1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حرية الصحافة.. هكذا قضى بوتين على الإعلام الحر بشكل ممنهج!

٤ مايو ٢٠٢٢

منذ تولي فلاديمير بوتين السلطة في روسيا عام 2000، تم اغتيال 37 صحافيا حسب إحصائيات، مراسلون بلا حدود. بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، نلقي نظرة على واقع الإعلام في روسيا والتطورات التي حصلت منذ التسعينات وحتى الآن.

https://p.dw.com/p/4AmSa
ستوديو قناة ORT الروسية في موسكو
حرب أوكرانيا دقت آخر مسمار في نعش الإعلام المستقل وحرية الإعلام في روسياصورة من: Anton Novoderezhkin/TASS/dpa/picture alliance

منذ أن تم بث سيمفونية "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، في التلفزيون السوفياتي بدل نشرة الأخبار في التاسع عشر من آب/ أغسطس عام 1991، عرف المواطنون أن شيئا غير عادي قد حدث. حيث حاولت القوى الرجعية في الحزب الشيوعي السوفياتي والجيش والمخابرات الخارجية "كي جي بي" تنفيذ انقلاب ضد الرئيس ميخائيل غورباتشوف.

اليوم لا تبث عروض الباليه في التلفزيون الروسي الحكومي، وإنما أخبار وبرامج سياسية على مدار الساعة تقريبا، تبرر وتروج لسياسة الكرملين. بيد أنّ دور الإعلام لم يكن واضحا وخاضعا للدولة في روسيا كما هو الحال عليه اليوم.

التسعينات.. العقد الذهبي للإعلام

بعد البيريسترويكا وتغيير النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي سابقا، أصبح للإعلام دور أكبر وأصبح لاعبا له دوره في التغيير والتأسيس لحقبة جديدة.

"بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت هناك حاجة كبيرة لدى الشعب الروسي لإعلام مستقل. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ظهور عدد كبير من الصحف الورقية الجديدة خلال وقت قصير جدا، ليس في موسكو وسان بطرسبورغ فقط، وإنما في كل أنحاء البلاد. كان المشهد الإعلامي حيويا جدا ويتكلم بعلانية عن نهاية الاتحاد السوفياتي أو عن الماضي الشيوعي"، تقول أولريكه غروسكا، المتحدثة الإعلامية لمراسلون بلا حدود.

بيد أنّ هذه "الحقبة الذهبية" للإعلام المكتوب، انتهت بسرعة، حيث أدت الأزمة الاقتصادية في عامي 1993 و1994 إلى إغلاق الكثير من الصحف، وأصبح دور الإعلام المرئي يزداد، والذي لم يكن تم توجيهه من الكرملين وإنما من ممولي الأقنية التلفزيونية من رجال الأعمال ذوي النفوذ.

كما أنّ أثرياء من الأوليغارش كبوريس بيريزوفسكي وفلاديمير غوسينسكي، اشتروا القنوات التلفزيونية الكبيرة في البلاد منها ORT وNTW. ومن خلال إمبراطورياتهم الإعلامية استطاع هؤلاء الأوليغارش توجيه السياسة في روسيا خلال عقد التسعينات. وقد ساعد هؤلاء في انتخاب الرئيس بوريس يلتسين وفوزه على المرشح الشيوعي غينادي زيوغانوف، وبالتالي منعوا عودة النخبة القديمة إلى السلطة.

وتجدر الإشارة إلى أن الخط الإعلامي لمؤسستي غوسينسكي وبيريزوفسكي لم يكن واحدا دائما، ففي حين كان غوسينسكي ينتقد الكرملين والفظائع في حرب الشيشان وحازت قناته NTW على جمهور واسع من المشاهدين، أيد بيريزوفسكي الكرملين والرئيس يلتسين ومن بعده بوتين.

رجل يحمل صورة الصحافية الروسية آنا بوليتسكوفسكايا بالقرب من مقر صحيفة نوفايا غازيتا.
تم اغتيال الصحافية الروسية آنا بوليتسكوفسكايا في موسكو عام 2016 حيث كانت ضحة عملها الصحفي وتقاريرها الناقدة للكرملين.صورة من: Sergei Ilnitsky/dpa/picture alliance

تراجع المشهد الإعلامي منذ عام 2000

قناة بيريزوفسكي التلفزيونية ORT دعمت بوتين في حملته الرئاسية وساعدته على الفوز في انتخابات عام 2000 والوصول إلى الكرملين، وبعد عشرين عاما أصبح بوتين حفار قبر الإعلام. فمنذ ذلك الحين يزداد التضييق على الصحافيين وعملهم في روسيا.

"مباشرة بعد وصوله الرئاسة بدأ بوتين بإخضاع الإعلام لسيطرة الدولة. تم تحطيم قناة NTW بشكل مذهل، حيث اقتحم رجال أمن مسلحون غرفة التحرير، وبُث جزء من ذلك بشكل مباشر. وبمختلف الحجج والعديد من الدعاوى القضائية، تم تجريد مالك القناة غوسينسكي من نفوذه" تقول غروسكا.

نفس المصير واجهه البوق السابق لبوتين، بيريزوفسكي الذي أخذ ينأى بنفسه خطوة خطوة عن سياسات الرئيس الروسي، فتم وضع قناته التلفزيونية ORT تحت رقابة الدولة وهي اليوم البوق الإعلامي الأول للكرملين.

عاما بعد عام، تم إسكات الأصوات الحرة المستقلة في روسيا، فبعد احتجاجات شتاء 2011/ 2012 ضد نتائج الانتخابات البرلمانية التي كان هناك شك في نزاهتها ويعتقد أنها مزورة، وبعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 ازدادت الرقابة على الإعلام. وفي حين أصبحت القنوات الحكومية بوقا للسلطة وتعرض وجهة نظر الحكومة فقط، يتم نعت الإعلام المعارض والمنتقد للكرملين "بالخائن" و"العميل".

وقد أدت هذه السياسة الحكومية تجاه الإعلام، إلى أن نتيجة استطلاع للرأي أجرته مؤسسة كوربر، أظهرت أن 76 بالمائة من الذين شاركوا فيه، قالوا إن وظيفة الإعلام هي دعم عمل الحكومة وقراراتها!. 

رأس خروف مقطوع لتخويف آخر صحفيي روسيا الانتقاديين

ثغرة الإنترنت

بالنسبة لمنتقدي الكرملين لم يبق أمامهم سوى الانترنت. "اكتشفت القيادة الروسية متأخرة أهمية دور الإنترنت وتأثيره على المجتمع"، تقول أولريكه غروسكا من منظمة مراسلون بلا حدود، وتضيف "ومقارنة مع أنظمة قمعية أخرى مثل الصين التي سيطرت ومنذ البداية على شبكة الإنترنت، بنيت شبكة الانترنت في روسيا بشكل غير مركزي. حيث هناك العديد من المحاور مع الخارج، والعشرات من مزودي خدمة الإنترنت".

ومع مرور الزمن اكتشفت موسكو أهمية شبكة الانترنت والسيطرة عليها، ومن خلال سلسلة تغييرات قانونية تم كم كل الأفواه المعارضة والمواقع المستقلة. واليوم مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وانستغرام والمواقع الإعلامية الأجنبية، لا يمكن الوصل إليها مباشرة، وإنما بشكل غير مباشر عن طريق "البروكسي". وهيئة الرقابة الإعلامية الحكومية يمكنها حجب أي موقع إلكتروني، والحواسيب والهواتف الذكية يجب تحميلها ببرامج روسية سلفا.

القضاء على الديمقراطية من خلال القانون

بدءا من عامي 2011/2012 بدأ إصدار قانون بعد الآخر والتضييق على الصحافيين وعملهم. فمثلا نشر تقارير عن القصور الفخمة أو الرواتب العالية لموظفي الحكومة والتي تفوح منها رائحة الفساد، ممنوع، وكذلك الكشف عن المؤامرات السياسية ممنوع. أما المنظمات الأجنبية التي تنشط سياسيا في روسيا وتتلقى التمويل من الخارج، يجب أن تسجل نفسها في سجل حكومي يعرف بسجل "العملاء الأجانب". هذا ناهيك عن الغرامات المالية والعقوبات الجزائية التي هي سيف مسلط على رقاب الإعلاميين.

"من الواضح أن الجدل الديمقراطي قد تغير بشكل جذري. فكل الأصوات المعارضة تقريبا قد أصبحت خارج البلاد، ولا يمكن التكهن بحجم المعلومات التي مصادرها مستقلة تصل إلى روسيا، والأهم من ذلك إلى أي حد يتم استقبال وتصديق هذه المعلومات" تقول غروسكا.

وتضيف قائلة "أسمع دائما من الأصدقاء والزميلات، بأن المشكلة الكبيرة ليست إيصال المعلومات للناس في روسيا، حول الحرب في أوكرانيا وقصف المساكن، وإنما المشكلة هي أن كثيرا من الناس حين يسمعون بذلك ولا يصدقونه، لأنهم ومنذ عقدين يتم إغراقهم بمحتوى القنوات الحكومية. وجزء كبير من الشعب يقبل السردية الحكومية بأن هناك نظاما نازيا في أوكرانيا، ويجب تحرير الناس منه".

2022 الضربة القاضية

الأحداث الأخيرة خلال الأسابيع والأشهر الماضية، دقت المسمار الأخير في نعش الإعلام المستقبل في روسيا. الضربة القاضية بدأت مع بداية العام من خلال حملة تطهير كبيرة في المشهد الإعلامي الروسي، ومن بينها إغلاق مكاتب مؤسسة دويتشه فيله DW في موسكو وسحب تصاريح مراسليها العاملين في روسيا. وقد تسارعت الأحداث بعد غزو أوكرانيا، حيث تم إسكات آخر وسائل الإعلام المستقلة، حتى تلك التي كان يعتقد أن شعبيتها تحميها.

وهكذا تم إغلاق إذاعة "صدى موسكو Echo Moskwy" المستقلة العريقة التي تم تأسيسها عام 1990في الأول من مارس/ آذار 2022 وحجب موقعها الإلكتروني.

ونفس المصير لاقته القناة التلفزيونية على الانترنت "Doschd" ("TV Rain") المستقلة والتي تاسست عام 2010 وكانت صوت جيل الاحتجاجات. وقد تم إغلاقها بداية شهر مارس/ آذار الماضي بحطة "بث تقارير كاذبة عن الأحداث في أوكرانيا". واستطاع الصحافيون العاملون فيها الخروج بسرعة من روسيا، ويحاولون إعادة بناء هيئة التحرير والبث من العاصمة الجورجية تبليسي.

وأخيرا جاء دور صحيفة "نوفايا غازيتا Nowaja Gaseta" التي أسسها حامل جائزة نوبل للسلام الصحافي ديمتري موراتوف. وكانت هيئة تحرير الصحيفة واحدة من أفضل فرق الاستقصاء والتحقيق الصحفي في روسيا، وآخر تقرير استقصائي لها، كان أيضا مميزا جدا، عن المدن المدمرة في أوكرانيا.

هل بقي هناك إعلام أو صوت حر مستقل في روسيا؟ بالتأكيد لا تزال هناك هكذا أصوات "لكنها غير مسموعة ولا تستطيع النشر" تقول أولريكه غروسكا، المتحدثة الإعلامية في منظمة مراسلون بلا حدود.

وتعرب غروسكا عن اعتقادها بأن جزءا كبيرا من الصحافيين الذين عملوا في وسائل إعلام مستقلة، أصبحوا خارج روسيا ويصعب سماع أصواتهم في بلدهم الأصلي، حيث القمع وحجب مواقع الإنترنت. وتختم المتحدثة باسم مراسلون بلا حدود حديثها عن واقع الإعلام في روسيا بالقول إن "وضع الإعلام في روسيا اليوم يذكر بأحلك وأصعب الأوقات في عهد الاتحاد السوفياتي".

راينا بروير/ ع.ج