1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: وباء الطلاق فى مصر!

٥ أكتوبر ٢٠١٧

الطلاق حق إنساني من حقوق المرأة والرجل، ولكنه يقع كثيرا في دائرة الأشياء التي لا تحبذها المجتمعات. في مقاله* لـ DW عربية يذهب الكاتب الصحفي عماد الدين حسين يذهب لوصف الظاهرة بـ"الوباء"، لماذا؟

https://p.dw.com/p/2lFBC
Kolumnisten Emad El-Din Hussein


 

قبل حوالى أسبوعين كنت عائدا من مدينة الإنتاج الإعلامى أقصى غرب الجيزة، فى طريقى لمنزلى بمنطقة وسط البلد بالقاهرة. طلبت سيارة من تلك التى يتم طلبها بتطبيقات الإنترنت وجاءت بعد دقائق قليلة. وبمجرد دخولى للسيارة، فوجئت بالسائق يسب ويشتم فى الزواج وكل من يفكر في الزواج!. ولأن المشوار كان طويلا ويزيد عن 30 كيلومتر، فقد حكى لي حكايته بالتفصيل، وكيف أنه قام بتطليق زوجته، ويفكر في الزواج من ثالثة، لأنه لا يمكنه العيش من دون زوجة.

وقبل حوالي ثلاث أيام، وبينما كنت داخل تاكسى أجرة مع صحفى لبناني كبير كان يزور القاهرة، فإن السائق ظل يناقش فى التليفون فتاة - لا نعرف من هي - مشكلته مع زوجته وأنه يريد أن يطلقها فورا، لأنها لا تتحمل المسؤولية.

الحكايتان تتكرران كثيرا وبالتالي فالامر ليس مجرد فصص فريدة، بل هي أصدق تعبير عن مشكلة حقيقية وصادمة تواجه مصر، وتؤثر بصورة كبيرة على التماسك والاستقرار العام فى المجتمع.

لا يكاد يمر يوم تقريبا، إلا وهناك حديث بين معارفي عن حالة طلاق أو نية في اتخاذ هذه الخطوة التي هى "أبغض الحلال عند الله"، كما ورد فى أحد الأحاديث النبوية.

لم يعد الطلاق قاصرا على فئات اجتماعية أو عمرية معنية، وللأسف صار مثل الوباء الذى ينتشر بسرعة خصوصا عند المتزوجين حديثا.

والملفت للنظر أن أحد أعضاء مجلس النواب وهو عبدالمنعم العليمي كشف عن أنه ينوي التقدم بمشروع قانون لمجلس النواب، يجيز للمرأة تطليق نفسها، كما يشترط وجود موافقة كتابية من الزوجة الأولى حتى يمكن للرجل الزواج من سيدة أخرى.

وقال النائب أن القانون لن يمر إلا إذا وافق عليه المجلس الأعلى للقضاء والمجلس القومي للمرأة، ودار الإفتاء، وانه سيلغي "الخلع"، ويعاقب الزوج بالحبس والغرامة فى حال لم يخطر زوجته رسميا وبأمر كتابى قبل زواجه من أخرى.

تقول الأرقام أن هناك حالة طلاق تقع فى مصر كل أربع دقائق، ويرتفع العدد الإجمالى إلى 250 حالة طلاق يوميا، وأن بعض الزيجات لا تستمر الا لساعات معدودة، وان عدد المطلقات فى مصر قد ارتفع إلى 4 ملايين حالة طلاق، أثمرت عن 9 ملايين طفل.

بعض الاشارات عن الطلاق عرفناها صباح السبت الماضي خلال اطلاق التعداد السكاني العام في مصر والذي يتم كل عشر سنوات، وتبين ان سكان مصر قفزوا الي اكثر من 104 ملايين نسمة في الداخل والخارج ،يمثلون ربع العرب.

وطبقا للبيانات فإن الأمم المتحدة رصدت فى إحصائياتها ارتفاع نسب الطلاق فى مصر من 7 إلى 40 في المائة، خلال نصف القرن الماضي، وهناك بعض التقديرات تقول إن هذه الإحصائيات تضع مصر فى المرتبة الأولى عالميا فى حالات الطلاق.

نتيجة لهذه الأرقام المفزعة كانت هناك المواجهة المباشرة بين رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي وشيخ الجامع الأزهر الإمام أحمد الطيب، بشأن ضرورة تنطيم حالات الطلاق وذلك خلال الاحتفال بعيد الشرطة يوم 24 يناير الماضى.

