1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل انكسرت جرَّة السمن والعسل التركية- الإسرائيلية؟

٢٩ أكتوبر ٢٠٠٩

د شاكر النبلسي

https://p.dw.com/p/KInC

-1-

فتور العلاقات الحميميَّة بين إسرائيل وتركيا، كان الموضوع الرئيسي في الدوائر السياسية العربية خاصة. فقد كان يمكن لأية علاقة بين إسرائيل وأية دولة عربية أو إسلامية أن تفتُر وتضعُف ما عدا تركيا التي كانت تدعم إسرائيل دعماً سياسياً قوياً. والدليل على ذلك، أن تركيا كانت أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل عام 1949، وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي. كما كانت الدولة الإسلامية الوحيدة، التي وقَّعت مع إسرائيل معاهدة عسكرية إستراتيجية عام 1996. ويعترف بهذا الكاتب الإسرائيلي درور زئيفي في مقاله بعنوان: "هل تركيا لاسامية، أم لا إسرائيلية؟" في صحيفة "يديعوت أحرانوت"، 19/10/2009 بقوله: "ينبغي لنا أن نتذكر، بأنه الى جانب كراهية الأجانب، التي كانت قائمة دوماً في تركيا بهذا القدر أو ذاك، فإن تركيا كانت إحدى الدول الوحيدة، التي منحت ملجأً للعلماء والأكاديميين اليهود من ألمانيا، عشية الحرب العالمية الثانية. وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي أعلنت عن نفسها أنها علمانية. وبنبرة شخصية، يمكنني أيضاً أن أُشير- رغم أني قضيت في تركيا شهوراً وسنين - فإني لم ألقَ أبداً أي عداء على خلفية أصلي."

-2-

إن غالبية الإسرائيليين لا تريد أن ترى العداء السياسي يكبر بين تركيا وإسرائيل، لأن مصلحة إسرائيل هي في الصداقة التركية وليس في العداء. وهو ما عبّرت عنه أسرة تحرير جريدة "هآرتس" بقولها تحت عنوان "نزالٌ لا داعي له" في 19/10/2009 : " خلافا للحكمة السياسية، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أنه يتحفظ على استئناف الوساطة التركية بين إسرائيل وسورية، في ضوء السلوك التركي في الآونة الأخيرة. وحسب ما يراه هو، فإن تركيا لا يمكنها بعد اليوم أن تتمتع بلقب ]الوسيط النزيه[. هذا إيضاح مخلول، لا سيما وأن حكومة نتنياهو لا تُبدي اهتماماً في استئناف المفاوضات السلمية مع سورية، مع وسطاء، أو بدونهم. ولكن ضرر تصريحات نتنياهو، هو في حماسة الرد على تركيا، وبالذات على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وكيل الصاع صاعين على كل انتقاد ضد إسرائيل. وهذا نزال زائد لا داعي له وينبغي تهدئته، سواء من جانب الأتراك، أم من جانب إسرائيل."

لقد لعبت تركيا دور الوسيط بين إسرائيل وبعض الدول العربية. وكان آخرها الوساطة التي قامت بها بين إسرائيل وسوريا، إلى أن جاءت حكومة نتنياهو ورفضت المفاوضات غير المباشرة مع سوريا، في حين أن سوريا أصرَّت على هذه الوساطة، خاصة بعد التقارب التركي – السوري، وعدم السماح لإسرائيل – لأول مرة - الاشتراك في المناورات العسكرية السنوية (نسر الأناضول) بين الجيوش الثلاثة: أمريكا وتركيا وإسرائيل. وهو القرار الذي كسر جرة العسل والسمن التركية – الإسرائيلية.

-3-

إذن، فمن حق القارئ العربي أن يتساءل عن سبب هذا التغيُّر والتبدُّل في السياسة التركية نحو إسرائيل بمقدار 180 درجة، بحيث أهملت تركيا معاهدة التحالف الاستراتيجي، واتجهت نحو سوريا، وعقدت معها مثل هذه المعاهدة مؤخراً.

هناك أسباب كثيرة لمثل هذا التحوُّل والتبدُّل منها:

1- كانت تركيا تطمع من وراء اعترافها السريع بدولة إسرائيل، تحقيق عدة أهداف منها، الاستفادة من التقدم التكنولوجي الإسرائيلي، وكذلك الاستفادة من خبرة الجيش الإسرائيلي. ومن المعروف في الدوائر السياسية التركية، أن تركيا انتبهت إلى أهمية إسرائيل السياسية منذ 1948، لذا كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل 1949. وكانت تركيا تطمع فيما بعد، أن تسهل لها إسرائيل الطريق إلى الانضمام الى الوحدة الأوروبية التي قامت عام 1957. وكانت تركيا تسعى منذ ذلك التاريخ إلى الانضمام إليها، رغم كونها دولة إسلامية وشرق أوسطية، ولكنها فشلت حتى الآن. وخاب ظنها بالتالي، في دور الضغط الإسرائيلي على الدول الأوروبية.

2- بعض الخبثاء من المعلقين السياسيين ذوي الاتصالات المُقرَّبة من صُنَّاع القرار في العالم العربية، يقولون أن بعض الدول العربية النفطية، وعدت تركيا بمساعدات مالية واقتصادية وسياسية مهمة، إن هي جمَّدت الاتفاقية العسكرية الإستراتيجية مع إسرائيل، مع الوعد بأن تضغط هذه الدول على أمريكا، لكي تضغط بدورها، على زعماء الدول في الاتحاد الأوروبي، لقبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي. إضافةً، إلى أن تركيا سوف تنال تخفيضاً خاصاً في أسعار البترول الخليجي الذي تستهلكه. وهذا ما أشارت إلي صحيفة "هآرتس"، عندما قالت في 11/10/2009: "إن تركيا لم تعُد معنيةً بالعلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل، وينبغي إعادة النظر في تلك العلاقات."

3- وهؤلاء المعلِّقون، يركِّزون على أن الدول الخليجية في مأزق الآن نتيجة الزحف الشيعي الإيراني، وبحاجة إلى دولة سُنيّة إقليمية قوية في المنطقة كتركيا، لكي تعيد التوازن السُنِّي – الشيعي إلى نصابه العادل، وتقف في وجه التهديدات الإيرانية القائمة الآن. ولعل هذا ما دفع تركيا إلى حرمان إسرائيل هذا العام، من الاشتراك في مناورات "نسر الأناضول" العسكرية، كما هي العادة كل عام. وحيال هذا فقد جُنَّ جنون إسرائيل، التي اتهمت أوساطها تركيا بمعادة السامية، ونادت بمقاطعة المنتجات التركية، ودعوة الحكومة الإسرائيلية إلى خوض حملة لإقناع دول أوروبا بعدم السماح بضم تركيا للاتحاد الأوروبي. وهو جهد ميئوس منه. فإسرائيل التي فشلت خلال نصف قرن مضى في إقناع الدول الأوروبية بقبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوربي، سوف تفشل بالتالي بالضغط عليها، لعدم قبول تركيا في هذا الاتحاد.

4- تريد تركيا مساعدة العرب وخاصة العراق - وهي مساعدة غير فعالة وغير منتظرة – في تهدئة الأكراد، للكف عن المطالبة بالاستقلال عن تركيا، كما يسعى "حزب العمال الكردستاني" بقيادة عبد الله أوجلان، وكذلك بتهدئة الأجواء والتوترات على حدود كردستان العراق – تركيا. وهذا – إن كان ممكناً – لا يتأتى إلا إذا قطعت تركيا علاقاتها، أو خففت من صداقتها الحميمة مع إسرائيل.

5- إن الرضا والقبول الذي أبداه الرئيس أوباما منذ بداية عهده إلى الآن للعرب والمسلمين، والخطابين اللذين ألقاهما أوباما في اسطنبول في 19/5/2009 والخطاب الآخر في جامعة القاهرة 4/6/2009 أشعرا الحكومة التركية أن العرب أصبحوا قريبين ومقربين من البيت الأبيض، أكثر من أي وقت مضى. وهذه خطوات مهمة لتركيا في علاقتها مع أمريكا، وهي علاقة إستراتيجية متينة. وتستطيع أمريكا ممارسة دورها الضاغط على الاتحاد الأوربي لتخفيف الشروط القاسية على تركيا لانضمامها للاتحاد. كذلك فإن أمريكا تحرص كل الحرص كطريق عبور رئيسي للقوات والمعدات الأمريكية المتجهة لأفغانستان الآن. ومع خفض القوات الأمريكية لقواتها في العراق يمكن لقاعدة "انجيرليك" الجوية في جنوب شرق تركيا أن تقوم بدور رئيسي في العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، يقول المعلق الإسرائيلي عوفر شيلح تحت عنوان "الكنز الهائل" في صحيفة "معاريف" في 16/10/2009: "كان من المفترض أن تكون تركيا الجبهة الثانية في عملية الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003 ، ومن المفترض أن تكون عاملاً حاسماً عندما يتقرر شن عملية عسكرية أمريكية ضد إيران في المستقبل. فلدى تركيا مصالح كبيرة في العراق الأمر الذي قد يؤثر على قدرة الولايات المتحدة على تقليص عدد جنودها هناك وتحقيق أي الاستقرار في العراق."

فهل انكسرت فعلاً جرَّة السمن والعسل التركية- الإسرائيلية، وبدأ طنين النحل التركي يُسمع من جديد في الصحراء العربية، حيث لا ماء ولا زهر؟