1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بيوت العجزة والمسنين بين برغماتية الغرب وعاطفية الشرق

٣٠ ديسمبر ٢٠٠٥

تعتبر ظاهرة إرسال الوالدين إلى بيوت العجزة إحدى أكثر القضايا حساسية في العالم العربي، الا أن مصاعب الحياة تفرض إيجاد حلول عملية للمسألة. هل يمكن الاستفادة من تجربة العالم الغربي أم انه نموذج غير صالح لمجتمعاتنا؟

https://p.dw.com/p/7iYF
المجتمع الهرم يطرح أعباء اجتماعية اضافيةصورة من: Bilderbox

يحظى الآباء والأمهات في البلدان العربية بعناية كبيرة من أبناءهم، خصوصاً بعد بلوغهم مرحلة العجز أو الشيخوخة، ويُحسد هؤلاء الآباء على هذه الرعاية والاحترام التي يعتبرها أبنائهم بمثابة شرف لهم، فهم على يقين بأنه لولا عناية واهتمام والديهم بهم لما سنحت لهم فرصة العيش والاستمتاع بسبل الحياة المختلفة من تعليم وعمل وحياة زوجية واستقرار. ومن هذا المنطلق يأتي مفهوم ردّ الجميل للآباء في العقلية العربية، فهل يعود هذا إلى اعتقاد عربي قديم يقول"ما تقدمه اليوم لآبائك تراه غداً من أبنائك"؟. أمّا على صعيد البلدان الغربية فالأمر على العكس تماماً حيث يرى معظم الأبناء في تلك الدول انه من الأسلم اجتماعيا وصحياً للآباء تسليمهم إلى مصحّات العناية بكبار السنّ والعجزة. ويعلّل الأبناء ذلك أيضا بانشغالهم بالعمل اليومي لساعات طويلة، فهل يعوق العمل اهتمامهم بوالديهم، أم أن الاهتمام بهم هو ما يعوق العمل؟

أطيب اللحم ما اختلط بالعظم!

Mutter und Kind
حنان الامومة نعمة لا يمكن أن تقدر بثمنصورة من: AP

هذا المثل العربي إنما يوحي بأن قرب اللحم من العظم يضفي علية طعما طيبا ونكهة مميزة، تماما كقرب الطفل من أمه وقرب الام من طفلها يزيد من الحنان المتبادل والعلاقة المتميزة . من المعروف أن الأواصر الأسرية في العالم العربي متماسكة إلى حد أكبر بكثير من مثيلاتها في العالم الغربي، الذي اتجهت فيه المرأة بشكل واسع للعمل وترك أبناءها في الحضانة أو عند مربية خاصة. هذا الأمر موجود أيضا عند بعض الأسر في العالم العربي، ولكن بنسبة أقل بكثير عنه في المجتمعات الصناعية المتقدمة. ربما تنعكس نتائج عدم إعطاء الوالدين أبناءهم الوقت الكافي في الصغر على علاقة هؤلاء الأبناء بوالديهم في الكبر، مع الإشارة هنا إلى أن الأم تبقى أما وظاهرة الأمومة لا تنطبق على أم دون غيرها، لكن الفرق في الظروف المصاحبة للقيام بواجبات الأمومة على العلاقات الأسرية. حتى داخل المجتمع الواحد نجد أن هناك فرقا واضحا في طبيعة وحرارة علاقة أعضاء الأسرة التي تسكن في المدينة عن تلك القاطنة في الريف.

دور للعوامل الديموغرافية

Rentner protestieren gegen eine mögliche Kürzung ihrer Rente
تناقص أعداد المواليد في الغرب يطرح مشكلة ديمغرافية حقيقيةصورة من: AP

تشكل ظاهرة انخفاض نسبة المواليد في المجتمعات الصناعية الغربية مشكلة حقيقية لما لذلك من تداعيات سلبية على أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. فأجيال اليوم العاملة هي التي تقوم بدفع الرواتب التقاعدية لكبار السن، وأن قل عدد هؤلاء العاملين فان صناديق الضمان ستعاني من مشكلة نقص الأموال، الأمر الذي ينعكس سلبا على الوضع المالي لكبار السن. هذه المشكلة غير موجودة في العالم العربي، حيث نسبة المواليد مرتفعة جدا. في مصر مثلا لا تزيد نسبة كبار السن عن 6.3 بالمئة بينما تبلغ النسبة في ألمانيا 25 بالمئة. ولعل الشائع في العالم العربي أن تعتني الإناث بكبار السن أكثر من الذكور، ولذلك فان الحظ لم يكن إلى جانب اؤلئك الذين لا يملكون إلا ذكورا. عامل آخر يلعب دورا هاما وهو العدد الكبير لأفراد الأسرة العربية، الأمر الذي يسمح بتوزيع الأعباء على الأبناء، بعكس الحال في الأسرة الغربية التي لا يزيد عدد أطفالها الا نادرا عن اثنين وفي غال الأحيان طفل واحد.

بيوت العجزة في العالم العربي

Arabische Zeitungsleser in Jerusalem
هل تشكل بيوت العجزة المريحة بديلا عن الجلوس في الشوارع؟صورة من: dpa Bilderdienste

بالرغم من عدد سكان مصر الكبير الذي يزيد عن 70 مليون نسمة لا يوجد فيها الا 20 بيتا للعجزة معظمها مملوكة من قبل الحكومة. ويوجد أيضا عدد محدود من بيوت العجزة المملوكة من قبل القطاع الخاص في القاهرة والإسكندرية حيث يتوجب على كل شخص دفع رسوم شهرية تبلغ 500 يورو تقريبا، إلا أن عدد الأشخاص القادرين على دفع مثل هذا المبلغ الشهري قليل جدا. أما في سوريا فقد أخدت مسألة بيوت العجزة منحى آخر. فنظرا للخدمات المميزة والمستوى العالي لبيوت المسنين هناك، يفضل العدد الأكبر من المسنين العيش في هذه البيوت والتمتع بالهدوء والراحة على العيش في عائلة كبيرة يتصايح فيه الصغار والكبار كل ساعة وحين. هذا الأمر غير ممكن في الأردن، فمجرد الحديث عن إرسال الوالدين الى بيوت العجزة يعد من المحرمات. وبسبب إقبال المرأة الأردنية على العمل في السنوات الأخيرة، برزت مشكلة حقيقة تتمثل في الاعتناء بكبار السن، وما زال المجتمع يجاهد من اجل إيجاد حل مقبول لها. هذه المشكلة غير موجودة في السعودية، حيث تلتزم المرأة بيتها وتجد بذلك الوقت الكافي للعناية بوالديها أو والدي زوجها. ولذلك لا يوجد في كافة البلاد الا 10 بيوت للعجزة يعيش فيها مسنون لا يملكون عائلة على الإطلاق. وتتحمل الدولة مصاريف هذه البيوت بالكامل.

Gerda Lott Senioren Universität in Leipzig
جامعة للمسنين في لايبزجصورة من: dpa Zentralbild

نماذج مختلفة للعناية بكبار السن من آباءنا وأمهاتنا: نموذج يأخذ تطور المجتمعات اقتصاديا ومدنيا بشكل يجعل جلوس المرأة عاطلة عن العمل من أجل رعاية الأطفال وكبار السن أمرا غير مجد اقتصاديا على الإطلاق، ونموذج آخر يرى أن الاهتمام بالأطفال وتوفير كافة الوقت لهم إنما هو نوع من الاستثمار الأسري الذي يمكن أن تأتي أكله في الكبر. يبقى علينا القول أنه لا يمكن لإنسان أن ينصح إنسانا آخر بهذا النموذج أو ذاك، ذلك أن الأمر مرتبط بعوامل وجدانية وعاطفية متفاوتة من فرد لفرد حتى داخل الأسرة الواحدة.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد