1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من هم المعارضون لقيام الدولة الفلسطينية؟

٤ ديسمبر ٢٠٠٩

د. شاكر النابلسي

https://p.dw.com/p/Kqbb

يعتقد بعض المحللين، أن السلطة الفلسطينية في رام الله غير جادة كل الجد في إعلان قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد، وهو الجانب الفلسطيني. وأن ما تمَّ حتى الآن، هو محاولة إحراج "حماس" أمام قياديها، وعناصرها، وجماهيرها، كمخرج لـ "فتح" ولقيادة السلطة الفلسطينية، بعد أن حشرتها حماس بدهاء السوريين السياسي، وأموال الإيرانيين، في الزاوية، وراحت تُفسد عليها خططها، وترفض انتخاباتها التشريعية القادمة، وتُعرض عن مصالحتها في القاهرة، لكي تنال منها ما لم تنله بعد!

ما الذي دفع إلى إعلان الدولة الآن؟

إعلان الدولة الفلسطينية الآن حقٌ واضحٌ وشرعي من حقوق الشعب الفلسطيني، الذي قضى في الشتات القاسي والظالم، أكثر من ستين عاماً إلى الآن، كان بعضهم في المخيمات اللبنانية – مثالاً لا حصراً – سجناء، لا يغادرون المخيمات إلا للضرورة. وحُرموا من حق العمل، والدراسة، والمواطنة عامة، بفضل القبائل الطائفية اللبنانية. وقد لجأت السلطة الفلسطينية إلى نية الإعلان الرسمي للدولة الفلسطينية، بعد أن (غُلِبَ حمارُها) كما يقال. وبعد أن وجد الشعب الفلسطيني، منذ 1948 أن لا أمل في كسب الحرب مع إسرائيل لاسترجاع الأرض السلبية. ولا أمل في الضغط الغربي والأمريكي بصفة خاصة على إسرائيل، لكي تتنازل عن بعض حقوق الفلسطينيين. ولا أمل في الجامعة العربية العرجاء، ولا في الأنظمة العربية الغارقة في (اللهط) والفساد والتسيّب.. الخ.

حلال لإسرائيل وحرام على الفلسطينيين!

دأبت إسرائيل منذ إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948، على أن تعلن عن مشاريعها السياسية بمعزل عن الطرف الآخر الفلسطيني، صاحب الحق المشروع في أرضه ودولته. والمؤسس بن غوريون ضرب الإرادة الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية عُرض الحائط، وأعلن قيام دولته، دون مشورة أو رضا أحد من هؤلاء. وضمُّ الضفة الغربية، وعدم التخلّي عنها بعد حرب 1967، تمَّ من طرف واحد. والانسحاب من غزة وإزالة المستعمرات الإسرائيلية من هناك عام 2005 ، تمَّ من طرف واحد. وبناء سور الفصل العنصري تمَّ من طرف واحد.. الخ. وإسرائيل لم تتخذ أية خطوة سياسية أو عسكرية تجاه الفلسطينيين بمشورة أحد من الإطراف ما عدا أمريكا، التي كان ضوءُها أخضر دائماً، لكل القرارات والخطوات السياسية والعسكرية الإسرائيلية. وكانت شريكة لإسرائيل خلال الستين عاماً الماضية، والشريك الشريف، الحليف، الصادق، والأمين.

لو كان بن غوريون حياً!

إذن، لماذا قامت الدنيا ولم تقعد، عندما أعلنت السلطة الفلسطينية على لسان رئيس وزرائها سلام فياض نية "السلطة الفلسطينية" للذهاب إلى مجلس الأمن لإشهار قيام الدولة الفلسطينية بحدود 1967؛ أي بإلغاء نتائج حرب 1967. وكان على رأس المعارضين والرافضين لهذه الخطوة التي هي بمثابة "الكيّ بالنار"، بعد أن عجزت القيادات الفلسطينية عن إقامة هذه الدولة بالسياسة و(المُسياسة) لإسرائيل، وأمريكا، وللأنظمة العربية كذلك. فمعظم الأنظمة العربية، كانت منذ ستين عاماً، وحتى الآن، رافضة لإنهاء القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإغلاق هذا الملف السميك والمرهق، الذي أصبح بالنسبة لأنظمة عربية كثيرة كـ "قميص عثمان" الملطَّخ بالدماء. ذلك أن شرعية هذه الأنظمة، مستمدة ومتأتية من بقاء القضية الفلسطينية متوهجة دون حل، لكي تبقى هي أنظمة ممانعة ومقاومة، لكل حل واقعي لهذه القضية.

ولو كان بن غوريون حياً، ورئيساً لإسرائيل، لقبل ورحب بهذه الخطوة التي تعني بالخط العريض، الاعتراف التام بدولة إسرائيل على حدود 1967.

هؤلاء هم المعارضون والرافضون

فمن هم إذن المعارضون والرافضون لإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، وهم الذين كانوا معارضين ورافضين منذ أكثر من ستين عاماً. وليس رفضهم الآن جديداً، ولا مستحدثاً.

إنهم هؤلاء:

1- إسرائيل لا تريد حلاً سياسياً، أو عسكرياً، أو اقتصادياً، للقضية الفلسطينية. لذا فهي استعدت منذ أكثر من ستين عاماً لكي تكون قوية سياسياً بانتهاجها النهج السياسي الديمقراطي، الذي نال احترام الغرب عامة. كما أنها استعدت عسكرياً استعداداً استطاعت من خلاله، وطوال أكثر من ستين عاماً، كسب حروبها مع العرب. كما أنها استعدت اقتصادياً، وأصبحت دولة يفوق دخل الفرد السنوي فيها عن 16 ألف دولار، وهو ما لم تحققه أية دولة عربية، ما عدا بعض دول النفط. كما أصبح دخلها القومي ليس من البترول، أو أية مصادر طبيعية – دون عناء- ولكن من علمها، وصناعتها، وتكنولوجيتها المتقدمة، يوازي دخل مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة مجتمعة. وأصبحت تُصدر صناعاتها الإليكترونية المدنية والعسكرية إلى معظم دول العالم، ومنها دول إسلامية كتركيا. ولا شك أن إسرائيل، بنت هذه النهضة الصناعية على حساب الإدعاء بوجود عدو دائم وهو العرب والفلسطينيون، لكي تُبقي الخوف والرعب في قلوب اليهود في فلسطين وخارجها. فبالخوف من الآخر عاشت إسرائيل، وعاش اليهود طوال قرون ممتدة. فليس من صالح إسرائيل أبداً أن يعمَّ السلام في الشرق الأوسط، ويُطوى ملف الصراع العربي – الإسرائيلي.

2- معظم الدول العربية تسعى جاهدة لإبقاء جذوة القضية الفلسطينية مشتعلة، لكي تستطيع من تحت هذا الغطاء، تمرير كافة خططها في البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة، وعدم إجراء أية إصلاحات سياسية، والتمادي في معاقبة ومحاربة المعارضة، والإيغال في نهب المال العام، وتوريث الحكم. فمن المعروف أن شعار معظم الدول العربية الدائم: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" . وهم بذلك يريدون أن يظل صوت المعركة أو البندقية مرتفعاً، فوق كل الأصوات الأخرى من معارضة وإصلاح. ويقول بعض الباحثين، أن إغلاق ملف القضية الفلسطينية بإقامة الدولة الفلسطينية، يعني تفرُّغ الشعب لمحاكمة حكامه فيما اقترفوه من جرائم وسرقات.

3- ليست "حماس" وأخواتها من المليشيات الدينية الفلسطينية المسلحة ضد إقامة الدولة الفلسطينية. بل على العكس من ذلك. فهم يريدون هذه الدولة اليوم قبل الغد. ولكنهم يريدونها دولة دينية تأسيساً لإعادة إحياء الخلافة الإسلامية، حيث تسود تطبيقات شريعة ما قبل خمسة عشر قرناً. فهم لا يريدون دولة فلسطينية علمانية ولكن دولة على غرار ما ينادي به "الإخوان المسلمون" في مصر، وخارج مصر. وهم لا يريدون دولة فلسطينية تقيمها منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها محمود عباس، بل يريدون دولة يقيمها خالد مشعل، أو إسماعيل هنيَّة، أو غيرهما من قيادات "حماس"، حتى لا يقال غداً في التاريخ أن محمود عباس، هو من أقام هذه الدولة. كما أن إقامة هذه الدولة يعني نهاية "حماس" وأخواتها من المقاومين الانتحاريين، ليعودوا خطباء مساجد صلاة الجمعة، كما كانوا سابقاً، قبل حملهم البندقية، وإعلانهم الممانعة. وتشترك في الهم الحماسي والرؤيا الحماسية، كلٌ من سوريا وإيران الداعمتين لـ "حماس" وأخواتها. بل إن هذه الرؤيا هي من كوابيس وأحلام سوريا وإيران.

4- لا شك أن أمريكا تعارض كل ما تعارضه إسرائيل، وتقبل بما تقبل به إسرائيل. وموقف أمريكا هذا – بغض النظر من هو سيّد البيت الأبيض – ثابت منذ 1967، وحتى الآن. فالعرب منذ 1948 لم يستطيعوا سياسياً، وعسكرياً، وصناعياً، أن يحلُّوا محلَّ الحليف الاستراتيجي الأمريكي، وهو إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. وأمريكا تحتاج أشد الحاجة إلى حليف استراتيجي قوي لها في المنطقة. ولعل تمسك أمريكا بإسرائيل كحليف استراتيجي قوي، مرده ليست قوة إسرائيل، ولكن ضعف العرب وتخلفهم.

فهل تستطيع السلطة الفلسطينية تخطي كل هذه الحواجز، والقفز قفزة طويلة نحو إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة من طرف واحد، كما فعلت إسرائيل عام 1948؟