1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل ستنجح سياسة اوباما مع ايران

٢٦ مارس ٢٠٠٩

د.عبد الخالق حسين

https://p.dw.com/p/HJvB

منذ تسلم الرئيس باراك أوباما منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، راح يبشر بعهد جديد في السياسة الخارجية، تعتمد على الدبلوماسية الناعمة والهادئة بدلاً من سياسة سلفه الرئيس السابق جورج دبليو بوش الخشنة والعصا الغليظة والمواجهات العسكرية. والغرض من هذه السياسة الجديدة هو تحسين صورة أمريكا في العالم، كما يدعون!!

ولكننا أكدنا كما أكد غيرنا مراراً، أن السياسة الأمريكية الخارجية لن تتغير بانتقال الإدارة من حزب إلى آخر، لأن هناك إستراتيجية ثابتة فرضتها المصالح الأمريكية لعشرات السنين، ولا يمكن أن تتغير في الجوهر، بل إذا ما حصل أي تغيير، فهو في الأسلوب والمظهر الخارجي فقط . ومن ضمن ما أعلنه الرئيس أوباما في هذا المضمار، احتمال فتح قنوات الحوار حتى مع طالبان أفغانستان، على أساس تقسيمهم إلى جناح شر وجناح أقل شراً، فيمكن التفاوض مع الجناح الأقل شراً. بطبيعة الحال نعتقد أن هذه السياسية ستبوء بالفشل الذريع.

كما وفتح أوباما عهداً جديداً في سياسته الخارجية مع إيران، حيث استغل مناسبة عيد نوروز والعام الجديد الإيراني، فوجه خطاباً متلفزاً ومترجماً إلى اللغة الفارسية، قدم فيه التهنئة للشعب الإيراني بهذه المناسبة، ومما قال: "إن إدارتي ملتزمة الآن بالدبلوماسية التي تتعامل مع طيف كامل من القضايا الماثلة أمامنا." و"إن إيران أمة ذات حضارة عظيمة، ويجب أن تتبوأ مكانها الصحيح في العالم، ولكن بالسلام وليس بالقوة والإرهاب." كما ودعا أوباما القيادة الإيرانية إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات مع الولايات المتحدة، وقال: "أريد أن أخاطب الشعب والقيادة في إيران مباشرة وأقول لهم نحن نسعى إلى بداية جديدة في العلاقات بين بلدينا".

المهمة المستحيلة Mission impossible
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سينجح أوباما في مهمته هذه وسياسته الودية مع قادة إيران؟ لنرى بماذا أجاب الإيرانيون.

هناك نوع من الترحيب الخجول من قبل مسؤولين من الدرجة الثانية أو الثالثة، كبعض المستشارين لرئيس الجمهورية، ولكن المهم هنا هو موقف المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي أجاب على تصريحات أوباما أنه لا يرى تغييرا في الموقف الأمريكي تجاه إيران، وأكد إن إيران مستعدة للتغيير في حال غيَّر الرئيس الأمريكي موقف بلاده منها.

والتغيير الذي تنشده القيادة الإيرانية من أمريكا هو إيقاف دعمها لإسرائيل والسماح لإيران بالاستمرار في برنامجها النووي دون معارضة من أمريكا أو أي دولة أخرى. علماً بأن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صرح مراراً بإزالة إسرائيل من الخارطة!!

ولذلك أعتقد أن الرئيس الأمريكي تصرف بمنتهى الذكاء في تصريحاته الدبلوماسية الودية إزاء إيران، وأنه يعرف مسبقاً أن هذه الدبلوماسية سوف لن تنجح ولكن تخدمه كثيراً في أخذ إجراءات لاحقة ضد إيران بما فيها شن الحرب عليها إذا ما اقتضت الضرورة. فالغرض الرئيسي من هذه السياسة هو ليس تحسين صورة أمريكا فحسب، بل وأيضاً سحب البساط من تحت أقدام القادة الإيرانيين وتجريدهم من كل عذر، وإظهارهم أما العالم بالتشدد والتطرف، وأنهم عازمون على مواصلة دعم الإرهاب وتهديد أمن إسرائيل، والاستمرار في عملية تخصيب اليورانيوم وصولاً إلى امتلاك السلاح النووي، السياسات التي لن تتخلى عنها إيران ولن ترضاها أمريكا أبداً.

فكما ذكرنا سابقاً، أن إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط هي ثابتة وغير قابلة للتغيير بتغيير الإدارة، وتتلخص بما يلي:
1- ضمان تدفق النفط،
2- ضمان أمن وحماية إسرائيل،
3- ضمان أمن وحماية الدول الصديقة لأمريكا في المنطقة، وبالأخص الدول الخليجية النفطية، والعراق منذ تحريره من الفاشية البعثية،
4- منع أية دولة في المنطقة من امتلاك السلاح النووي (عدا تلك التي تمتلكها الآن مثل إسرائيل وباكستان والهند).
ومن الجانب الآخر، ترفض القيادة الإيرانية، الإستراتيجية الأمريكية هذه جملة وتفصيلاً، وتعمل ضدها، وملتزمة بهذا الرفض أيديولوجياً.

ولذلك فإن الرئيس أوباما تصرف وفق مبدأ أمريكي قديم، سنه الرئيس الأسبق تيودور روزفلت أوائل القرن العشرين، بقوله: " تحدث بنعومة واحمل عصاً غليظة." وهذا ما يفعله أوباما بالضبط. وعلى هذا الأساس اتفق مع ما قاله الأستاذ عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط: "أن نعومة أوباما هي أخطر من شراسة بوش." لأن بوش كان صريحاً و(قلبه على لسانه)، كما يقول المثل العربي. فرغم تصريحاته الشرسة ضد إيران حيث وضعها مع سوريا وكوريا الشمالية ضمن قائمة دول (محور الشر) إلا إن الرئيس بوش لم يقم بأي عمل عسكري ضد إيران، بل منع إسرائيل من توجيه ضربة جوية للمؤسسات النووية الإيرانية كما عملت ضد المفاعل النووي في العراق عام 1981.

وعليه أعتقد أن أوباما أطلق تصريحاته الودية هذه اتجاه إيران لأغراض سياسية تخدمه كثيراً في المستقبل القريب، حيث يكسب بها الرأي العام الأمريكي والعالمي على حد سواء في تهيئة الأجواء لأية حملة عسكرية قادمة يوجهها لإيران عند الضرورة، ليقول للشعب الأمريكي وللعالم، أنه بذل كل ما في وسعه لإقناع القيادة الإيرانية إلى التعايش السلمي مع العالم، إلا إن هذه القيادة رفضت ذلك، فماذا عسانا أن نعمل إذا كانت إيران تهدد مصالحنا وأمن وسلامة أصدقائنا في المنطقة ولن تجدِ معها الوسائل الدبلوماسية؟

ومن هنا نرى أن أوباما لا يقل شراسة عن سلفه الرئيس بوش (الابن) في التعامل مع إيران أو مع الإرهاب العالمي الذي تقوده القاعدة وطالبان إلا في المظهر وأسلوب التعبير. فالمحرك الرئيسي وراء سياسة أي رئيس أمريكي هو المصالح الأمريكية الدائمة.

الخطر الباكستاني
والخطر الأكبر الذي يقلق أوباما والعالم الآن هو قادم من تردي الوضع الأمني في باكستان وتصاعد حركة طالبان فيها حيث ظهر ذلك بكل جلاء عندما تنازلت الحكومة الباكستانية وهي صاغرة، للمتشددين الإسلاميين (طالبان باكستان) بفرض حكم الشريعة في المناطق القبلية الباكستانية المحاذية للأقاليم الأفغانية الجنوبية، وتحديدا في إقليمي وزيرستان ووادي سوات، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن وفرض النقاب عليهن، ومنع تعليم البنات. كما وتفيد الأنباء عن قيام طالبان باكستان بهدم أكثر من مائتي مدرسة حكومية في الآونة الأخيرة (برنامج على القناة الرابعة البريطانية). فإذا ما انهارت حكومة باكستان وهي دولة نووية، وسيطرت منظمة طالبان عليها، فهذا يعني انتقال السلاح النووي إلى أيدي الإرهاب الإسلامي، وعندئذِ سنقرأ على الأمن العالمي السلام. وهذا ما لم ولن ولا تسمح به أمريكا أن تحدث وتحت أي رئيس كان.

ومن كل ما تقدم، نستنتج، أن أمام أوباما مسؤوليات صعبة جداً، وسوف تثبت الأيام القريبة القادمة أن سياسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش كانت صحيحة ولم يكن منها بد، وأن أوباما مضطر لتبنيها، والفرق بين أوباما وبوش هو في التعبير فقط، أي التحدث بنعومة واستخدام العصا الغليظة.