1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: أين السعودية من الارتفاع الجنوني في أسعار الحج؟

٢٦ يونيو ٢٠٢٣

شهدت خدمات الحج ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار وعلى رأسها أسعار الفنادق والسفر. وهو الأمر الذي دفع الكثيرين إلى إلغاء فكرة القيام بالحج. فما هو سبب جنون الأسعار، وما علاقة السعودية في ذلك؟

https://p.dw.com/p/4T3gM

مكة المكرمة تفيض بالحجاج مع بدء موسم الحج

بعد رفع القيود التي فرضتها على الحج خلال جائحة كورونا، تستقبل السعودية هذه السنة نحو 1,6 مليون حاج من الخارج، أي أكثر من ضعف عدد العام الماضي 2022.

وإذا أضفنا إلى ذلك الحجاج من داخل السعودية، فمن المتوقع وصول العدد إلى أكثر من مليونين يشاركون في حج هذه السنة 2023. وتعد هذه أكبر مشاركة منذ عام  2019 بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى تقليص العدد إلى أكثر من النصف خلال السنوات الثلاث الماضية 2020 ولغاية 2022.

ارتفاع فاحش في الأسعار

يترافق الحج هذه السنة مع  مصاعب اقتصادية متزايدةتواجهها الغالبية من أبناء الدول العربية الراغبة بأداء فريضةالحج. وتتمثل هذه المصاعب في ارتفاع أسعار الخدمات المرتبطة به وعلى رأسها أجور الفنادق وأسعار تذاكر السفر.

وقد تراوح هذا الارتفاع على صعيد الكثير من الخدمات بين 50 إلى 100 بالمائة وخاصة في بلدان مثل تونس ومصر ولبنان. وهو الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى العدول عن فكرة الحج من أساسها في الوقت الحاضر رغم ورود أسمائهم في قوائم القرعة الخاصة بالمقبولين للسفر من أجل أداء الفريضة.

ضعف الاقتصاد والتضخم العالمي

يعود ارتفاع الأسعار بشكل أساسي إلى التضخم العالمي وتبعات الحرب الأوكرانية التي تأثرت بها جميع اقتصاديات الدول العربية بما فيها  الاقتصاديات النفطية كالاقتصاد السعودي. غير أن الاقتصاديات العربية غير النفطية كاقتصاديات مصر وتونس والمغرب والأردن ولبنان تأثرت بها بشكل أقوى كونها تعاني من ضعف صادراتها واعتمادها على استيراد أهم السلع من الخارج.

حجاج يشترون هدايا في أسواق مكة- 24 يونيو/ حزيران 2023
ارتفاع الأسعار يؤثر أيضا بشكل سلبي على حركة السوق حيث يحل الحجيج في الأماكن المقدسة بالسعوديةصورة من: Amr Nabil/AP Photo/picture alliance

وهناك دول أصابها التضخم بأضعاف مضاعفة بسبب تبعات الحروب الداخلية فيها كسوريا واليمن. وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور قيمة العملات الوطنية وانهيار القوة الشرائية للغالبية الساحقة من المواطنين والمقيمين. ويزيد الطين بلة تفاقم عجز موازين المدفوعات بسبب ارتفاع أسعار الدولار اللازم لتسويتها. وهو الأمر الذي يزيد من شحه ويستنزف إيرادات الحكومات المضطرة لحشدها من أجل استيراد مواد أساسية كالأغذية والأدوية. ومما يعنيه تكبيل أيديها في مجال تقديم الدعم لأغراض أخرى.

السعودية ودورها في ارتفاع الأسعار

غير أنه وعلى الرغم من قوة العوامل الخارجية التي أدت إلى التضخم وارتفاع الأسعار، فإن  الكثيرين يلقون باللوم في ارتفاع أسعار الحج على جشع وكالات السفر والسياحة التي تمتلك الفنادق وتديرها. وهناك من يلوم الحكومة السعودية بسبب ارتفاع أسعار الخدمات التي  تُقدم للحجاج على أراضيها مثل خدمات النفل والتأمين الصحي والسكن وما إلى ذلك. غير أن الوقائع تفيد بأن هذا الارتفاع حصل في معظمه قبل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وهو يشمل جميع القاطنين في السعودية أو القادمين إليها، أي أنه ليس مرتبطا بالحج. وقد حصل عندما كانت أسعار النفط متدنية. ومن أجل التعويض عن تراجع الإيرادات النفطية في ذلك الحين قامت الحكومة السعودية بشكل خاص خلال الفترة بين عامي 2015 و 2018 برفع أسعار الكهرباء والوقود وفرضت ضرائب ورسوم جديدة مثل  ضريبة القيمة المضافة ورفع رسوم الإقامة للأجانب.

قطار الحرمين السريع الذي يربط أيضا مكة المكرمة بالمدينة المنورة - ديسمبر/ كانون الأول 2019
قطار الحرمين الذي يخدم السياحة الدينية يعد جزءا هاما من مشروع تحديث البنية التحتية للنقل في السعودية صورة من: GIUSEPPE CACACE/AFP/Getty Images

المنح السعودية متواضعة 

غير أن سياسة الحكومة السعودية الرامية إلى رفع الأسعار تفرملت أو توقفت مع ارتفاع أسعار النفط مجددا وتضاعف الإيرادات النفطية منذ أكثر من سنتين، وخاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. أما الرسوم الأخرى المتعلقة مباشرة بالحج كرسوم النقل والطوافة والتأمين الصحي فقد بقي ارتفاعها في نطاق محدود، لاسيما وأن السعودية استمرت بضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية للحج خلال السنوات الماضية. أما ارتفاع الأسعار الذي شمل الأغذية وأماكن الإقامة فمرده أيضا إلى أن التضخم العالمي الذي أصاب أيضا الاقتصاد السعودي على صعيد أسعار الأغذية والأدوية وتكاليف الصيانة والنقل والبناء وغيرها.

في هذه الأثناء تستمر السعودية في تقديم منح لأكثر من 1300 حاج على حساب الدولة. وحسب وزارة الأوقاف الفلسطينية فإن هذه المنح تشمل ألف حاج من الضفة الغربية وقطاع غزة. ورغم أن السعودية تقدم خلال موسم الحج الكثير من الخدمات المجانية من تنظيمية وصحية وغيرها، فإن المنح التي تقدمها متواضعة قياسا إلى الإمكانات المالية التي تتمع بها بفضل الطفرة النفطية وارتفاع عائدات الحج. ومن هنا يرى الكثيرون أنه ينبغي عليها تقدم المزيد من المنح لتشمل مختلف الدول الإسلامية، لاسيما لأصحاب الدخل المحدود الذين لن يتمكنوا في حياتهم من الحج دون دعم الدولة. وحتى في بلد نفطي مثل ليبيا فإن الحج لم يعد ممكنا للغالبية على حد قول المدرّس الليبي مصطفى الحاسي الذي تكفلت الحكومة الليبية بمصاريف حجه ومصاريف نحو 7800 آخرين. وقال الحاسي في تصريح لوكالة رويترز: "لو أردت الذهاب على حسابي الشخصي سأحتاج إلى 15 سنة حتى أقوم بجمع المبلغ اللازم للحج"

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى مؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: ارتفاع أسعار خدمات الحج في العالم العربي يعود لأسباب عديدة من أبرزها تراجع أسعار العملات الوطنية صورة من: Boris Geilert/DW

إيرادات الحج والاستثمار في بنيته

يشكل الحج أحد أهم مصادر الدخل في السعودية، إذ تقدر إيراداته السنوية ومن ضمنها مناسك العمرة بنحو 12 مليار دولار سنويا. ومع ارتفاع أسعار الخدمات المتعلقة به يتوقع ارتفاع إيرادات هذه السنة بشكل ملموس. وبدورهم يأمل أصحاب الأعمال في مكة بأن يعوضهم حج هذه السنة بعض الخسائر الفادحة التي تكبدوها خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب الإغلاق الذي حصل خلال جائحة كورونا. في هذا السياق قال سمير الزافني الذي يدير مجموعة فنادق في مكة والمدينة أن "فنادقنا ممتلئة"، مضيفا في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية فرانس بريس، أنه "وبعد ثلاث سنوات عجاف، لا توجد أسرة شاغرة في مجموعتنا التي تضم 67 فندقا".

وتستثمر السعودية عائدات الحج، إضافة إلى قسم من إيراداتها النفطية لتحديث   البنية التحتية للحج  والعمرة. ومن بين أبرز مشاريع التحديث هذه  التوسعة الثالثة للحرم المكي ومحيطه بتكلفة تصل إلى 100 مليار دولار خلال الفترة من عام 2015 ولغاية 2023. وهناك مشروعا نقل تم تنفيذهما وتستمر عملية تحديثهما وهما قطار المشاعر المقدسة وقطار الحرمين بتكلفة وصلت إلى نحو 19 مليار دولار بحلول عام 2018. وفي إطار "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سنة 2016 تم تخصيص 50 مليار دولار أخرى بهدف زيادة القدرة الاستيعابية من الحجاج والمعتمرين إلى أكثر من 30 مليون شخص بحلول نهاية العقد الجاري.

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد