1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العراق ـ تحرير الطيور يجلب الحظ السعيد

٢٣ فبراير ٢٠١٢

مهنة غريبة قد لا تخطر على بال وجدها طفل عراقي لم يتجاوز عمره ثلاثة عشر ربيعا. يصطاد طيورا ويبيعها كي يحررها من جديد. قد لا يبدو الأمر مفهوما للوهلة الأولى لكن حين يتعمق المرء في الأمر تنكشف أمامه الحقيقة. تقرير من كركوك.

https://p.dw.com/p/148Hw
صورة من: DW/Munaf Al-saidy

من بين زحام المارة في سوق "القلعة" الشعبية بمحافظة كركوك شمال العراق يتناهي صوت أيمن شكر محمد: "اشتري حريته بألف دينار". تنتاب المارة والمتسوقين الدهشة وتساؤلات عن مصدر الصوت وما هي تلك البضاعة التي يروج لها الطفل صاحب المهنة الغريبة بأعلى صوته. وفي إحدى زوايا السوق يقف أيمن قرب أقفاص سجيناته من الطيور، اللواتي يعاملهن بمنتهى الرفق.

أيمن شكر محمد، طفل عراقي دفعته الحاجة وفقر الحال إلى ابتكار طريقة معينة تكاد لا تخطر على بال من أجل كسب قوت عائلته اليومي ومجاراة غلاء المعيشة المتزايد في العراق. أيمن يقوم باصطياد "الزرازير"، وهي من الطيور المهاجرة شتاء من موطنها الأصلي في روسيا إلى العراق، ومن ثم يبيعها بطريقة غريبة تقوم على أساس تحرير تلك الطيور من أقفاصها مقابل مبلغ مادي زهيد.

وحسب طريقة أيمن ينص العقد الشفهي بينه وبين المشتري على تحرير الطيور التي تم شراؤها منه وإطلاقها أمام ناظريه من دون أخذها أو حبسها داخل أقفاص مشتريها. و"الزرازير" الصغيرة ذات اللون الأسود والمنقار الطويل هي نوع من الطيور المهاجرة إلى العراق هرباً من برد الشتاء الروسي لتقضيه مقتاتة على الحشرات والفاكهة.

مهنة موسمية لا تخلو من الصعاب

Irak Vogelfreiheit
مهنة غريبة لكنها ليست سهلة، همذا يقول الطفل أيمن شكر محمدصورة من: DW/Munaf Al-saidy

يقول أيمن في حوار مع DW عربية: "تقصد هذه الطيور، أي الزرازير، إلى المدينة في موسم الشتاء وأقوم باصطيادها ثم بيعها"، مشيراً إلى أن هناك إقبالاً جيداً على بضاعته. ويضيف أيمن، بعد أن نجح في إقناع زبون له بتحرير الطائر، بأنه اتجه نحو هذا العمل "من أجل كسب معيشتي ومعيشة عائلتي اليومية، ومساندتهم في سداد نفقاتي المدرسية"، إذ لا يزال تلميذاً في المرحلة المتوسطة.

وعن كيفية اصطياد تلك الطيور يقول أيمن: "أقوم باصطيادها فجراً عند القرى المجاورة لجبال حمرين في كركوك، بآلة اصنعها بيدي تعرف باسم "الشناطة" وهي أداة مصنوعة من الخيوط القوية. مستطرداً بالقول طريقة صيدي تتم بوضع القمح أو الرز على الأرض بالقرب من "الشناطة" وحين يمر الطائر على هذه الخيوط يقع في الفخ و"أسرع بإمساكه لكي أضعه بأحد الأقفاص، واتجه بها منذ الصباح الباكر إلى السوق لبيعها"، منوهاً إلى أنه يصطاد يومياً نحو 20 طائراً منها.

ومن أجل ألا يتكرر وقوع الطائر نفسه ضحية لسلب حريته مرة أخرى ـ ولو لوقت محدد- يقوم أيمن بصبغ ريشة الطائر اليمنى بنقطة لونية حمراء "تميزها عن اقرأنها"، آملاً في أن يشاهدها ذات يوم من قام بإطلاق سراحه.

مع تحرير كل طائر أمنية

كولستان قادر بيروت، وهي إحدى زبائن سوق "القلعة" في كركوك، تقبل على شراء وتحرير ما اصطادته يدا "الصياد الصغير" في الأقفاص الحديدية بين فترة وأخرى من أجل تحقيق أمنيتها المتمثلة بعدم إرجاع ولدها الذي نفذت إقامته في ألمانيا ومحاولة السلطات الألمانية لإرجاعه إلى بلده. وتضيف قائلة: "أقبل على هذه السوق بين فترة وأخرى من أجل تحرير بعض الطيور من قفص هذا الصياد لتحقيق أمنيتي في بقاء ابني في ألمانيا".

Irak Vogelfreiheit
تطلق الطير بعد شرائه ظنا منها أن ذلك سيحقق أمنيتهاصورة من: DW/Munaf Al-saidy

وبينما تنشغل الزبونة بتحرير هذه الطيور من قفص سجانها تضيف بيروت (57عاماً) في حوار مع حوار مع DW عربية: "أتمنى أن تتحقق أمنيتي بعد أن عتقت رقبة هذه الطيور واعدت لها حريتها من جديد"، وتكمل مستطردة: "أرى بأنها طريقة جديدة وغريبة لكسب الرزق وذلك لما يروج له الفتى بكلماته التي تحمل شيئاً من الشفقة على هذه الطيور التي حبست في أقفاصه" على حد قولها.

تحرير الطيور يجلب الحظ السعيد

أميرة عبد الرزاق علي، زبونة أخرى دفعها حب عمل الخير والشفقة على تحرير ما احتوته أقفاص الصياد الصغير من تلك الطيور. تقول علي في حوار مع حوار مع DW عربية: "أجد متعة كبيرة بما أقوم به من عمل الخير من خلال شراء هذه الطيور وإطلاق سراحها من القفص، وذلك لإيماني الكبير بأنه عند إعادة تحريرها ستجلب الحظ السعيد والأوفر لمن قام بذلك".

وتضيف علي (50عاماً) والتي فضلت تحرير طائرين "سمعت بهذه البضاعة التي روج لها الفتى وقررت أن اشتري حرية طائرين من هذا القفص لأطلق سراحهما". وتردف قائلة: "طريقة شراء تلك الطيور غريبة جداً، فهي أشبه بمن يفرج عن سجين أو متهم بكفالة نقدية قدرها ألف دينار عراقي (نحو 80 سنتاً أمريكياً)".

يذكر أن هذه النوع من الطيور، أي الزرازير، هي من الطيور المهاجرة التي تأتي إلى العراق، في فصل الشتاء لاجئة إليه فراراً من البرد القارس قادمةً من دول الاتحاد السوفيتي السابق، وبالتحديد من غابات سيبيريا شمال روسيا والتي تنعدم فيها الحياة تقريباً أيام الشتاء بسب الثلوج الكثيفة التي تغمرها.

مناف الساعدي ـ كركوك

مراجعة: احمد حسو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد