1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ماذا وراء اعتقال الدكتور مظهر محمد صالح؟

كاظم حبيب٢٧ فبراير ٢٠١٤

يرى د كاظم حبيب أن الساسة الثلاثة الذين تولوا رئاسة الحكومة العراقية بعد التغيير عام 2003 ، قد فشلوا في مهمتهم فشلا ذريعا، ما يتطلب اعادة النظر في ترشيح آخرين من الأحزاب الاسلامية والتيارات القومية.

https://p.dw.com/p/1BGGd
Zentralgefängnis Bagdad
صورة من: picture-alliance/dpa

واجه المجتمع العراقي وعلى امتداد تاريخه الطويل وحتى الآن مسلسلاً مليئاً بالأحداث المريرة، مسلسلاً لحكام مارسوا الاستبداد والظلم والتعذيب والقتل بحق الناس الأبرياء وسجلوا أسماؤهم في سجل المناهضين لمصالح الشعب أو سفاحي دمائه واستحقوا لعنته. وكانت غالبية الشعب تتمنى وتتوقع بعد إسقاط الطاغية صدام حسين، باعتباره جلاد الشعب الأول، البدء بتجربة جديدة ووضع حد لوصول شخصيات سياسية تتحول بسرعة غريبة إلى حكام طغاة مستبدين همهم الأول فرض هيمنتهم وسطوتهم على الشعب والتمتع بمعاناته. ولكن خاب ظن الغالبية، وخاصة أولئك الذين كانوا يتوقعون من الولايات المتحدة أن تأتي بالديمقراطية للعراق وأن تفتح للشعب أبواب الحرية على مصراعيها وتمنع وصول مستبد بأمره جديد إلى دست الحكم!

وخلال فترة وجيزة تسلم الحكم ثلاث شخصيات سياسية كانت في صف المعارضة القومية والإسلامية كلها فشلت في حكم البلاد لأنها لم تكن ديمقراطية ولم تع معنى الديمقراطية ومشكلات الشعب وحاجاته، كما لم تأخذ من دروس العراق الغنية وتجاربه زاداً لها في حكم البلاد. وحين وصل الحاكم الثالث، نوري المالكي، إلى رئاسة الوزراء في أعقاب علاوي والجعفري، شعر بأنه جاء ليبقى، ومن ينشأ لديه هذا الشعور يتحول وبسرعة فائقة إلى مصاف المستبدين.

فحاكم العراق الجديد جاء ليبقى، هكذا عبر عن رؤيته للحكم بالعراق، وهو ولا يألوا جهداً للبرهنة على هذا الموقف الراغب في البقاء في السلطة وبأي وسيلة كانت. وحين يكون الأمر على هذه الشاكلة تبدأ التجاوزات الفظة على حقوق الإنسان وحرياته وكرامته وتسود الفوضى ويعم الفساد والإرهاب بالبلاد. فالحكم الراهن والحاكم بأمره لا يملكان الحكمة والمروءة، وكذا الكثير من أطراف المعارضة السياسية التي تشارك الحكم والحاكم بهذه السمات السيئة، وهي المأساة والهزلة التي يعيش الشعب العراقي تحت وطأتهما منذ قرون. فالتخلف والاستبداد يعاد إنتاجهما.

اعتقال الشخصيات الوطنية

كل يوم يسقط عشرات القتلى والجرحى على أيدي الإرهابيين والمليشيات المسلحة وعلى أيدي آخرين يطلق عليهم الشبيحة! بالأمس القريب قتل بدم بارد كامل شياع، ثم هادي المهدي وغيره، وبالأمس اعتدت الشرطة على كرامة الشاعر المميز عبد الزهرة زكي، ثم صدر قرار باعتقال الكاتب والصحفي سرمد الطائي، وقبل ذاك صدر أمر باعتقال الدكتور سنان الشبيبي والدكتور محمد صالح مظهر ومجموعة من موظفي البنك المركزي. ثم أُجبر الحكم على إطلاق سراح البعض، ولكنه أبقى على البعض الآخر, ومن بينهم نساء، في المعتقل. وكان من بين من أطلق سراحه بكفالة الدكتور مظهر محمد صالح بانتظار محاكمته.

الدكتور مظهر محمد صالح واحد من أبرز علماء الاقتصاد والمال بالعراق، وكان نائباً لمحافظ البنك المركزي ويمتلك معرفة نظرية واسعة وعميقة وخبرة عملية كبيرة بالنشاط المالي والمصرفي بالعراق. كما إنه كان أستاذاً جامعياً مرموقاً. وبالعراق نلتقي بعدد كبير من طلبته الذين يحملون اليوم مختلف الشهادات العلمية في علم الاقتصاد.

وحين اعتقل الدكتور مظهر محمد صالح انبرى للدفاع عنه مجموعة كبيرة من اقتصاديات واقتصاديي وحقوقي العراق لأنهم يقدرون فيه جملة من السمات الرفيعة، ومنها:

علميته وثقافته العالية وتميزه في اختصاصه الاقتصادي والمالي؛ خبرته الطويلة وقدرته الإدارية والتنظيمية، نزاهته ونظافة يديه، وطنيته وحرصه على المال العام. وهو يلتقي بهذه الخصائص وغيرها مع زميلنا الدكتور سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي المعزول قسراً. ولهذه السمات تم اعتقاله لأنه ومحافظ البنك المركزي رفضوا تسليم المال العام بيد رئيس السلطة التنفيذية ليتصرف بالمال كما يشاء. لقد تم التجاوز الفظ على قانون البنك المركزي والدستور العراقي.

لماذا اعتقال الدكتور مظهر محمد صالح في مطار بغداد؟

اليوم وصلتنا المعلومة التي تؤكد اعتقال الدكتور مظهر محمد صالح في مطار بغداد بعد عودته من سفرة إلى إقليم كردستان العراق كان يتحرى فيها عن عمل له هناك. حين غادر بغداد إلى الإقليم لم يعتقل، ولكن حين عودته من الإقليم إلى بغداد اعتقل بالمطار. ويبدو واضحاً إن أمر الاعتقال ليس قديماً بل حديثاً، وإلا لكان قد اعتقل أثناء مغادرته بغداد وليس بعد عودته. من يقرأ الصحف العراقية ويستمع إلى نشرات الأخبار والتقارير يمكنه أن يتذكر بأن الدكتور صالح قد صرح بتاريخ 11/2/2014 إلى موقع خندان بما يلي:

"إن لجوء حكومة إقليم كردستان للتعامل بالدولار بدلا من الدينار العراقي يمكن أن يسهم في تجاوز الأزمة المالية الراهنة التي يمر بها إقليم كردستان والمتمثلة بنقص السيولة المالية في المصارف الحكومية في الإقليم والتي نتج عنها تأخر صرف رواتب الموظفين." كما قال بأن "التعامل بالدولار في عموم العراق هو أمر طبيعي، ويمكن لحكومة إقليم كردستان صرف رواتب موظفيها والمستحقات الأخرى المترتبة بذمتها بالدولار الاميركي، في حال امتلاكها الاحتياطي النقدي الكافي من الدولار." (موقع خندان بتاريخ 11/2/2014). كما بين الدكتور صالح "بان التعامل بالدولار أسهل وأفضل وانجح الوسائل للتغلب على المشكلة المالية في إقليم كردستان، شريطة توفر الاحتياطي الكافي من الدولار لدى حكومة إقليم كردستان، مشيرا إلى إن اغلب المدفوعات الضخمة في العراق تدفع بالدولار الاميركي وان غالبية التعاملات التجارية تتم بالدولار الاميركي أيضا، كون المجتمع العراقي يتعامل حاليا بعملتي الدينار والدولار معا." (المصدر السابق نفسه).

"السجن ينتظر مخالفي الحاكم"

هل كانت هذه التصريحات الجدية والواقعية هي السبب وراء هستيريا اعتقال الدكتور مظهر محمد صالح؟ لا أستبعد ذلك، فرئيس وزراء العراق لم يعد يتحمل النقد أو التصريح الذي يعتبره مضاداً له بصدد العلاقة المتوترة الراهنة بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية ببغداد. والحاكم بأمره هو الذي أوقف صرف رواتب الموظفين بالإقليم ليمارس الضغط على حكومتها، كما يريد أن يبرهن للجميع، بمن فيهم أتباعه، بأنه قادر على اعتقال أي إنسان في أي زمان ومكان، ومستعد لتعريضهم للإهانة على أيدي الشرطة والأجهزة القمعية التابعة له، إنه يريد أن يسقي مثقفو العراق مرارة العيش بالعراق بدون كرامة، أو عليهم مغادرة البلاد، وإلا فالسجن هو مكانهم المفضل تماماً كما فعلوا مع الدكتور غسان العطية، الذي بُلّغ من رئيس جهاز المخابرات العراقي وبكل وقاحة، بضرورة مغادرته العراق وإلّا سيعتقل ويرمى في السجن، هكذا صرح الدكتور غسان العطية في ندوة تلفزيونية قبل فترة وجيزة.

إن الدكتور مظهر محمد صالح مطلق سراحه بكفالة ولم يهرب إلى خارج العراق، بل قام بزيارة إلى إقليم كردستان العراق وعاد إلى العاصمة بغداد، فلماذا يتم اعتقاله ثانية ويوضع في سجن المطار؟

إن هذا الإجراء الزجري الظالم والمبيت ضد واحد من أبرز علماء الاقتصاد بالعراق إهانة توجه لكل الاقتصاديين والمثقفين بل ولكل الناس الذين عرفوا في هذا الرجل الوطنية والنزاهة، كما هي في زميله الدكتور سنان الشبيبي الذي أُجبر على البقاء خارج البلاد لكي لا يعتقل ويهان في مطار بغداد. وحين طلب التعهد بعدم اعتقاله حين وصوله إلى مطار بغداد واستعداده الكامل للمثول أمام القضاء العراقي ليواجه ما يتهم به ويدافع عن نفسه وضد الإساءة التي أراد الحاكم بأمره وما يزال توجيهها له ولغيره، لم يمنح ذلك التعهد لأنه لا يريد أن يأتي الشبيبي إلى العراق ثانية.

" ليس من غريب المقادير أن يفتك الأعمى بالبصير"

أورد الصديق والكاتب الساخر الأستاذ خالد القشطيني في مقال ظريف وطريف له مغزى كبير حول حادثة قتل فيها رجل أعمى بصيراً للكاتب المصري الساخر إبراهيم المويلحي ما يلي:

" إذا أصبح الأمي محررا ، و الأعمش مصورا، و أصبح الوزير شاكيا و المغني باكيا ، و أصبح القاضي محتالا و الوصي مغتالا، و أصبح العالم مخرفا و الجاهل مؤلفا، و أصبح الأجنبي مدللا و الوطني مذللا، و أصبح مدير المعارف أعجميا ، و مفتش المدارس عاميا، و أصبح عميد الشيطان يتعبد و يتهجد، و اسلم المسلم خريستو بعد احمد، و أصبح الدعي حسيبا نسيبا ... فليس من غريب المقادير أن يفتك الأعمى بالبصير...!" (خالد القشطيني. إبراهيم المويلحي, جريدة الشرق الأوسط، العدد 1435, 23/2/2014)، وأن يعتقل المالكي الاقتصادي القدير مظهر محمد صالح!

ويختم الأستاذ القشطيني مقالته: "وما أشبه هذه الأيام - يا سادتي الكرام - في شتى ديار الإسلام بالبارحة، لا، بل وقل أسوأ وأغرب وأظلم!(المصدر السابق نفسه) وأضيف باللعنة على الزمن الرديء الذي يعيش فيه الشعب العراقي ويعاني منه الناس الشرفاء.

إني كاقتصادي وكمواطن عراقي أطالب الأخوات والأخوة الأساتذة والطلبة في الجامعات العراقية واتحاد رجال الأعمال واتحاد الصناعات العراقي وغرفة التجارة ونقابة المحامين واتحاد الأدباء والكتاب وأعضاء شبكة الاقتصاديين العراقيين والمثقفين كافة، وكذلك الأحزاب السياسية العراقية ومنظمات المجتمع المدني والناس الطيبين كافة بالوقوف إلى جانب الدكتور مظهر محمد صالح والتضامن معه ضد مغتصبي حريته والساعين إلى إهانة كرامته وتشويه سمعته، والمطالبة بإطلاق سراحه فوراً وإلغاء الدعوى المقامة ضده والمطالبة بتعويضه عما لحق به من أضرار صحية وبالسمعة ومحاسبة كل من تجاوز عليه وعلى قانون البنك المركزي باعتباره هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية. وكذلك إلغاء قرار اعتقال الدكتور سنان الشبيبي وإعادته إلى وظيفته كمحافظ للبنك المركزي ومعه إعادة كل المعتقلين والمفصولين دون وجه حق إلى وظائفهم والاعتذار لهم وتعويضهم.

إننا أمام ضحية، إنه الدكتور مظهر محمد صالح،الذي اعتقل في مطار بغداد ويراد من خلال هذا الإجراء كم أفواه الناس وعدم مقاومة القرارات الخاطئة التي تتخذها السلطة التنفيذية. إننا وبكل براءة نتساءل من المسؤول عن هذا الاعتقال؟