1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مَنْ الذي لا يريد السلام : سوريا أم إسرائيل؟

٢٧ أغسطس ٢٠٠٩

د شاكر النابلسي

https://p.dw.com/p/JJEZ

-1-

أعلنت إسرائيل مؤخراً أنها لن تعقد مباحثات غير مباشرة مع سوريا عبر الوسيط التركي.

وأعلنت سوريا بالمقابل بأنها لن تعقد مباحثات مباشرة مع إسرائيل.

وبذا، تعتبر المفاوضات بشأن السلام السوري- الإسرائيلي متوقفة مستقبلاً وربما لسنوات أربع قادمة وإلى أن تأتي حكومة عمالية إسرائيلية أخرى أو حكومة من حزب "كاديما". أما حزب "الليكود" والمؤتلفين معه من الأحزاب اليمنية الأخرى فلا أمل بتعديل سياسيتهم تجاه الخطوات الأولى لمباحثات السلام بين سوريا وإسرائيل.

هناك عدة أسئلة تحتاج الى أجوبة عقلانية وهي:

- لماذا نكصت إسرائيل هذا النكوص السياسي الآن؟

- لماذا ترفض إسرائيل المباحثات مع السوريين عبر الوسيط التركي؟

- لماذا ترفض سوريا منذ البداية المباحثات المباشرة، ولذا قبلت بالمباحثات عن طريق الوسيط التركي؟

-2-

في آخر استطلاع للرأي جرى في إسرائيل قبل شهر أو يزيد، كانت نتائج هذا الاستطلاع تقول أن أكثر من خمسين بالمائة من سكان إسرائيل يرحبون بالسلام مع الدول العربية. ولكن أي سلام؟

فإسرائيل لا تريد سلاماً بارداً كالذي تم مع مصر ثم مع الأردن. وإنما تريد سلاماً حقيقياً لا يقتصر على فتح سفارة في شقة معزولة ومكروهة في العواصم العربية.

إسرائيل تريد من خلال اتفاقيات السلام الجديدة مع باقي الدول العربية أن يكون التطبيع شاملاً مستفيدة من تجربتها المريرة بالسلام مع مصر ومع الأردن. أي أن يكون السلام مع الشارع العربي ومع الشعب العربي وليس مع الحكومات أو الأنظمة العربية فقط. وبعض خطوات هذا التطبيع التي من المفروض أن تتم قبل اتفاقيات السلام لكي يكون الجو والفضاء العام العربي مهيئاً ومتقبلاً للسلام، وليس العكس.

أما أهم خطوات التطبيع المطلوبة من قبل الشارع العربي والأنظمة العربية فهي: انسحاب إسرائيل من الراضي المحتلة بعد عام 1967 بموجب مبادرة السلام العربية التي طرحت في القمة العربية في بيروت 2002. والسماح للطيران المدني الإسرائيلي بالطيران في الأجواء العربية واستعمال المطارات العربية. وتبادل الطلبة بين الجامعات الإسرائيلية والعربية. وكذلك تبادل البعثات والندوات والبحوث العلمية. وإقامة تبادل اقتصادي وزراعي وثقافي على أوسع نطاق بين إسرائيل والعالم العربي. وقيام بنوك إسرائيلية في العالم العربي، وقيام بنوك عربية في إسرائيل. وأخيراً، إزالة كافة القيود والسدود والحدود التي تحول دون التطبيع الشامل.

-3-

أما لماذا نكصت إسرائيل هذا النكوص السياسي الآن، بإعلانها أنها لن تقبل المفاوضات غير المباشرة مع سوريا، وأنها ترحب بمفاوضات مباشرة بدون وسطاء ووجهاً لوجه، فلذلك عدة أسباب منها؟

1- بعد مرور أكثر من ستين عاماً على قيام دولة إسرائيل، فلقد شعرت الدولة الإسرائيلية وتأكدت بأنها ليست في حاجة ماسة لسلام العرب بعد التجربتين المريرتين للسلام المنقوص مع مصر والأردن. وخاصة أن العرب يشترطوا – حسب مبادرة السلام العربية في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 – أن يقوم السلام مقابل الأرض. وإسرائيل تعتبر أن ما احتلته في عام 1967 وخاصة الضفة الغربية والقدس والجولان أغلى بكثير من السلام العربي الذي يحتاج إلى عشرات السنين المقبلة لكي يصبح سلاماً واسعاً وشاملاً ونهائياً وواقعياً.

2- إن السلام الذي كانت إسرائيل تنشده من العالم العربي والذي قامت من أجله حروب 1948، 1956، 1967، 1973، 2006، لم يعد بالزخم نفسه وبالأهمية نفسها الذي كان عليها السلام في الخمسينات والستينات والسبعينات كذلك، حيث لم تكن الدولة الإسرائيلية في ذلك الوقت من القوة العسكرية والاقتصادية والصناعية والتعليمية والثقافية التي هي عليها الآن. وها هي إسرائيل تتقدم في مختلف المجالات على كل العرب مجتمعين رغم حالة الحرب الباردة، بينها وبين باقي دول العالم العربي.

3- وأخيراً، لقد رفضت إسرائيل محادثات السلام مع سوريا عبر الوسيط التركي، لأنها لا تريد السلام. ولو وافقت سوريا – وهذا مستبعد – على المحادثات المباشرة للسلام بينها وبين إسرائيل فسوف تضع إسرائيل مستقبلاً أحجار العثرة الكثيرة والمختلفة في طريق السلام مع سوريا الذي سيكون أشد مرارة على إسرائيل من السلام المصري والأردني، لأن سوريا يحكمها حزب قومي متشدد جداً بخصوص السلام مع إسرائيل حتى يظل هذا الحزب محافظاً على صدقيته في الشارع العربي.

-4-

- وجواباً على السؤال الأخير: لماذا ترفض سوريا منذ البداية المباحثات المباشرة، ولذا قبلت بالمباحثات عن طريق الوسيط التركي، فلذلك عدة أسباب منها؟

1- النظام السوري الحالي قائم ويعيش ويبقى سائداً، على ما يُعلنه من مواقف سلبية ممانعة. ومن هذه المواقف موضوع السلام مع إسرائيل. فلقد سبق للراحل حافظ الأسد أن أعلن "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة" وقد أصبح هذا الشعار السياسي العسير شعار الشارع العربي كله. وهو ما أعاق السلام، وحوّله إلى سلام الحبر على الورق، داخل أدراج وملفات حفظ وزارات الخارجية العربية والإسرائيلية على السواء.

2- سوريا الآن لا تريد السلام. أو أنها تريد السلام واسترجاع الجولان بدون ثمن سياسي أو مادي علماً بأن ثمن الجولان يفوق مبلغ الخمسين مليار دولار حسب التقديرات الأولية. وسوريا تعلم بأن إسرائيل تطلب ثمناً مرتفعاً لعودة الجولان لسوريا. فمن يدفع الثمن؟ يقول تسفي بارئيل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جريدة "هآرتس" (10/8/2009) أن إسرائيل عندما انسحبت من غزة وأجْلَت سبعة آلاف يهودياً كانت تكلفة هذا القرار 10 مليارات شيكل(3.7 مليار دولار) وهو ما يوازي نصف الميزانية السنوية للدولة العبرية. وثمن الجولان على هذا الأساس ربما يساوي حجم الميزانية السنوية للدولة العبرية لمدة خمس سنوات أو أكثر. وأمريكا التي دفعت المليارات لإسرائيل مقابل انسحابها من سيناء غير قادرة الآن على دفع المبلغ المطلوب بعد أن استُنزفت خزانتها في أفغانستان والعراق.

3- وأخيراً، فإن التحالف القائم بين سوريا وإيران، وبين سوريا وحزب الله، وبين سوريا وحماس وبقية المليشيات الفلسطينية المقيمة في دمشق يحول بينها وبين المفاوضات المباشرة مع إسرائيل حتى لا تصل إلى نتائج ايجابية بسرعة، ولكي تستطيع التقاط أنفاسها السياسية في هذا الماراثون السياسي المرهق.

وهكذا نرى أن لا إسرائيل ولا سوريا تريدان السلام الغالي الثمن في المحصلة النهائية، ولكنهما ترغبان في السلام المجاني، دون تكلفة تُذكر، وهذا هو المستحيل لكلا الطرفين.

فتكلفة السلام أعلى بكثير من تكلفة الحرب.