1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سياسات التسامح: من التمركز على الهوية إلى الاعتراف بالآخر

رشيد بوطيب٢٨ فبراير ٢٠٠٧

ليس التسامح ضربا من الترف الفكري، بل هو شرط أساسي لخلق مجتمع منفتح على الآخر ومؤمن بالتعددية، وبفكرة أن الهوية مشروع مفتوح، وليست نظاما مكتملا.

https://p.dw.com/p/9unM
فاطمة مرنيسي: صوت رائد في الدفاع عن المرأةصورة من: AP

ما أشد حاجتنا اليوم إلى التسامح، إلى عالم يقبل بالآخر، وينظر إلى الاختلاف كعامل إغناء وأساس لحوار الثقافات وليس كخطر على الهوية. وفي زمن تشتعل فيه حروب الأفكار والقوميات والإثنيات فإن سياسات التسامح، التي تعني أول ما تعني احترام الآخر والاعتراف بخصوصيته الطريق الوحيد إلى التعايش بين الأفراد والجماعات.

ليست فكرة التسامح وليدة اليوم، بل هي فكرة تضرب بجذورها في تاريخ الثقافة الإنسانية. ومنذ ظهور الأديان، ظهر السؤال حول كيفية التعامل مع الآخرين الذين يملكون دينا آخر أو وجهة نظر مختلفة إلى العالم، كما يقول فيلسوف التسامح الألماني راينر فورست.

دعوة الأديان السماوية إلى التسامح

Voltaire
فولتير: أحد أهم فلاسفة التنوير

الأديان السماوية تزخر بشواهد على التسامح، كما تزخر أيضا بشواهد نصية وأخرى تاريخية عن عدم التسامح والرغبة بابتلاع الآخر وتبشيره وتحويله إلى شبيه. وهذا يان آسمان، أحد أهم المتخصصين في الديانات الوحدانية، يرى بأن مفهوم الإيمان نفسه في العهد القديم لا يعني أكثر من الوفاء، الوفاء للأصل بكل ما يتضمنه ذلك من عنف ضد الآخر المختلف، وقبر للحرية الفردية.

ولكن إذا ما أردنا أن نلقي نظرة على الثقافة الإسلامية، فإننا سنجد أن ابن رشد تجاوز هذه النظرة الدينية، خصوصا في تعامله مع الآخر اليوناني وثقافته، وهو الذي يقول في كتابه المركزي فصل المقال، بأنه يتوجب النظر في ما قاله الآخرون، "فما كان منه موافقا للحق قبلنا به وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منه غير موافق للحق نبهنا عليه وعذرناهم". أن تجد العذر لخطأ الآخرين، أو أن تشكرهم وتعترف بأفضالهم، أليس ذلك قمة التسامح؟ إن كلمات ابن رشد هذه، شاهد حي على التسامح الذي عرفه العصر الأندلسي، وهي فكرة نفتقدها حتى عند أحد أبرز ممثلي الحركة التنويرية في أوروبا، وأعني به فولتير. ففي كتابه الشهير حول التسامح، يتحدث بسماجة عن شرعية عدم التعامل بتسامح مع اليهود والأتراك أو المسلمين..

المرأة في مرآة الفلسفة

وحتى في نظرته الى المرأة كان ابن رشد سابقا على معاصريه، بل وأكثر حداثة ممن أعقبه، فكانط وهيغل، وانسجاما مع التقاليد البروسية الذكورية، اعتبراها عاجزة عن التفلسف. وهنا تلتقي الفلسفة نهارا جهارا مع الرؤية الأبوية في احتقار المرأة والشك بقدراتها العقلية. وفي الوقت الذي شكك فيه أفلاطون بقدرة المرأة على التفلسف، وبلغة أخرى على التفكير، وفي الوقت الذي منحها الفارابي كل الحقوق في مدينته الفاضلة وحجب عنها حق التفلسف، يرى ابن رشد أن طباع الرجال والنساء واحدة، وأنه فيما عدا الأعمال الشاقة، باستطاعة المرأة أن تقوم بكل الأعمال التي يقوم بها الرجل، ومن بين ذلك التفلسف، بل إنه يرى أنها قد تتفوق على الرجل في بعض المجالات، كالموسيقى مثلا. النظرة الدونية إلى المرأة، ليست بالضرورة صادرة عن الدين، أو قيم التقليد، كما أكد ذلك الباحث المصري منصور فهمي، حيث يرى بأن عزل المرأة هو أساسا نتيجة السلوك الاجتماعي والفروقات الطبقية.

الدور السياسي للمرأة في الإسلام

Assia Djebar, algerische Schriftstellerin
آسيا جبار: أهم كاتبة عربية باللغة لافرنسيةصورة من: dpa

وهناك الكثير من الباحثين المعاصرين، وعلى رأسهم فاطمة المرنيسي، كما في كتابها "الحريم السياسي" من يؤكد بأنه لا الدين ولا التاريخ يقولان بأن المرأة لم يكن لها صوت أو لم تلعب دورا في التاريخ الإسلامي، وفي كتاب آخر يحمل عنوان"نساء حاكمات" تعطي المرنيسي شواهد من التاريخ على الدور السياسي الكبير الذي لعبته المرأة في الإسلام. وهو أمر يؤكد أن الخطاب الأصولي المعاصر، خطاب خارج التاريخ، ليس فقط لأنه خطاب ماضوي، غريب عن أسئلة الواقع وقضاياه الملحة، ولكن لأنه خطاب يجهل التراث أيضا. فهو قائم على أحكام مسبقة، وقراءة مبتسرة ومغرضة للدين.

ولهذا، فلا تسامح، كما تقول الكاتبة الجزائرية الشهيرة آسيا جبار، دون معرفة حقيقية بالتراث، وبالوجه الحقيقي للإسلام، مؤكدة بأنه على شمال أفريقيا أن تنظر إلى نفسها كوريثة لابن رشد وابن عربي وابن خلدون. وهي أسماء تحمل أكثر من دلالة وأكثر من تاريخ.

جدلية العلاقة بين الدين والدولة

تتحول الهوية إلى مشكلة، حين يتم النظر إليها ككل مغلق ونهائي، أو حين يتم ربطها بالماضي، بالأموات، إذا استعملنا لغة عابد الجابري. لغة أو فهم أعرابيين يغفلان أن الهوية ابنة التاريخ، وأنها غير محكومة بالوفاء للأصول، بل إنها قد لا تعني أحيانا سوى ذلك التمرد الخلاق والمستمر على فكرة الأصل والنقاء الثقافي أو العرقي. وبالنظر إلى الهوية الدينية، يرى أستاذ التاريخ في جامعة لايبزيغ دان دينر بأنه لا تسامح دون خصخصة للدين، وبلغة أخرى دون ربط الدين بالفرد وتحرير له من السياسة. ويرى بأن الغرب المسيحي استطاع اجتراح هذه الخطوة في مرحلة تاريخية استمرت لأربعمائة عام، لكن المسلمين، لم يستطيعوا، وحتى يومنا هذا، تحقيق ذلك الفصل الحضاري بين الدين والدولة، الذي يعتبره الشرط الوحيد لدخول المسلمين واندماجهم بزمن العالم.

وحتى داخل الثقافة الإسلامية، هناك أصوات عديدة تنادي بهذا الفصل بين الدين والدولة، أو بين الدين والهوية، كما يرى رجل الدين المسلم شعيب بن الشيخ، الذي يقول بأن الفصل بين الدين والهوية لا يضعف الدين بل العكس هو الصحيح، فحين يتحرر الدين من سيف الهويات المحلية والحدود الوطنية، يتحول إلى ما يجب عليه أن يكون: رسالة إلى البشرية.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات