1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

زملاء عادل الخذري بصوت واحد "نحن قربان الثورة التونسية"

مروى محجوب - تونس ١٩ مارس ٢٠١٣

لكل حالة انتحار في تونس حكاية عن معاناة شخص لا يريد الكثير، سوى العيش بكرامة بين أهله وأحبته. هكذا كانت قصة رمز الثورة التونسية محمد بوعزيزي الذي احتج على وضعه المزري، فأشعل ثورة قضت على الديكتاتورية. وماذا عن الآخرين؟

https://p.dw.com/p/17znk
صورة من: DW/M. Marwa

كثيرة هي القصص الدافعة للانتحار و متشابهة و قاسية إلى أبعد الحدود، وهي إلى ذلك مرتبطة بحالة الإحباط من ثورة لم تقدم لثائريها ما يرجونه منها. أو تكشف ظاهرة الانتحار، التي بلغت منذ 14 كانون الثاني/يناير 2011 أكثر من 165 حالة عن معاناة هؤلاء في مواجهة مآسيهم و تعبهم الشديد في أن يحققوا طموحاتهم الشخصية. طموحات تفرض على صاحبها أن يكون جديرا بها، ملبيا لتطلعاتها.

في إحدى الأزقة الموحّلة بسوق الجمعة من ولاية جندوبة، ووسط عائلة أثقل كاهلها الفقر و بؤس الحياة، ترعرع عادل الخذري، البائع المتجول الشاب ذو السابعة والعشرين. وفي يوم الثلاثاء 12 من آذار/ مارس 2013 أقدم الشاب عادل على حرق نفسه أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، ليكون ثالث الباعة المتجولين الذين جمعهم ذات القدر بعد محمد البوعزيزي ومحمد سرحان.

The situation of the independent traders in Tunisia. Traders in Tunisia , Bab Bhar , March, 16,2013 copyright: Mahjoub Marwa zugeliefert von: Emad Ghanim
باعة متجولون في شوارع تونسصورة من: DW/M. Marwa

بين الاحتراق بنار الذل والجوع والاحتراق بنار الكرامة ، اختار عادل أن ينتحر وسط أكثر الشوارع رمزية لدى التونسيين بالطريقة ذاتها التي اختارها رمز الثورة البوعزيزي في رغبة له للفت الانتباه لمأساته .

جهة مهمشة وتنمية غائبة ،بطالة وفقر مدقع تلك هي الظروف التي جمعت عادل الخذري بشباب قريته الذين صرخوا "نحن مهمشون، نحن منسيون". وعادل هو شاب من بين المئات في هذه القرية التي تفتقر أغلب منازلها للماء والكهرباء وكل سبل العيش الكريم. فكانت النتيجة أن امتزج الغضب باللوعة في نفس عادل، ليؤمن أن الأحزاب الحاكمة وغير الحاكمة سرقت منه ثورته ولا أمل في تغيير حالته.

من سرق ثورتنا؟

 عادل هو نموذج لمئات الباعة المتجولين الشباب الذين اختاروا الهجرة الداخلية إلى العاصمة قصد العمل: التضحية بحلم الدراسة ومواجهة مصاعب الحياة و مفاجأتها هو النهج الذي اختاره عادل وزميله محمد الذي أتى من الولاية ذاتها: "نهرب من الفقر لكسب قوت العيش فعوض أن نأكل تأكلنا النيران"، يقول محمد،24 سنة.  وإن زميله انتحر نتيجة الظلم والقهر، عندما عجز عن تأمين ما احتاجته عائلته المكونة من إخوته الأربعة وأمه من دقيق ومصاريف يحتاجها أحد الإخوة للدراسة، كما يضيف الشاب.

The situation of the independent traders in Tunisia. Traders in Tunisia , Bab Bhar , March, 16,2013 copyright: Mahjoub Marwa zugeliefert von: Emad Ghanim
منتوجات متنوعة يعرضها الباعة المتجولونصورة من: DW/M. Marwa

بيع السجائر على قارعة الطريق كان ملجأ عادل للتخلص من الفقر وإعالة أسرته، و ليكون جزاء السعي وراء لقمة العيش حجز البضاعة و اعتقال البائع ثلاث أيام ليغادر بعدها السجن المدني إلى كابوس الحياة القاسية دون بضاعة.

يؤكد محمد أن  الفقيد تعرض للمضايقة في الآونة الأخيرة من قبل أعوان الشرطة الذين يقومون بحملة ضدّ الباعة المتجوّلين وباعة السجائر، وهو ما دعاه لوضع حدّ لمعاناته في لحظة من اليأس رغم أن المرحوم كما أكد زميله كان دائما يقول إذا سمع بحوادث الانتحار المماثلة "هذا ما يحدث لشباب تونس".

"فساد وحدات الأمن السياحي وظلمهم المسلط على الباعة المتجولين، وتهميش الجهات الرسمية لهذه القضية الهامة" أثار استهجان الباعة المنتشرين بالعاصمة الذين نادوا اليوم بصوت واحد، بعد انتحار زميلهم الثاني بعد محمد سرحان، "نعم لفضاء شارع قرطاج، معا للقضاء على التواجد الفوضوي لا للتهميش ولا للظلم."

قد يبقى البيع الفوضوي بالنسبة للجميع أمرا خارجا عن القانون، لكنه في نهاية الأمر يمثل رزقا لمئات الشباب العاطل عن العمل و ملاذا للمواطن البسيط الذي يواجه يوميا ارتفاع الأسعار ولهيبها. وبين هذا وذاك يؤكد عادل، وهو بائع متجول في الثانية والعشرين من عمره، أنهم ورغم اللجوء يوميا للهرب من مساومات وحدات الأمن السياحية إلا أن تمسكهم بالعمل مسألة كرامة ولا تنازل عنها.

الباعة المتجولون ظاهرة تعود إلى ثلاثين سنة مضت دون حل جذري للمسألة، ولكن الانتحار حرقا بات كابوسا يواجه آلاف الشباب العاطل عن العمل بعد الثورة  والذي قد يدفعهم يأسهم إلى الانتحار استسلاما أمام ضنك الحياة و تهميشهم.

الإحباط وراء الانتحار حرقا

يقول خبير علم الاجتماع، محمد الجويلي، إن ظاهرة الانتحار حرقا عادت لتؤكد حالة الاحتقان و الهشاشة و الإحباط لدى صنف من الشباب غير القادر على تحمل ضغوطات الواقع و إكراهاته. كما يشير إلى أنه و من بين هؤلاء الفئات الشبابية المهمشة و التي تعيش أوضاعا صعبة و معقدة، تلك الفئة التي من المحتمل أنها  أصيبت بخيبة أمل و إحباط من الوضع المعيشي البائس ما يجعلها تلتجئ إلى الأقصى في ردود أفعالها، " فهناك من يختار الهجرة السرية عبر قوارب الموت و هناك من يذهب جهادا في سبيل معتقد و هناك من يحترق في مشهد علني كأنه يبادل عنفا بعنف، عنف الظروف القاسية و عنف التشفي في الذات و في الآخرين  الذين لم يجد لديهم حلولا لمأساته."

يقول السيد الجويلي إنه ليس كل من يعيش ظروفا قاسية جدا يقبل على الانتحار، حيث أن مكانة الذات هنا مهمة، أي في تلك الحالة التي يكون فيها الفرد دون معنى يعطيه لوجوده و دون رأسمال عاطفي يواجه به درجات عليا من الإحباط.

مبادرات من أجل رد الاعتبار

أمام تهميش الجهات الرسمية لهذه الفئة الشبابية (الباعة المتجولون)، يصارع عبد المعز علوي نائب رئيس نقابة التجار المستقلين للحد من هذه الحوادث التي جمعت شبابا في مقتبل العمر غالبا ما كانوا تجارا مستقلين ضاقت بهم السبل.

Unabhängige Händler in Tunesien
عبدالمعز علوي نائب رئيس نقابة التجار المستقلينصورة من: DW/M. Marwa

"ستضمحل كل هذه المشاكل في حال فتح فضاء شارع قرطاج (الشركة التونسية للتوزيع سابقا) ". حيث يؤكد نائب النقابة أنهم سيدفعون الأجور المطلوبة للدولة وبإمكانها آنذاك أن تفتح مواقع أخرى خاصة بهؤلاء التجار بجميع الجهات وهذا سيحد من التضييق الأمني على هؤلاء وستحدد مهنتهم ووضعيتهم ولن يضطروا للانتحار آنذاك.

و يشدد عبد المعز علوي على عزمهم الحفاظ على جمالية البلد، وعزمهم على القضاء على التجارة الموازية، بالإضافة إلى الكشف عن التجار الذين ينتشرون بشكل غير قانوني، وهم ينتمون إلى الوظيفة العمومية.

مهمته: إنقاذ الشباب من أبناء مهنته، من مصير محمد البوعزيزي وعادل الخذري ومحمد سرحان، وإنقاذ البلاد واقتصادها من خطر التجارة الموازية، الهدف استكمال مشروع الفضاء الخاص بهم أمام حلم تخصيص مكان خاص بالمرحوم عادل الخذري داخل الفضاء ردا للجميل. الجميل المتمثل في أن الحكومة التفتت أخيرا لهذه الفئة الشبابية، حيث أن المستشار لدى رئيس الجمهورية استمع لهم ووعدهم بالحل الفوري والتسوية النهائية لهذه الظاهرة.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد