1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من يجد اسما مناسبا لعام 2013 ؟

١٩ ديسمبر ٢٠١٣

لم يؤرخ الناس في العراق حتى أول عقود القرن الماضي لسنواتهم بالأرقام بل بالأحداث. فأطلقوا على كل عام تسمية أبرز حدث فيه. أحداث العراق عام 2013 كثيرة، فأي تسمية سيطلق الناس عليه؟ يتساءل حسن الخفاجي.

https://p.dw.com/p/1AcZr
Irak Überschwemmung in Bagdad
صورة من: Reuters

ترك المجتمع المحافظ بثقافته الشعبية الذي تربى فيه والدي بصماته عليه وعلى أقرانه، لقد كانوا يؤرخون السنوات بأسماء وأحداث غريبة. اخبرنا عن سنة "أم مصران"، كانت تلك السنة سنة مجاعة ضربتهم . أعقبتها سنة "الغركه" وتعني سنة الفيضان وسنة "فرهود اليهود" وسنة "أم زوعه" وفي تلك السنة فتكت الكوليرا بالعراقيين. استمر والدي على سجيته يؤرخ ويؤرشف السنوات وفق قناعاته، مثلما أرخ الشاعر المبدع مظفر النواب "أيام المزبن كضن تكضن يا أيام اللف ".في سنوات عمره الأخيرة أرخ لسنوات صدام، بدأها بسنة "المصلوبين"، كانت تلك السنة التي علق صدام فيها من قال عنهم أنهم جواسيس في ساحة التحرير. تلتها سنوات"الحنطة المسمومة" و "ابو طبر" و"ابو عكسية" وكانت تلك السنة التي لمع فيها نجم المصارع عدنان القيسي. كان والدي متشائما جدا حينما أظهرت لقطات تلفزيونية صدام وهو ممسكا بالمنجل، يشارك الفلاحين حصادهم، بعد انتهاء نشرة الأخبار، التفت والدي صوبنا قائلا: " بس الله يستر من أبو منجل ومن سنواته الجيات، بس لا راح يحصد أرواح الناس"!. كانت تلك نبؤه تحققت. كان ذلك العام آخر سنوات عمره يرحمه الله.

لم يعّمر والدي ليرى سنوات الزيتوني والتسفير والفرهود وسنوات الهروب والحروب و الأمعاء الخاوية والجوع والحصار وسنوات عدي وقصي وووو.

نحن وان امتلكنا ناصية العلم والتقنية والثقافة، لكننا لم نملك الحسجة المؤثرة لنؤرخ ألأحداث مثلما كانوا يفعلون. لم نصل حتما لتسميات تأتي متطابقة مع الحدث وتعطيه بعدا وتأثيرا شعبيا.

لو كان والدي أو اقرأنه أحياء، بما سيسمون سنواتنا هذه ؟.

هل سيسمونها بأسماء أشخاص أو أحداث أو ظواهر اجتماعية ومناخية ؟.

اعتقد أن "روزنامتهم"" الشعبية ستقف عاجزة عن تسمية سنة كاملة بسم شخص أو حدث أو ظاهرة !.

إنها سنوات وأيام وظواهر الفرار من السجون. يقول العارفون بالتاريخ إن التاريخ يعيد نفسه، كان الهاربون من جبهات حروب صدام يسمون شعبيا " الفرارية". فرار جنودنا من جبهات حروب صدام يقابله الآن فرار الإرهابيين من السجون وشتان بين الاثنين.كان الهاربون من جيش صدام وجبهات قتاله يعتمدون على أنفسهم ويضحون بأرواحهم لان فرقا تنفذ إعدامات فورية كانت في الخطوط الخلفية لجبهات القتال. الفارون من سجون حكومتنا الحالية لا يعتمدون على أنفسهم في اغلب حالات الفرار من السجون بل يعتمدون على الرشا وفساد المشرفين والحرس !. لو أن فرق إعدام فورية وضعت بشكل دوري ودائم حول السجون ومراكز الاعتقال لما فكر احد بالهروب، لو أن احد المرتشين المتهمين بتهريب السجناء حوكم وحكم بالإعدام ونفذ لتقلصت حالات الفرار.

كأن السنوات تعيد نفسها. كان صدام وأعضاء القيادة هم السباقون بارتداء البدلات الزيتونية بعدهم تلقفها الرفاق إلى أنأصبحت موضة استمرت لعقود. ساستنا الجدد تخصصوا بلبس "القوط" والأربطة وبعضهم يرتدي الزي الديني. في الآونة الأخيرة عادت إلى الواجهة صور بدلات الرفاق، لكن بلون مختلف .بدل الزيتوني الصدامي صار ارتداء البدلة الزرقاء بشكل دائم علامة للتميز!.. علما أن رئيس وزراء اليابان وطاقمه الوزاري ارتدوا البدلات الزرقاء ليوم واحد، عندما زاروا منطقة فوكشيما بعد الزلزال بيوم واحد. زاروا منطقة المفاعلات النووية وهي في اشد مراحلها خطورة.