يومها وخلال إلقاء كلمته قال السيسي إنه كان مجتمعا مع اللواء أبوبكر الجندى - رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء - قبلها بيوم واحد، وسأله عن حالات الزواج فقال إنها: "900 ألف، و40 في المائة منهم ينفصلون بعد خمس سنوات".

يومها وبعد أن ذكر الرئيس هذا الرقم، التفت إلى شيخ الأزهر، الذي كان حاضرا الاحتفال وسأله مرتجلا: يا فضيلة الشيخ هل يمكن تنظيم هذا الأمر، بحيث لا يقع الطلاق الشفوى ويعتد فقط بالطلاق الرسمي الموثق؟!.

الإمام الطيب أومأ برأسه بطريقة تدل على الرفض، فقال الرئيس يومها عبارته الشهيرة بطريقة مازحة: "ولا إيه يا فضيلة الإمام.. تعبتني يا فضيلة الإمام".

بعد هذه الواقعة شهدنا في مصر نقاشا حادا، حول الطلب الذي طلبه السيسي من شيخ الأزهر بشأن "الطلاق الشفوى"، وأصدر الأزهر بيانا لاحقا بعدها بأيام يرفض طلب رئيس الجمهورية، ويؤكد أن أركان الشريعة الإسلامية تؤكد على وقوع الطلاق بمجرد التلفظ به، ولا يحتاج الأمر إلى توثيق.

السيسي انطلق من دعوته لأنه يرى خطورة الأمر على المجتمع بسبب ارتفاع نسبة الطلاق، فى حين أن الطيب انطلق من النصوص الفقهية، لكن النتيجة أن التحرك الرسمي لمواجهة الوضع، قد تم إجهاضه.

من السبب فى الطلاق؟!

هناك اجتهادات كثيرة، منها الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الحياة، وهناك منظومة القيم التي تعرضت للاهتزاز كثيرا فى السنوات الأخيرة، وجعلت غالبية الشباب لا يتحلون بالمسؤولية، هناك أيضا تراجع الصحة العامة بفعل نمط الحياة السريع ونوعية الغذاء وتلوث البيئة، وهناك أسباب أخرى يضيق المجال بذكرها.

لكن الملفت فى هذا الصدد أيضا أن إحدى الإعلاميات المصريات كتبت على صفحتها على فيسبوك قبل أيام مجموعة من النصائح للفتيات المقبلات على الزواج أهمها ضرورة الزواج من شخص مستقر أسريا ولم تشهد أسرته أي حالة طلاق، حتى لا يتكرر المشهد مرة أخرى. ونصحت الزوج أن يرى حماته قبل الزواج جيدا لأن ابنتها سوف تعامله كما كانت والدتها تعامل أبيها.

بعد كتابة هذا "البوست" كانت هناك تعليقات كثيرة معظمها رافض للفكرة، ورأيهم أن هذا حكم بالإعدام على كل فتاة أو شاب انفصل أهلهم لأي سبب، وان القاعدة هي "لا تزر وازرة وزر أخرى"، لكن هناك تعليقات أخرى أيدت انطلاقا من أن غالبية الدراسات الاجتماعية تقول بأن "التصدع الأسرى"، هوأحد الأسباب الرئيسية فى الانحراف والسلوك الإجرامي وسوء التكييف والتوافق والمرض النفسي الذى يتعرض له الأطفال في الصغر، مما يؤدى أحيانا إلى فشلهم فى حياتهم الزوجية اللاحقة.

في تقديرات بعض خبراء الاجتماع فإن ارتفاع ظاهرة الطلاق له أسباب متعددة وليست كلها وليدة هذه الأيام، بل هي حصيلة تراكم سياسات وأفكار وقيم منذ سنوات طويلة، بدأنا نجني الآن ثمارها، ورغم ذلك فإن الحكومة والمجتمع المدني وأجهزة الإعلام والثقافة والمساجد والكنائس وكافة مؤسسات الدولة ذات الصلة عليها دور كبير فى فتح نقاش مجتمعي جاد على أوسع نطاق ممكن لبحث هذه الظاهرة واقتراح حلول عملية لها، لأن تأثيراتها شديدة الكارثية على مستقبل المصريين.

 

*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد