1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مشاهداتي: مع الراين عكس التيار !

ملهم الملائكة
١٧ يوليو ٢٠١٧

قررت أن أسافر عكس مسار نهر الراين الذي يسافر دائما نحو الشمال، فأخذت مقعدا في اليخت "راين ستار" من محطة خلف ساحة كاتدرائية "الدوم" بمدينة كولونيا متجها الى مدينة لنتز، فكانت قصة بلا رتوش لمشاهداتي.

https://p.dw.com/p/2gcs9
Deutschland Binnenschiffahrt am Rhein
صورة من: DW/M. Al-Schalan

مع الدفء ازدحمت شواطئ الراين بالمتريضين والمتريضات وهم يهرولون بما خفّ من الملابس بحثا عن الرشاقة. الشوق إلى غرين الشواطئ ألهمني أنا أيضاً أن أستكشف النهر الألماني الشهير بطريقتي، فدفعت أربعين يورو واعتليت السلم الذي قادني إلى سطح اليخت، وانتخبت الطابق الأعلى لأستلقي في الشمس النادرة بألمانيا حتى في شهر تموز/ يوليو.

جلستُ قرب زوجين جاوزا الأربعين، وهما يتمددان مستمتعين بشعاع الشمس والسماء الزرقاء وخرير الماء وصوت الموسيقى الذي يصدح قبل بدء الرحلة. لفت نظري أني غير الأوروبي الوحيد في الرحلة، بما يسميه الألمان "آوسلاندر"(أجانب)، وكنت أتوقع صدودا من جاريَّ وهما يريان هذا الأسمر الغريب يشاركهما رحلة كان ركابها فقط من الألمان.

في تمام الساعة الثالثة قرع الربّان جرس الرحيل، ورفع السلم الواصل إلى الرصيف، وشرع اليخت يمخر عباب نهر الراين نازلا باتجاه مدينة لينز. الماء رمادي غير شفيف، وحاولت أن أبدأ حديثا مع جاريّ فسألتهما لماذا لا يصطاد الناس السمك من النهر؟

أجابني الرجل وهو يعدل نظارته السوداء على عينه ليحدق فيّ بعمق دون أن أرى عينيه: الراين ملوّث منذ بدأت الثورة الصناعية، وقد تناقص حجم التلوث، لكنه ما زال مرتفعا بالنسبة لأغلب الاحياء النهرية ويقضي عليها.

Deutschland Binnenschiffahrt am Rhein
حركة الملاحة في مياه الراين كثيفة جداًصورة من: DW/M. Al-Schalan

هل تعني أنّ المصانع تلقي فضلاتها في النهر فتلوثه؟

كان الأمر كذلك حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنّه بات اليوم ممنوعاً بشدة، وفي سبعينات القرن الماضي اطلقت "المفوضية العالمية لحماية نهر الراين" مبادرة لتنظيف النهر، وقد أدت المبادرة إلى عودة أول سمكة سلمون إلى النهر منتصف الثمانينات، لكن درجات التلوث بالنيتروجين ما زالت مرتفعة، والسبب ناجم عن حركة السفن في الراين وهي حركة كثيفة فعلا.

سارعت الشقراء الجميلة التي تجالس الرجل إلى هاتفها المحمول الذي يدعونه بالألمانية"هاندي"، وأظهرت بوستاً نشرته صفحة فيسبوك لراديو بون راين زيغ لسمكة حدباء غريبة الشكل تستلقي نافقة على شاطئ مدينة كونيغزفينتر، وقالت وهي تحاول أن ترسم على وجهها شبه ابتسامة: "بعض الأسماك تظهر هنا، لكنها تظهر نافقة، للأسف"!

ثم استظهرت معلومات فورية عن حركة الملاحة في الراين، وشاركت بهدوء في الحديث قائلة: حسب التقرير اليومي "للهيئة المركزية للملاحة في الراين" فإنّ 400 وسيلة نهرية تمخر الراين في منطقة كولونيا، و300 في منطقة ماينز حيث تقع مدينة لنتز التي نتجه اليها، يومياً. فيما يبلغ حجم النقل السنوي في الراين في هذه المنطقة نزولا من الحدود الهولندية أكثر من 310 مليون طن !

واضافت بجدية دون ابتسام: أيةُ أحياء تعيش في الماء وسط كل المياه المولوثة بالعوادم والنفايات التي تلفظها السفن "ابفال فاسر"؟

Autor und Journalist Mulham Al Maliaka
ملهم الملائكة- كاتب وصحفي عراقي مقيم في ألمانياصورة من: DW/A. Al Khashali

وسكتنا، فبقيت اتأمل المناظر الخلابة على ضفتي الراين الجميل، وهو عصب منطقة الرور الصناعية التي تتوسط ولاية نورد راين فستفاليا الأكبر مساحة والأكثر كثافة سكانية.

دليل الرحلة، يشرح بانتظام المحطات التي يمر عليها اليخت، صاعدا ونازلا في الشرح عموديا مع تطورات التاريخ (الزمان)، ومتمددا أفقيا مع تطورات الجغرافية (المكان)، حتى رسا اليخت الفخم على رصيف مدينة لنتز.

في الخامسة مساء عاد اليخت ليرسو على الرصيف بانتظار نقلنا عائدين إلى مدينة كولونيا، هذه المرة جلست بالقرب من رجلٍ جاوز الخمسين، وحاولت أن أحاوره حول تاريخ الراين، الا أنّه بقي معتصما بالجمل البرقية القصيرة التي تبدأ بأنينٍ قصيرٍ وتنتهي بكلمة "يا" وتعني نعم، أو "ناين " وتعني لا. ففهمت أنّه لا يروم حديثاً مع أيّ أحد مفضّلاً البقاء في وحدته، وتركته لحاله وغرقت بتأملاتي حتى رسا اليخت إلى رصيفه في قلب كولونيا.

 

ملهم الملائكة - كاتب من أصل عراقي يعمل ضمن هيئة تحرير DW

 

*المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي DW