامية لممارساتهم وممارسات مليشياتهم العلنية منها والسرية, أو كاشفاً عن البؤس والفاقة التي يعيش فيها أكثر من ثلث سكان العراق من جهة, والنخبة المتزايدة غنى وتخمة على حساب مال الشعب والبطون الخاوية لنسبة عالية من سكان العراق من جهة أخرى.

أغلب الجرائم التي ارتكبت في العراق ضد الكتاب والصحفيين أو المثقفين بشكل عام لم يتم الكشف عنها حتى الآن, [باستثناء تلك التي وقعت ضد أحد أتباع التيار الصدري], ولم تنشر الحكومة نتائج ما ادعت عن وجود لجان تحقيق بشأن تلك الجرائم. فهل اكتشفت الحكومة من خلال وزارة الداخلية القتلة فعلاً؟ وإذا كان قد حصل ذلك, فلم لم تنشر حتى الآن النتائج لمعرفة القتلة؟ ولِمَ لم يُقدم هؤلاء للمحاكمة؟ هل هم من الوسط الحكومي؟ هل هم من وسط أحزاب سياسية متهمة بامتلاكها ميليشيات مسلحة وطائفية؟ هل هم من إيران أو من سوريا أو من أي بلد آخر؟

حتى الآن قتل من 346 صحفياً عراقياً بصورة غادرة, فهل ننتظر المزيد من القتلى في ظل الأوضاع الراهنة؟

بالأمس مارس عماد العبادي في ندوة عقدت في قناة البغدادية نقداً جريئاً جسدت ثقة بالنفس ووعياً سليماً للأوضاع الراهنة في العراق. وكان النقد موجهاً صوب الحكومة ورئيس مجلس الوزراء نوري المالكي مباشرة مشيراً إلى النواقص الجدية الكبيرة جداً في العملية السياسية وفي أوضاع الناس وعمل الحكومة عموماً. وبعد هذه الندوة بأيام قليلة جرت محاولة لاغتيال الصحفي عماد العبادي شبيهة بتلك التي أودت بحياة الأستاذ الكاتب والفقيد كامل شياع. فمن المسؤول عن هذه المحاولة الجبانة؟

لا أستطيع أن أحدد الجهة التي جاء منها القاتل, فأنا لست محققاً ولا عالم بالغيب, ولكن ما نشر وقيل حتى الآن وما يدور وراء في شوارع العراق وفي الصحافة يشير إلى أن أصابع الاتهام تتجه صوب جهتين, وليس بينهما تنظيم القاعدة أو حزب البعث الصّدامي أو هيئة علماء المسلمين, فالنقد لم يكن موجهاً لهم بل اتجه صوب الحكومة, إلى:

جهتين تعملان في إطار العملية السياسية, وبتعبير أكثر ملموسية صوب قوى مشاركة في السلطة بالارتباط مع الصراع الدائر حالياً بين القوائم الانتخابية في إطار القوى الشيعية, بين البيت الشيعي وحزب الدعوة الشيعي ومن معه:

1. يؤشر البعض, إلى أن القوى المناهضة لقائمة دولة القانون وضمن معسكر القوى الإسلامية السياسية هي الجهة الأولى التي رأت مفيداً اغتياله من أجل توجيه أصابع الاتهام صوب رئيس الوزراء وحزبه بسبب النقد الذي توجه له ولحكومته من قبل هذا الصحفي الجريء عماد العبادي.

2. ويؤشر البعض الآخر إلى أتباع رئيس الوزراء باعتبارهم الجهة المتهمة الذي يفترض أن يتوجه نحوها الاتهام, لأن النقد الشديد والجريء والواضح من الصحفي عماد العبادي كان موجهاً ضد الحكومة وصوب شخص رئيس الوزراء, ولأن هذا النقد قد أغاض هذه الجهة جداً ولم تتحمله وقررت إسكاته وبه يمكن إسكات الآخرين.

ليس فينا من يستطيع أن يقول هذا أو ذاك ولا أن يبعد القوى الإرهابية الأخرى عن الاتهام, إذ يمكن أن يكون في خلفية تفكيرها ما تفكر به الجهة الأولى الواردة في أعلاه.

الوحيد القادر على حسم الأمر هو التحقيق, ولكن السؤأل: من هو المحقق؟ وهل سيصل التحقيق إلى نتائج فعلية؟ وهل ستنشر نتائج التحقيق أم تذهب أدراج الرياح كما ذهبت غيرها من لجان التحقيق التي شكلها رئيس الوزراء أو وزير الداخلية أو القوات الأجنبية؟ قبل عامين قتل ابن أختي السيد احمد جواد هاشم الهاشمي وزوجته وابنته. وكتبت عدة رسائل إلى وزير الداخلية ولم يكلف نفسه هذا الوزير, الذي يترأس الآن قائمة مع أحمد أبو ريشة, حتى الإجابة عن تلك الرسائل, وكأن القتلى الثلاث ليسوا بشراً والمطالب بالتحقيق لا يستوجب حتى إعلامه بالتحقيق, في حين أن الفساد الذي ظهر في أمانة العاصمة يمكن أن يشير إلى القتلة, إذ أن الضحية كان مديراً عاماً في أمانة العاصمة وأحيل إلى التقاعد قبل قتله, وكان قبل ذاك قد أشار إلى الفساد والفاسدين في أمانة العاصمة بناءً على طلب رسمي من لجنة النزاهة, فكان الموت نصيبه ونصيب عائلته!

من هو الذي مارس محاولة الاغتيال بكاتم الصوت؟ ومن هي الجهة السياسية التي وجهت القتلة لتنفيذ ذلك؟ على وزارة الداخلية الكشف عنهما وإعلانه على الملأ.. وإلا فالشكوك والإشاعات ستشمل دائرة أوسع من الدائرة الراهنة لتشمل مسؤولين آخرين أيضاً.

أما مجلس النواب العراقي فلا هم له سوى المزيد من المكاسب الشخصية وإصدار قانون انتخابات غير حر وغير ديمقراطي وغير مدني, أما حرية الصحافة وحرية وحياة الصحفيين, أما القتلى من الكتاب والصحفيين فهي ليست من مهمات مجلس النواب ولا من شؤونه, وإذا تسنى للبعض غير القليل من أعضاء المجلس أن يتخلصوا من أجهزة الإعلام الحرة لفعلوا ذلك. فهو في بنيته الراهنة بعيداً كل البعد عن الديمقراطية وعن وعي أهمية الإعلام ونشاط الصحفيين الحر وعن القبول به أو الاستعداد للدفاع عن الرأي الآخر. إن عدداً كبيراً من أعضاء مجلس النواب لا يحترم الرأي الآخر ولا يحترم الآخر, بل لا يحترم نفسه أيضاً, لأن من لا يحترم الآخر لا يحترم نفسه في آن.

ولكن ماذا على نقابة الصحفيين والصحفيين عمله إزاء هذه العمليات الجبانة؟ ماذا يفترض أن يقوموا به لمنع كتم الأصوات بالقتل أو الفصل أو الطرد والمحاربة بالرزق؟

على نقابة الصحفيين أن لا تكتفي بزيارة رئيس النقابة للمسؤولين وتقديم الاحتجاجات والبيانات على أهمية ذلك, بل يفترض في النقابة والصحفيين أن يحتجوا بالتظاهر والإضراب والكف عن الكتابة والنشر ليوم أو يومين, أن يدعو النقابات الصحفية في الأقطار العربية وفي الإقليم والعالم إلى التضامن مع صحفيي العراق بصيغ مختلفة لمنع الموت الذي يلاحقهم أو منع الرزق عنهم وحرمانهم من العمل بصيغ مختلفة. لنتذكر جميعاً حالة الأستاذين أحمد عبد الحسين وفلاح المشعل!!

علينا كصحفيين مواصلة الكتابة والنشر وفضح كل ما هو سلبي وسيء في البلاد, فهو الطريق الوحيد للمساهمة في بناء عراق حر وديمقراطي في المستقبل.

علينا أن نشير إلى ملاحظة مهمة وخطيرة حقاً, وهي تمس جميع الأحزاب السياسية العراقية وجميع السياسيين العراقيين دون استثناء, وأن كانت بنسب متفاوتة وفق الموقع في الحكومة أو خارجها, إنها الموقف من الكتابات النقدية والكتاب والصحفيين الناقدين للأوضاع والأحزاب والسياسيين في العراق, أولئك الذين يمارسون النقد الجاد والمسؤول والمفيد, فهم معرضون للإساءة من قبل هذا الحزب أو ذاك وهذا السياسي أو ذاك, معرضون للتهديد والوعيد, وحين تكون الأحزاب حاكمة أو تمتلك ميليشيات مسلحة فالرصاصة هي القول الفصل أو التغييب وطرق الخلاص من هؤلاء كثيرة ومتنوعة والخزين العراقي المتراكم في هذا المجال كبير وكبير جداً.