1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحديات البشرية في القرن الحادي والعشرين من منظورين مختلفين

دويتشه فيله٣١ مارس ٢٠٠٦

في الوقت الذي تعاني فيه الدول النامية من زيادة عدد المواليد وبالتالي من نقص الموارد وتفاقم الجوع، تعاني الدول الصناعية من تراجع الولادات وما لذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية. قد يبدو الحل بسيطا، لكن القضية أعقد بكثير

https://p.dw.com/p/8BKb
الاجيال القادمة عماد التقدم والرقي على الكرة الارضيةصورة من: AP

كان اهتمام العلماء ورجال السياسة منصبا منذ فترة طويلة على مواجهة الآثار المترتبة على الارتفاع المضطرد في أعداد سكان الكرة الأرضية. فالتوقعات تشير إلى أن عدد سكان الأرض سيتضاعف بحلول عام 2050 ليصل إلى تسع مليارات نسمة. كما يتوقع العلماء أن 97 بالمائة من هذه الزيادة ستكون من نصيب دول العالم الثالث التي تعاني أصلا من الفقر ومشاكل سوء التغذية. ووفقا لإحصائيات منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) فان 850 مليون نسمة لا يملكون اليوم ما يكفي لسد احتياجاتهم اليومية من الغذاء، كما أن عشرات الآلاف منهم تقضي يوميا بسبب الفقر. الأسباب الكامنة وراء هذه المأساة البشرية لا يمكن حصرها في الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وغيرها، بل أن سياسات اقتصادية واجتماعية خاطئة واستشراء الفساد السياسي والإداري في عدد كبير من الأنظمة السياسية الحاكمة تعتبر الأسباب الرئيسية لذلك. منظمة الفاو حذرت قبل عشرين عاما، ولازالت تحذر في كل تقاريرها السنوية من أن المشكلة لا تتعلق بنقص الموارد والغذاء بقدر ما هي مشكلة غياب الإرادة السياسية الضرورية لمعالجة المشاكل في حينها وتقديم الحلول المناسبة. الأمين العام للمنظمة الألمانية مكافحة الفقر العالمي، هانز يواخيم بويس، علق في حديث مع دويتشه فيله على هذه الإشكالية قائلاً: "الفقر هو السبب الرئيس للجوع. حقيقة وجود عدد كبير من البشر لا يتمكن من الحصول على قوته اليومي ولا يعرف كيف سيتدبر أمره غدا، تعود بالدرجة الأولى إلى الأحوال المعيشية السيئة التي يعاني منها، وهذا ينطبق تحديدا على الدول الأفريقية."

توفر الإرادة السياسية مفتاح الحل

Protest in Edinburgh
الحديث عن الفقر لا يكفي لسد حاجة الجائعينصورة من: AP

لا يتجاوز الدخل اليومي لنصف سكان العالم أكثر من دولارين وعلى خمسهم أن يتدبر أمره بدولار واحد فقط في اليوم. هنا نتحدث عن أولئك الذين يخلدون إلى النوم جياعا، أولئك الذي تناولوا غذاءً لا يوفر لهم الحد الأدنى من العناصر الغذائية الضرورية للجسم، الأمر الذي يسبب أمراض سوء تغذية مزمنة. ومن الملاحظ في هذا السياق أن الدول التي تمارس سياسات اقتصادية ناجحة وتوفر فرص عمل بدخول معقولة لمواطنيها، تمكنت من الحد من مشاكل الفقر بشكل ملحوظ، في حين لم تتمكن الأنظمة الشمولية الديكتاتورية من توفير مقومات الحياة الكريمة لكافة مواطنيها. وحسب معلومات المنظمة الألمانية لمكافحة الفقر العالمي، فان دولتي الصين والهند كان لهما الأثر الأكبر في تراجع أعداد السكان المعانين من الجوع وسوء التغذية في السنوات الأخيرة. الأمين العام للمنظمة هانز يواخيم بويس أشار في الإطار نفسه إلى انه "في الوقت الذي تتراجع فيه أعداد الجوعى في الصين والهند بشكل ملفت للنظر، تزداد الأعداد يوما بعد يوم في أفريقيا، وهذا أمر يدعو إلى القلق."

مشاكل مغايرة تماما في الدول الصناعية

Kinder-Uni: Kinder in der Universität Tübingen
انخفاض نسبة المواليد يهدد رفاهية المجتمعات الغربيةصورة من: Tatiana Petrenko

في الوقت الذي تعاني فيه معظم الدول النامية من تزايد مضطرد في عدد المواليد، الأمر الذي يضعها أمام تحديات توفير أماكن العمل والغذاء والدواء وما إلى ذلك، تعاني الدول الصناعية من تراجع في عدد المواليد بشكل ينبئ بحدوث تغيرات ديموغرافية قد يكون لها تداعيات اقتصادية سيئة على سوق العمل والنمو الاقتصادي وأنظمة الضمان الاجتماعي والبنية التحتية للمجتمع بشكل عام. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى عدد سكان ألمانيا البالغ حاليا 83 مليون نسمة سيتراجع مع حلول عام 2050 إلى 72 مليون، وذلك بالرغم من مساعي الحكومة الهادفة إلى زيادة نسبة المهاجرين إليها. في خمسينات وستينات القرن الماضي بلغ معدل أطفال العائلة الواحدة أكثر من طفلين، أما اليوم فان النسبة لا تتجاوز 1.3، وهو ما يعني ديومغرافيا أن عدد الأطفال سيتناقص بشكل حاد على حساب ارتفاع عدد كبار السن المتقاعدين الذين يتقاضون رواتبهم من الدولة التي ستنقصها الأيدي العاملة الماهرة.

هناك من يرى أن نقص المواليد سيؤدي تلقائيا إلى انخفاض نفقات الدولة وتراجع أعداد العاطلين على العمل. ويرى بعض السياسيين أن ألمانيا يمكن أن تتغلب بحلول 2020 على مشكلة البطالة أو على الأقل تخفيض عدد العاطلين عن العمل البالغ 5 ملايين شخص إلى النصف تقريبا. قد تبدو المعادلة منطقية إلى حد ما، ولكن هذا ينطبق فقط على أؤلئك الذين لا يفكرون على المدى البعيد. فالتطورات الايجابية التي قد تنعكس على سوق العمل في البداية سوف تتحول في العقود القادمة إلى مشاكل حقيقية. معاهد الأبحاث تتوقع بحلول عام 2050 نقصا في الأيدي العاملة يصل إلى 12 مليون شخص. هذا يعني أن الدخل القومي سيتراجع وخزينة الدولة ستفتقر إلى الضرائب والمساهمات في أنظمة الضمان الاجتماعي التي سيدفعها 12 مليون موظف. هذه الحقائق تبدو لدولة صناعية ضخمة لألمانيا مرعبة، لذلك تحاول الحكومة التغيير في سياساتها المتعلقة بالهجرة ودعم العائلات المنجبة للأطفال.

أين تكمن الحلول؟

Europa - Welt - Glaskugel
يد واحدة لا تصفقصورة من: European Community

مشكلتان متناقضتان تعاني منها البشرية إذن: العالم النامي يعاني من كثرة الولادات وبالتالي نقص الموارد وتفاقم مشاكل الجوع وسوء التغذية والعالم الصناعي المتقدم يعاني من تراجع نسبة المواليد وما لذلك من تبعات بعيدة المدى على اقتصادياتها ورفاهية شعوبها. الحل المنطقي لمن لا يريد قراءة ما خلف السطور يكمن في استفادة العالم الصناعي من الطاقة البشرية المتوفرة في الدول النامية، وهذا ما قامت به بالفعل بعض البلدان مثل كندا واستراليا ونيوزلندة والولايات المتحدة. أما الدول الأوروبية فما زالت متحفظة إزاء اللجوء إلى هذا الحل وتحاول التقنين قدر الامكان، لأنها ترى في ذلك خطرا على ثقافاتها وتفاقم للمشاكل الاجتماعية المترتبة على عدم اندماج أصحاب الثقافات الأخرى. هذه المشكلة تعاني منها مثلا ألمانيا حيث الجالية التركية في تزايد مستمر وكذلك فرنسا، حيث عدد السكان من أصول عربية وافريقية في تزايد أيضا. ولعل الصدامات الدامية التي حدثت في فرنسا بين أبناء المهاجرين والفرنسيين قيل عدة أشهر كانت خير مثال على ذلك. جنوب العالم بحاجة الى شماله لتفادي مشكلة زيادة عدد سكانه، وشمال العالم بحاجة الى جنوبه لتفادي نقص عدد سكانه، والحل يكمن ربما في منتصف الطريق.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد