1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مبررات ومخاطر نقل التظاهرات إلى بغداد

مؤيد عبد الستار١٤ فبراير ٢٠١٣

يستعرض د. مؤيد عبد الستار فكرة نقل التظاهرات من الأنبار إلى بغداد، مبينا بالخصوص مخاطر إجراء كهذا على العلمية السياسية برمتها ، ومؤكدا في نفس الوقت ان حق التظاهر مشروع في كل مكان ولكن حسب الظروف.

https://p.dw.com/p/17dqP
صورة من: picture-alliance/dpa

تعالت الأصوات التي تحاول نـقـل المظاهرات المستمرة منذ اكثر من شهر في محافظة الانبار الى بغداد ، رغم ان لا أحد يدعي حرمان حق الجماهير في التظاهر السلمي في بلد تحرر للتو من اتون الدكتاتورية المتخلفة للزمرة الصدامية ، بلد يحاول الانتقال الى مستوى الدول المؤسساتية ، الا ان العجز الكبير لدوائر ومؤسسات الحكومة ، وعدم تلبيتها لمطالب المواطنين سواء من تظاهر أو لم يتظاهر ، وتفشي الفساد ومعاناة المواطنين من شيوع الرشوة وسوء الخدمات ، اسباب كافية ووافية للتظاهر والتي تشيع اليأس لدى المواطنين وتجعلهم ينتفضون على الواقع المزري الذي يجدون انفسهم في شرنقته الخانقة في محاولة للخلاص من جحيم المشكلات التي ورثوها من سنين طويلة من الظلم والتعسف والاهمال والقهر، وزاد عليها الفساد المالي والاداري والتزوير والرشوة الطين بله .

إن اتخاذ قرارات بحجم نقل مظاهرات المدن الى العاصمة بغداد يلحق أشـد الضرر بصدقية المظاهرة ، لان المراد من التظاهر تحقيق الاهداف والمطالب المشروعة بالطرق السلمية ، ما دامت الحكومة مسؤولة عن سلامة المتظاهرين الذين ينظمون تظاهراتهم وفق قواعد الديمقراطية من قبيل استحصال اجازة السماح بالمظاهره في موعد معين واعلان مكانها وخط سيرها ، اما اذا كانت السلطات الامنية ترى خللا في احد الشروط مثل عدم ملائمة موعد التظاهرة او مكانها ، كأن تكون تظاهرة كبيرة والمكان يضيق بها ، فمن حق الحكومة الطلب من المسؤولين عن المظاهرة تغيير مكانها ، او ان يكون موعدها موافقا لمناسبة دينية او سياسية او اجتماعية تخص طائفة معينة ، مثل عيد الاضحى او زيارة دينية او مناسبة حزينة للمسلمين او المسيحيين مثل الجمعة الحزينة وغير ذلك مما يتعارض مع موعد المظاهرة فمن حق الحكومة طلب تغيير موعدها وقس على ذلك.

موانع ومخاطر نقل التظاهرات إلى العاصمة

الأسباب التي تمنع نقل المظاهرات من المحافظات الى العاصمة بغداد هي التالية :

اولا : كثافة السكان في العاصمة ، فبغداد يزيد تعداد سكانها على ربع سكان العراق ، اي نحو سبعة ملايين مواطن ، بغداد مختنقة بسكانها ، وتعاني من مشاكل النظافة والفيضان وغرق شوارعها ، وهو ما لا طاقة لاية حكومة تجاوزه ، هذا اذا اضفنا الى تلك العوامل الفساد المالي والاداري ، فان العاصمة بغداد تعيش كارثة ومأساة لا توصف ، فمن الظلم القاء اعباء اضافية عليها ، بل الواجب يقتضي من المواطنين التخفيف عن كاهلها ومعالجة مشاكلها .

ثانيا : تعد بغداد اكبر مدينة مختلطة في العراق ، يتعايش فيها اتباع اكبر مذهبين مسلمين هما الشيعة والسنة ، اضافة الى المسيحيين والكورد والصابئة ، وقد مرت عليهم صروف الدهر ونوائبه ، وعاث الحكام الظلمة في المدينة فسادا ، ففرقوا المواطنين ، وناصروا طرفا ضد الاخر ، حتى استطاع سكان العاصمة اخيرا تجاوز المحن والتآلف فيما بينهم ، على الاخص اوائل الستينات ، حين توفرت حكومة نزيهة ، مخلصة لشعبها ، حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم ، الا ان عودة الحكام الطائفيين ، منذ تسلم عبد السلام عارف السلطة ، أشاعت الطائفية بشكل حاد ، فشحن المجتمع بمرض الشوفينية ، لذلك نمت بذرة الطائفية وازدادت في عهد الزمرة الصدامية ، فجرت على البلاد الويلات ابان حكمهم وبعد سقوطهم غير المأسوف عليه .

لذلك يعد أي تلاعب بمشاعر المواطنين في العاصمة بغداد ، والعزف على اوتار الطائفية بين السنة والشيعة ، ضرب من اللعب بالنار ، نأمل ان ينتبه اليه العقلاء من ابناء المذهبين ويحاولوا اخماد نار اية فتنة يحاول البعض اشعالها في غفلة من القوم، وما نقل المظاهرات الى هذه المدينة المتأججة الا محاولة لتفجير العنف والاجهاز على السلم الاجتماعي الهش في المدينة النائمة على بارود التناقضات الموروثة.

ثالثا : تسعى بعض دول الجوار الى السيطرة على الساحة العراقية أملا في التحكم بها في المستقبل والاستفادة من ثروات العراق الكبيرة ، وعلى الاخص النفطية ، واخضاع موقعه الجغرافي لاستثماره في خطوط نقل الطاقة والتجارة مع اوربا ، ونهب مياه العراق من جميع الجهات .

لذلك تجد القوى الاقليمية افضل وسيلة هي سياسة فرق تسد ، وهي سياسة معروفة استند عليها الاستعمار البريطاني في السيطرة على مستعمراته واصبحت منهجا معروفا يطبق في كل مكان من اجل السيطرة على الجماهير التي تنصاع الى النزعات البدائية ، سواء أكانت اجتماعية ام دينية ام سياسية . فمن السهل اللجوء الى عامل الدين وتحريك عواطف الانسان البسيط لتجعله يسير وفق ما ترسم اليه دون إعمال عقله ، فيخضع للعوامل الخارجية المضادة لمصلحته وهو سادر في وهم المذهب او العنصر او القومية او الطائفة ... الخ فيسهل قياده لتحقيق مآرب العدو ظنا منه انه يحقق اهدافه المحدودة بعنصريته او بمذهبه او بطائفته .

رابعا : لا مانع ان يحصل التظاهر السلمي في اي مكان ، ولا يحق للحكومة قمعه بالقوة ، ولكن اي تظاهر يكون مضادا لمصلحة المجموع يجب ان يوضع على طاولة المسائلة القانونية من قبل مجلس النواب – البرلمان – كي يصدر فيه حكمه العادل وفق القوانين والقضاء ومصلحة الشعب العليا ، وان لم يستطع مجلس النواب تحقيق مصالح الشعب العليا على رئيس الجمهورية حل مجلس النواب والدعوة الى انتخابات لمجلس نواب جديد ، وفي حالة العراق اليوم فان عمر الدورة المتبقية للمجلس قصيرة ولا تستحق القفز عليها لذلك على الجميع التحلي بالصبر ومعالجة الامور بالحكمة والعقل والعمل على انتخاب مجلس جديد يستطيع كسب ثقة المواطنين والعمل من أجل صالحهم وصالح الوطن .