1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

؟هل نقل بوش مكتبه من البيت الابيض الى الكنيسة

٢٨ أغسطس ٢٠٠٨

د.شاكر النابلسي

https://p.dw.com/p/F6dj

لاحظ الكثيرون من المراقبين والمحللين السياسيين أثناء ولاية الرئيس بوش، التي قاربت على الانتهاء بعد ثماني سنوات (2000-2008) حافلة بالأحداث الجسام في تاريخ أمريكا وفي تاريخ العالم، أن الرئيس بوش يكاد أن يكون هو الرئيس الأمريكي الوحيد، الذي نقل مكتبه من البيت الأبيض إلى الكنيسة. وهذه الصورة المجازية تشرح كيف أن الرئيس بوش، كان من أكثر زعماء الغرب ارتباطاً بالكنيسة. كما أن هذه الصورة المجازية تشرح إلى أي حد كانت سياسة بوش في الداخل والخارج، تنبع من منطلق ديني بحت شجعه عليه فريق في أمريكا يطلق عليه "فريق الصلاة الرئاسية"، ويتولى هذا الفريق تثقيف الرئيس بوش دينياً، وإخضاع قراراته السياسية المهمة لتبريرات دينية. كما أن هذه الصورة المجازية تشرح حرص الرئيس بوش على الصلاة في الكنائس كلما زار بلداً في الشرق أو في الغرب، وكان آخرها حرصه على الصلاة في كنيسة المهد في بيت لحم، عندما زار منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، وحرصه كذلك على الصلاة في كنيسة بروتستانتية في بكين، أثناء حضوره فعاليات الأولمبياد.

-2-

لنقرأ بعض المواقف والأقوال، التي نستشف من خلالها منطلق الرئيس بوش الديني المسيحي، في رسم سياسية أمريكا في الداخل والخارج، وبأن هذه المواقف والأقوال، هي من أكثر المواقف والأقوال الدينية المسيحية، التي صدرت عن رئيس أمريكي في السابق. وبأن بوش في هذا، لا يختلف أبداً عن أحمدي نجاد في إيران، من حيث تعصبه وتشدده الديني، ونظرته في اتخاذ قرارات سياسية من منظور ديني بحت. ولكن الفرق بين من يحكم طهران، ويحكم واشنطن، أن واشنطن عاصمة دولة تحكمها المؤسسات الدستورية الديمقراطية، وهي لا تحتاج كثيراً لرئيس يقودها. فالمؤسسات الدستورية الديمقراطية، هي التي تحكمها حكماً فعلياً، حيث لا تأثير كبيراً للرئيس على القرارات السياسية في الداخل والخارج. فأمريكا عبارة عن طائرة بدون طيار. في حين أن إيران يحكمها فرد أو فردان ( المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية). والقرارات السياسية الداخلية والخارجية، يتخذها هذان الفردان أو فرد واحد منهما. ولكن كل هذا لا يعفي من حقيقة تاريخية واضحة، وهي أن جورج دبليو بوش، كان حاكماً مسيحياً متديناً لدولة عَلْمانية. ولكن قرارات هذه الدولة العَلْمانية، لم تتأثر بتدين جورج المسيحي، وذلك بفضل قوة المؤسسات السياسية العَلْمانية، التي تتحكم بالقرار السياسي الداخلي والخارجي، وذلك ما عدا إعطاء الفرصة لليمين الديني المسيحي المتطرف للبروز، وتقوية هذا الجناح في المجتمع الأمريكي على كافة المستويات، وخاصة المستوى الاجتماعي. ومسيحية بوش الدينية والسياسية تتجلّى لنا جليةً واضحةً، من خلال هذه المواقف والأقوال التالية، التي كان يؤمن بها بوش عن قناعة وإيمان تام، ولم يجبره أحد عليها للحفاظ على كرسيه :

1- قول بوش في شرم الشيخ، في أغسطس 2003 : "أنا أقوم بمهمة بأمر من الله، إن ما أقوم به من حرب في أفغانستان ضد الإرهاب هو أمر من الله. لقد أبلغني الله أمراً يقول: جورج اذهب وحارب هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان، فذهبت إلى أفغانستان. ثم أمرني الرب بأن أذهب وأحارب الطغيان في العراق، فذهبت وحاربته".

2- وقول بوش في بنسلفانيا في التاسع من يوليو 2004 : "أنا رئيس ملهم من الرب، وبدون هذا الإلهام لا أستطيع أن أقوم بعملي".

3- "إن كل ما يحدث في هذا العالم من كوارث هو بتدبير من الله. فلا وجود للإنسان، ولا قيام للعالم إلا بالعناية الإلهية" ( من خطاب لبوش، في 14 يونيو 2005).

4- تصريح بوش "أن الحرية المقدسة هي مساواة المسيحي واليهودي والمسلم الأمريكي مع بعضهم بعضاً. فالأمريكيون متساوون إذا آمنوا بالله." (واشنطن، 10 مارس، 2006).

5- قول بوش في مقابلة صحافية في التليفزيون، في رومانيا، في 23 نوفمبر 2002: "حسناً، وأولاً، يجب أن تفهم رأيي في الحرية. فالحرية ليست هبة أمريكية، ولكنها هبة من الله".

6- قول بوش في ويسكونسن في 14 يوليو 2004: " إن الإنسان المتدين لا يقتل الرجال الأبرياء، ولا النساء، ولا الأطفال".

7- تصريح بوش، أثناء حفل الإفطار للمصلين من أمريكا اللاتينية في واشنطن، 16 مايو، 2000: " ليس هناك قوة تساعد على التغيير في أي بلد في العالم، كالعقيدة الدينية".

8- وتصريح بوش في غرب فرجينيا، في الرابع من يوليو، 2007: "إننا نؤمن بقدرة الله. إننا نؤمن بحرية الناس في عبادة الله".

9- وقول بوش في الذكرى الخامسة لكارثة 11 سبتمبر، في البيت الأبيض، في 11 سبتمبر 2006 : "إن الروحانية في الشعب الأمريكي هي مصدر قوة أمريكا. وسنمضي للإيمان بهذه الروحانية وحب الله، الذي وهبنا الحرية".

10- وتصريح بوش في مركز مدينة الشمس، في فلوريدا، في التاسع من مايو، 2006: "كل الكنائس والمعابد في أمريكا حققت أهدافها، والناس من مختلف عقائدهم أدركوا أهمية مساعدة رجال الدين لتحقيق أهدافهم".
11- وتصريح بوش في منهاتن (كنساس) في 23 يونيو، 2006: " أنا أؤمن بقدرة الله. وأنا أؤمن بأن الله قد وهب الرجال والنساء هبة عظيمة، وهي الحرية. والحرية ليس هبة أمريكا للعالم، ولكنها هبة الله للعالم كله، وللناس الذين يريدون التحرر".
12- وتصريح بوش في واشنطن، في 30 نوفمبر، 2000: " إننا شاكرون للحريات التي نتمتع بها. شاكرون لهؤلاء الذين منحوا معنى لحياتنا. وفي شكرنا لهؤلاء نعترف بأن كل ما تحقق لم يكن من صنع الإنسان ولكنه من صنع الله القدير".

-3-

وهناك الكثير الكثير من هذه الأقوال والمواقف للرئيس بوش، التي أدّت بكثير من المعلقين السياسيين والمراقبين - وخاصة كارهو بوش - إلى الحكم على أن بوش قد أصبح رئيساً متديناً ومهووساً. وقد استغل هذه الظاهرة من هم بعض من حوله، وشكلوا في أمريكا ما يُعرف بـ " فريق الصلاة الرئاسية" التي أنشأت لها موقعاً مؤثراً على شبكة الانترنت، وكان شعارها الرئيسي على الانترنت: "ليصلي ملايين الأمريكيين من أجل الرئيس، وقادتنا، وأمتنا وقواتنا المسلحة". وأخيراً دعا هذا الموقع للصلاة من أجل حكمة الرئيس بوش في إدارة الأزمة بين روسيا وجورجيا. وينادي هذا الموقع يومياً من أجل إقامة الصلاة لسعادة الرئيس والسيدة الأمريكية الأولى زوجته.

وهناك مصادر متعددة تتحدث عن "بوش المتدين"، حتى إن مجلة النيوزويك الأمريكية في 11/3/2003، خصصت عدداً لها بعنوان "بوش والرب". وكتب المعلقون الأمريكيون يقولون:

بوش، "يحكم بعقيدته الدينية، وهو أكثر تقليدية بطريقة تفكيره". وأن إدارته "نظام عسكري"، وثقافته "ثقافة التبشير"، كما وصفه ديفيد فرام.

والبيت الأبيض، ربما لا يبتعد عن ذلك كثيراً، حيث "تترنم إدارة بوش بالصلوات دائماً، وتجمعات أداء الصلاة تُعقد ليلاً نهاراً. وليس من المستغرب أن ترى العاملين في البيت الأبيض، وهم يهرعون وبأيديهم الأناجيل"، كما يقول جستين ويب ، مراسل "بي بي سي" في واشنطن.

ويشير بعض المراقبين، إلى أن الهوس الديني الذي أصاب الرئيس بوش منذ سنوات، قد أدى إلى اشتداد ساعد اليمين الديني المتطرف، في أمريكا. كما لاحظوا أن الدعاة الدينيين والبرامج الدينية التجارية قد ازدادت في الفترة الأخيرة، مما قد يؤثر على الحالة الاجتماعية والثقافية الأمريكية الحالية. كما لاحظوا أن نسبة التبرعات التي تذهب للكنيسة في أمريكا قد زادت نسبتها، مما يشير إلى تحولات خفية في المجتمع الأمريكي نحو مزيد من التدين. وستظهر نتيجتها مستقبلاً.

أما في العالم العربي، فقد كانت التهمة واضحة للرئيس بوش، بأنه في سياسته الخارجية نحو الشرق الأوسط، كان رئيساً مسيحياً متعصباً، مما أثار عليه غضب رجال الدين المسلمين، وأبرزهم بيان "مجمع البحوث الإسلامية" التابع للأزهر، الذي اعتبر الغزو على العراق "حربًا صليبية جديدة ضد الإسلام".