1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من رونالدو لبنزيمة ـ "الجنون" السعودي بعيون الإعلام الألماني

حسن زنيند
١٦ يونيو ٢٠٢٣

رغم الفشل في استقطاب ليونيل ميسي، إلا أن السعودية تمكنت، بعد رونالدو من استقدام كريم بنزيمة، فيما المفاوضات جارية مع نجوم آخرين. المملكة نجحت أيضا في اقتحام ساحة الغولف العالمية، ما أثار فضول منابر إعلامية ألمانية عديدة.

https://p.dw.com/p/4SgJF
أرشيف: النجمان البرتغالي كريستينو رونالدو والفرنسي كريم بنزيمة (12 أبريل 2017)
أرشيف: النجمان البرتغالي كريستينو رونالدو والفرنسي كريم بنزيمة (12 أبريل 2017)صورة من: Bernd Müller/IMAGO

عرفت السياسة الرياضية في المملكة العربية السعودية تحولات مثيرة في الأشهر القليلة الماضية تصدرت اهتمام المنابر الإعلامية في ألمانيا. فرغم عدم تمكنها من جلب خدمات النجم العالمي ليونيل ميسي (الذي رفض عرضا قياسيا وفضل الانضمام لنادي ميامي الأمريكي)، فقد استطاعت إقناع نجوم آخرين للعب في الدوري السعودي، كان أولهم كريستيانو رونالدو الذي التحق بنادي النصر (يناير/ كانون الثاني 2023)، تبعه التحاق كريم بنزيمة (حامل الكرة الذهبية) باتحاد جدة، تزامنا مع اندماج عالمي ثلاثي غير مسبوق في رياضة الغولف بين "لايف غولف" المدعوم من صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورابطة لاعبي الغولف المحترفين ومقرها الولايات المتحدة  إضافة إلى موانئ دبي العالمية.

الصندوق السيادي السعودي الذي تتجاوز أصوله 620 مليار دولار، اعتمد سياسة تقوم على جلب نجوم "الساحرة المستديرة" من الصف الأول على مستوى العالم. ويرى معلقون غربيون أن ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان يهدف بذلك إلى استمالة الشباب السعودي إلى إصلاحاته من جهة، ولكن أيضا إلى تحسين صورة المملكة في العالم بعد الانتقادات العالمية الواسعة التي طالتها في مجال حقوق الإنسان، خصوصا بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي. غير أن هناك من يعتبر أن للمملكة طموحات أكبر، من بينها استضافة كأس العالم لكرة القدم في نسخة عام 2030، وإن لم تعلن بعد رسميا ترشيحها. وبهذا الصدد كتب موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (التاسع من يونيو/ حزيران 2023) معلقا "سواء تعلق الأمر بكرة القدم أو الغولف أو التزلج في الصحراء: تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في الرياضة ونجومها من الصنف الأول. وتتوقع الدولة الخليجية بذلك تحسين سمعتها الدولية، وربما تسعى أيضًا لتحويل الانتباه عن مشاكلها الداخلية".

 

صفقات قياسية ـ كرة، غولف، تزحلق ..

اندماج دوريات الغولف الأمريكية والسعودية والأوروبية كان بلا شك مفاجأة جديدة مثيرة. ويذكر أن دوري "لايف غولف" الذي أطلقته السعودية في نهاية 2021، أغرى عدداً من أبرز لاعبي الغولف العالميين بعروض مالية مذهلة، وتم تنظيم أول بطولة له في حزيران / يونيو 2022 ما أثار في حينه رد فعل غاضب من دوري "بي.جي.ايه" الأمريكي ودوري دي بي وورلد تور" الأوروبي، قبل أن تفق الأطراف الثلاثة مؤخرا.

مسائيةDW : سباق فورمولا 1 في السعودية: أكثر من تنافس رياضي؟

وهذا ليس كل شيء، رالي داكار يجوب هو أيضا ومنذ سنوات الصحراء السعودية. وفي الشهر المقبل ستنظم المملكة مهرجانا ضخما للرياضات الإلكترونية. وفي عام 2029 ستستضيف المملكة العربية دورة الألعاب الأسيوية الشتوية، وطابعها الصحراوي الحار لن يكون عائقا، بفضل الثلج الاصطناعي. وإضافة إلى ذلك تسعى المملكة خلال الأعوام القليلة المقبلة، لتنظيم كأس آسيا لكرة القدم.

وبهذا الصد كتب موقع "تاغسشاو" الألماني (التاسع من يونيو) معلقا "إن ما يبدو وكأنه مسرح عبثي، يأخذه السعوديون بجدية كاملة. وبهذا الشأن يرى الكاتب والأكاديمي جيمس دورسي، أن هناك أجندة سياسية واضحة وراء ذلك. فبمساعدة الرياضة والأحداث الكبرى، تسعى المملكة العربية السعوديةلأن تصبح قوة عالمية معترف بها دوليًا. ويستطرد دورسي موضحا أن "السعودية تسعى جاهدة من أجل تبوء مكانة بارزة على الساحة السياسية العالمية".

 

الجسور بين الرياضة والسياسة

وكالة رويترز كتبت تقريرا مثيرا (التاسع من يونيو) حول علاقة السياسة بالرياضة في المملكة، معتبرة توقيع "صندوق الاستثمارات العامة السعودي" "مع أعلى هيئة في أمريكا الشمالية مسؤولة عن لاعبي الغولف المحترفين، مؤشرا بالنسبة للبعض على الانتهاء من تأهيل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمساعدة الولايات المتحدة، بعد خمس سنوات من قتل الصحفي جمال خاشقجي الذي تعتقد أجهزة المخابرات الأمريكية أن الأمير أصدر الأمر بتنفيذه". الاتفاق يشمل اندماجا ثلاثيا بين رابطة لاعبي الغولف المحترفين ومقرها الولايات المتحدة وجولة موانئ دبي العالمية (دبي وورلد تور) وليف غولف المنافسة المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.

كريستيانو رونالدو يلعب في نادي النصر السعودي

اتفاقية الغولف هذه، تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمملكة، ورغم أن بلينكنأكد أن مشاوراته مع المسؤولين السعوديين شملت أيضا قضايا حقوق الإنسان، إلا أن عدة منظمات حقوقية رأت في صفقة الغولف، دليلا إضافيا على أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اختارت المصالح على حساب حقوق الإنسان. ونقلت رويترز عن سيث بيندر المدير في "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" قوله "بالنسبة لي، فإن أهم استنتاج هو أن بي.جي.إيه (رابطة لاعبي الغولف المحترفين) لم تكن لتفعل هذا أبدا لو لم يكن بايدن قد ذهب إلى جدة وأعاد الاعتبار لمحمد بن سلمان". من جهتها قالت سارة ياجر مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" في واشنطن إنه مع "تودد" الولايات المتحدة القوي للسعودية، تحصل الرياض على التعاون الذي تريده من واشنطن دون أن تضطر لإجراء إصلاحات في مجال حقوق الإنسان".

 

قلق "بايرن" من تدفق الأموال الخليجية

عبر أولي هونيس، الرئيس الفخري لنادي بايرن ميونخ الألماني عن قلقه بشأن الانتقالات المستقبلية للنادي البافاري، وأكد أنه يتعين على النادي إيجاد حول بديلة أمام الضغوط المالية للدول الخليجية. وقال على هامش فوز مانشستر سيتي بدوري أبطال أوروبا "أنا قلق جدًا بشأن ما يأتي من السعودية، يبدو أن لديهم أموالًا لا نهاية لها". يذكر أن النادي الإنجليزي مملوك لمجموعة سيتي فوتبول، المملوكة بالأغلبية للعائلة الحاكمة لإمارة أبو ظبي. واستطرد هونيس موضحا (11 يونيو) "لن يكون الأمر سهلاً بالتأكيد في السنوات العشر القادمة".

قلق هونيس تبرره رغبة مستثمرين من الشرق الأوسط في شراء أندية أوروبية أخرى فهناك على سبيل المثال لا الحصر، شائعات بشأن رغبة قطر (التي تملك باريس سان جرمان) في شراء نادي مانشستر يونايتد والسعودية لنادي ليفربول. وسبق لهونيس أن عبر عن قلقه في حوار مع صحيفة "نيو بريس" الألمانية في فبراير/ شباط الماضي، معتبرا أنه حينما يتعلق الأمر بالمال من جانب المستثمرين، فإن ذلك يؤدي لمشكلتين رئيسيتين: "حقيقة أن إجراءات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ( يويفا ) في اللعب المالي النظيف لا تجدي نفعا، كما أن قاعدة 50+1 في ألمانيا تغلق الباب في وجه المستثمرين في الدوري الألماني". وهي قاعدة تنص على ضرورة احتفاظ الأندية الألمانية بنسبة الأغلبية في التصويت، وكذلك نسبة 50 +1 بالمئة من الأسهم، وذلك لمنع المستثمرين الأجانب من السيطرة على تلك الأندية. وبهذا الصدد قال هونيس "سنؤيد إسقاط قاعدة 50+1 ، لأننا بعيدون للغاية عالميا".

"قوة ناعمة" أم "غسيل الرياضي"

تتراوح تحليلات المعلقين بين توصيف السياسة الرياضية لولي العهد محمد بن سلمان على أنها بناء لـ"قوة ناعمة" للمملكة و بـ"الغسيل الرياضي". فالتوصيف الأول يحيل إلى بناء علاقات نفوذ وتأثير تمنح للمملكة مكانة دولية مرموقة تساعدها في التأثير في القرار الدولي أو على الأقل جعل صناع هذا القرار يراعون مصالح المملكة. أما "الغسيل الرياضي" فالمقصود به استثمار الدول الغنية (غير الديموقراطية) في الرياضة لتلميع صورتها وتحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية خصوصا المتعلق منها بالاستبداد وحقوق الإنسان.

وبهذا الصدد كتب موقع "شبورت شاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (13 يونيو) معلقا "تتمثل استراتيجية "الغسيل الرياضي" في استخدام الأحداث الدولية والرياضيين البارزين لصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان (..) إن تغطية الصحف الشعبية لأسلوب حياة رونالدو الفاخرة، وتعايشه كغير متزوج مع شريكته جورجينا رودريغيز، وصور السيدة رودريغيز في البيكيني على إنستغرام، تساهم جميعها في تقديم المملكة العربية السعودية نفسها على أنها مجتمع أكثر ليبرالية من الناحية الاجتماعية ولم يعد ملزمًا بشكل صارم بالأعراف الإسلامية" واستشهد الموقع في ذلك بدوره برأي الخبير جيمس دورسي.

 

الرياضة أداة للانفتاح واستقطاب الشباب

كتب موقع "فيلت" الألماني (التاسع من يونيو) قائلا "تحاول السعودية أن تصبح لاعباً كبيراً في عالم الرياضة وبسرعة. فبهذا، يسعى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أيضًا إلى كسب جيل الشباب في البلاد". وبالفعل ارتفعت تنافسية الدوري السعودي لكرة القدم في السنوات الأخيرة بشكل مثير، يحظى بمتابعة إقليمية وعربية. يذكر أن أكثر من نصف سكان المملكة لا تتجاوز أعمارهم ثلاثون عاما. وقد أثار المنتخب السعودي اهتمام العالم خلال مونديال قطر الأخير، حين تمكن من هزيمة نظيره الأرجنتيني بقيادة ليونيل ميسي في دول المجموعات. ويذكر أيضا أن السعودية فازت بكأس آسيا ثلاث مرات.

أما النفقات السخية في صفقات خيالية لجلب النجوم العالميين، فتُفسر بتدفق المداخيل النفطية الهائلة إلى الخزائن السعودية، خصوصاً منذ العام الماضي حين أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع قياسي لأسعار النفط. توجه نحو الشباب، لا يمكن فهمه إلا في سياق سياسة ولي العهد محمد بن سلمان منذ أن برز اسمه في المشهد السياسي السعودي عام 2017، حيث انتهجت المملكة سياسة انفتاح اجتماعي واقتصادي شامل وهي التي ظلت منغلقة داخل سياج صارم من التقاليد الدينية والاجتماعية منذ عقود.

غير أن هناك من المعلقين من كتب بتهكم حول "حرق الأموال المعفاة من الضرائب" كما عنونت صحيفة "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (العاشر من يونيو) بقولها "لعله من حسن الصدف أن يتواجد في مدريد ولندن، على سبيل المثال، بعض من الرجال الشباب إلى حد ما، يفكرون في إعادة ترتيب مستقبلهم المهني، لأن رواتبهم تستطيع بالكاد تغطية حاجياتهم. يمكن بالفعل مساعدة كريم بنزيمة مثلا. تم كشف النقاب عن انضمام اللاعب الفرنسي لاتحاد جدة، في حفل يوحي بأن كل شيء يمكن أن يكون جريمة في السعودية، لكن يبدو أن الألعاب النارية ليست كذلك".

حسن زنيند