لم يصطحب رئيس وزراء اليابان قنوات يابانية رسمية أو طاقم تصوير ليصوروه، بل وزعت صور زياراته وكالات أنباء عالمية. عكسهم فعل ويفعل أصحاب البدلات الزرقاء والقوط من بعض الساسة والبرلمانيين. لقد تركوا شعبنا اعزلا يواجه المفخخات والظروف الجوية القاهرة. لكنهم لم ينسوا التصوير بأوضاع ولقطات مخزيه هدفها ليس خدمة الناس بل دعاية انتخابية رخيصة. أطلق البعض على هذه الظاهرة تسمية "صورني جني ما ادري، أو "صورني واني مغلس " صورني بروح خالك!.

بدل تهريب نفط العراق وبيعه لمصلحة أشخاص مقربين من صدام، صرنا نسمع ونقرأ عن تهريب منظم للنفط والمشتقات النفطية يشترك فيه الكثير من الساسة والبرلمانيين والضباط الكبار، الانكى أن تهريبا يأخذ طابعا رسميا للنفط يسمونه ساسة إقليم كردستان: تصدير نفط باتفاقات رسمية، بينما تقول الحكومة المركزية لا علم لنا بكميات النفط المصدرة ولا بوارداتها!!!. الم اقل لكم إن التاريخ يعيد نفسه. سنة "الغركة" بالفيضان قابلتها سنوات الغرق بمياه الأمطار!. استبدلنا وكلاء أجهزة صدام الأمنية بالمخبر السري، استبدلنا تلفزيون عدي بتلفزيون سعد البزاز، استبدلنا القناة الأولى والثانية من تلفزيون العراق بقناة العراق الفضائية!. بدل ألف أو يزيدون يردحون ويكتبون ويلحنون لصدام، غرقنا بطوفان من المريدين والأتباع الجدد من الكتاب والصحفيين والشعراء وأصحاب الفضائيات والمواقع الالكترونية، الذين لا تستهوي اغلبهم المقالات والقصائد التي تمس أولياء نعمتهم. يعمد بعضهم إلى عدم نشر بعض المقالات ويعمد آخرون على محاربة المقال بشتى الطرق !!!.

اشعر أن مساحة الحرية بدل أن تتسع أمام من يريدون الخير للوطن دون ارتباطهم بسين وصاد من الساسة أصبحت تضيق، أصبح هامش النشر ضيقا ومحصورا. كل واحد ممن ذكرتهم له محرمات لا يجب الاقتراب منها.

كيف سيبنى الوطن، إذا أصبح البعض مدمن تصفيق للحاكم والسياسي وأصبح الآخر مدمن نقد وبحث عن السلبيات دون ذكر الايجابيات!؟.

اللهم إني ابرأ أليك من كل هؤلاء.

لو كان والدي أو أقرانه ممن يجيدون الحسجة احياء.

بماذا سيسمون عام ٢٠١٣ وأيام معدودة تفصلنا عن نهايته؟.

هل سيسمونه سنة الغركة والزلزال؟.

هل سيسمونه عام البدلات الزرقاء؟

هل يسمونه عام الهروب الكبير من السجون، أم سيسمونه عام داعش؟

هل سيسمونه عام المفخخات والانتكاسات الأمنية، أم سيسمونها سنة انقسام القوائم الانتخابية؟.

أم سيسمونها سنوات برقع السياسة بالدين بعدما استخدم ويستخدم بعضهم الشعائر الدينية لأغراض الدعاية الانتخابية ؟.

أم سيسمونه عام التظاهرات والاعتصامات وساحات أطلقوا عليها اسم "ساحة العزة والكرامة" وكأن من يعيش خارج هذه الساحات لا عزة ولا كرامة لديهم. أم أم أم أم؟

اعتقد أن سنواتنا هي سنوات فساد وسرقة ولصوص، وقلة أصحاب الأيادي البيضاء وكثرة أصحاب الأيادي الملوثة بالفساد ودماء الأبرياء.

حتى ننهي بشكل تدريجي كل من ذكرناهم من الفاسدين واللصوص علينا المشاركة بالانتخابات ولو أن التغيير الشامل سوف لن يحصل الآن، لكن عدم المشاركة تلغي حتى التغيير الجزئي الذي ننتظره.

إن لم نشارك بالانتخاب سنعطي الفاشلين واللصوص ضوءا اخضرا للبقاء، أن لم نذهب ونصوت سنظل نؤرخ لسنوات عجاف، حينها ستصبح سنة أم مصران وسنة السيارة البطة وسنين الفرهود و الغركة والهروب والفرار والظلام أهون بكثير مما سيمر على شعبنا، حينها سيأخذنا حنين وشوق جارف لبرلمان أسامة النجيفي وما ضم من عينات!!!

"جلد الحصان الأعرج مضيعة للوقت"

Hassan_alkhafaji_54@yahoo.com


الكاتب: حسن الخفاجي

مراجعة: عباس الخشالي