1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مدينة غورليتس الألمانية.. قضايا اللاجئين تثير شجون الماضي

٢٢ أبريل ٢٠١٨

بوصول موجة اللاجئين توترت الأوضاع في مدينة غورليتس الحدودية في شرق ألمانيا. وانقسم مواطنو المدينة إلى من يؤيد سياسة الانغلاق، في حين أن البعض الآخر يسعى إلى الانفتاح. غير أن مشاكل المدينة أقدم وأعمق من أزمة اللاجئين.

https://p.dw.com/p/2wQRu
Görlitz von oben
صورة من: Melina Grundmann

اليوم هو الخميس، وعقارب الساعة تشير إلى الحادية عشر والنصف صباحاً. وصلت إلى وجهة رحلتي، مدينة غورليتس. لم ينزل الكثير من مسافري القطار في هذه المدينة، التي تقع شرق ألمانيا على الحدود البولندية. نظرت حولي لأكتشف أنني الأصغر سناً في "Pensionopolis"، وهي تسمية تطلق على سبيل الدعابة على المدينة، لأن الكثيرين يتنقلون للعيش فيها بعد التقاعد. في مدينة غورليتس، والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 56 ألف نسمة، فإن أكثر من ثلث السكان هم فوق 65 عاماً، وبهذا تكون غورليتس أول مدينة في ألمانيا من حيث أعلى متوسط لعمر الفرد، وذلك بالرغم من وجود جامعة تضم ثلاثة آلاف طالب.

إحياء عادات وتقاليد سيليزيا "المفقودة"

عند التجول في شوارع البلدة القديمة، يدرك المرء بسرعة أن غورليتس هي الزاوية الأخيرة من منطقة سيليزيا التاريخية في ألمانيا. سيليزيا بولندية اليوم؛ إذ تم طرد الكثير من العائلات الألمانية من هناك بعد الحرب العالمية الثانية.

وفقدت هذه العائلات وأحفادها منازلهم وهم يعيشون اليوم في مدينة غورليتس تقاليد سيليزيا، والتي يمكن لمسها في كل مكان بالمدينة. إذ تجد في المخبز الفطائر السيليزية المعروفة بـMohnklöße ، وفي المطعم يقدم الحساء السيليزي.

بين السيراميك السيليزي وأعلام سيليزيا قابلت الصحفي والمؤرخ تيل شولتس- كنوبلوخ في أحد متاجر الهدايا التذكارية بالمدينة. حبه وزوجته لموطنهما، سيليزيا، مجسد على شكل ذكريات، مثل صور سيليزيا القديمة على جدران منازل أجدادهم، وكذلك العبارات واللهجة التي ترسخت بذاكرة المرء وبقيت مرافقه له في النهاية، كما يقول شولتس- كنوبلوخ. "بالنسبة لي الوطن يتكون من ثلاثة عناصر وهي المحيط الشخصي، وهم الأشخاص الموجودون هناك. والعنصر الثاني هو المكان. وكذلك الوقت والتغير الزمني، والذي يتغير معه كذلك الإحساس بالوطن؛ إذ لا يمكن استرجاع وطن ما بشكل كامل".

"الوطن ليس مجرد كلمة"

ترغب الأرملة ماريان شولتس باول، والبالغة من العمر 70 عاماً، هي الأخرى في المحافظة على إحساسها بالوطن. في أسواق الفخار والسيراميك السيليزية التقليدية ترتدي السيدة الأزياء التقليدية وتنشد أغاني وقصائد من الوطن وعنه.

بهذه الطريقة تحاول الأرملة الحفاظ على ذكريات وطنها سيليزيا. وتقول شولتس باول التي طُردت عائلتها من موطنها الذي هو اليوم بولندا بعد الحرب العالمية الثانية: "الوطن ليس مجرد كلمة مكونة من حروف، وإنما هو روح. لا يمكن لأي شخص يعشق وطنه ويتعلق به التأقلم مع رؤية وطنه ممزقاً".

وبينما نحن في مطعم بولندي ننتظر وصول الكرنب الأحمر وزلابية البطاطا، كانت شولتس باول تقرأ لنا نصوصاً عن الوطن كتبتها لأحد الصحف الإقليمية والدموع تنهمر على خديها. حياة الأرملة أصبحت منحصرة في البحث عن الوطن، وهذا هو سبب تشبثها بالتقاليد القديمة. "قال أحدهم ذات مرة: إذا كنت لا تعرف ما أصلك، فلن تعرف إلى أين أنت ذاهب". إن الأصل مهم، لأن المرء لم يكن أبداً نتاج صدفة، بل هو نتاج الآباء، الذين عاش مع قصصهم في مكان ما"، كما ترى شولتس باول، والتي تعتبر إحياء تقاليد سيليزيا أهم علامة تعريفية بمدينة غورليتس.

لاجئ سوري: الوطن فرصة عمل

قدم يوهانس هوبنر، البالغ من العمر 29 عاماً، إلى مدينة غورليتس منذ بضعة أعوام كطالب وفتح المقهى الثقافي"Hotspot"  في غورليتس الصيف الماضي بالتعاون مع عدد من الأصدقاء واللاجئين. يهدف هذا المقهى لتقديم قطعة مصغرة من الوطن للاجئين الواصلين حديثاً، أو على الأقل أن يكون همزة وصل.

الوطن بالنسبة ليوهانس يعني شيئاً آخر غير الحنين إلى الماضي: "بالنسبة لهم يبقى مفهوم الوطن منحصر في شعور لطيف، حلم تعيش وأنت متعلق به". وهذا لا معنى له بالنسبة ليوهانس، الذي يرى أن الوطن هو عملية تتطلب دائماً إعادة المرء تكوين إحساسه بالوطن مع السكان المحليين، ويقول: "إنه بناء متغير نسبياً وبالطبع يرتبط بطريقة ما مع الشعور بالراحة".

Deutschland Görlitz | Reichenbacher Turm
جانب من مدينة غورليتس - شرق ألمانيا.صورة من: picture-alliance/ZB/J. Trenkler

يتردد نور حماده عادة مرة واحدة في الأسبوع على مقهى."Hotspot" الشاب، البالغ من العمر19 عاماً، ينحدر من سوريا، وعن الوطن يقول نور: "بالنسبة لي الوطن هو المكان الذي أجد فيه عملاً." وبما أن فرص العمل في مدينة غورليتس تبدو ضئيلة نوعاً ما، لا يعتقد نور أن له آفاقاً رحبة هنا على المدى الطويل. لكن أماكن مثل مقهى "Hotspot" تستحضر أجواء الوطن على الأقل إلى مدينة غورليتس، وعن الأجواء داخل المقهى يقول اللاجئ السوري: "هناك قهوة عربية هنا والعديد من الأشخاص الذين يمكنني التحدث معهم باللغة العربية."

"الغورليتسي الاصلي"

في مدينة غورليتس يعيش حوالي 3 آلاف و400 بولندي انتقلوا إليها بسبب العمل. البعض لا يعجبهم هذا الوضع على الإطلاق، كما المدير الإقليمي لحزب البديل من أجل ألمانيا AFD في غورليتس، هاجو إكسنر. عندما قابلته في نفس الليلة مقابل مقهى "Hotspot": "لقد جلبنا وارسو إلى ألمانيا".

وبينما كان يرتشف قهوته بهدوء قال "في غورليتس، لدينا تدفق دائم للمهاجرين من أوروبا الشرقية، وخاصة من بولندا. الشوارع والمنازل تعج بالعائلات البولندية، وهذا فوق طاقة المواطنين". وفي حالة ترك الأمر لإكسنر، الذي يصف نفسه بالمواطن "الغورليتسي الأصلي"، فسيعيد تشديد إجراءات دخول المهاجرين على الحدود وسيجعل فرص العمل القليلة في المدينة من نصيب المواطنين المحليين فقط.

أكبر ربي عمل هنا هما شركتا Siemens و.Bomabardierوقد أعلنت الشركتان العملاقتان عن إعادة هيكلة كبيرة العام الماضي. واليوم يخاف حوالي ألفي شخص من فقدان وظائفهم.

وهذا الخوف يستغله حزب البديل من أجل ألمانيا AFD ، كما بدا في اجتماع للحزب في وقت متأخر من المساء، كما يقول ماكسيميليان كراه من حزب البديل من أجل ألمانيا AFD ، والذي جاء خصيصاً من مدينة درسدن ليشارك بالاجتماع: "كل واحد منكم قد تعرض لفقدان وظيفته لمرة واحدة في حياته، لقد تعرضتم للإذلال، في غرفة الانتخاب يمكنكم التعبير أن هذا الوضع لم يعد يعجبكم". كاره متأكد من أن "الثورة" لا يمكن أن تبدأ إلا من غورليتس، التي حصد فيها حزب البديل نسبة 30 في المائة من الأصوات في الانتخابات العامة الأخيرة، وبذلك تكون أحد أهم من معاقل حزب البديل من أجل ألمانيا.

Görlitz Bundestagswahl 2017 AFD
غورليتس أحد أهم معاقل حزب البديل في عموم البلادصورة من: DW/D. Pelz

"خلق" الوطن

يعتقد يوهانس هوبنر أن مثل هذا المفهوم المتحفظ والرجعي للوطن لا يمكنه النجاح في غورليتس. "في منطقة ضعيفة من الناحية الهيكلية وتتميز بظاهرة الهجرة منها، من السخافة فرض مفهوم" المواطنين الأصليين". في رأيي الشخصي فإن منطقة كهذه لن يتم إحيائها إلا عن طريق الهجرة والأشخاص الجدد، والتغيرات الجديدة". ويعتقد  يوهانس هوبنر أن هذه المنطقة توفر المساحة المناسبة لخلق شكل جديد من الوطن.

لكن بحسب يوهانس: "إن هذا لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان مفهوم المرء عن الوطن غير مثقل بالتقاليد المحافظة وكراهية الأجانب". وفي الوقت نفسه، لا يجب أن تكون الصياغة الحديثة لمفهوم الوطن غائمة ضبابية، بل تسمح للمرء بإعادة بناء وطنه من جديد في المكان الذي يعيش به .

ميلينا غروندمان/ إ. م

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات