1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حوار الموسيقى

١٧ أبريل ٢٠١٠

الموسيقى هي تعبير صوتي لمشاعر داخلية ووقعها ينساب إلى الروح لا إلى الأذن كما هو مستساغ عند الكثيرين. والآلات الموسيقية لها مزاج البشر، تتكلم بشعور العازف وتكشف أسراره وعواطفه بوضوح.

https://p.dw.com/p/Myho
تمتاز الموسيقى الكلاسيكية بحضور قوي لآلة البيانوصورة من: picture-alliance / akg

رغم أن الشعوب تحاول جاهدة في ظل نظام العولمة الحفاظ على ثقافتها وخاصة الموسيقية منها، نشأت نتيجة تأثير الثقافات في بعضها البعض مدارس موسيقية عالمية دخلت كل بيت في هذا الكون، كما نشأت مدارس جديدة في الفنون الأخرى، مثل الفنون التشكيلية والنحت والعمارة والمسرح والأدب. ولكن الموسيقى تُعتَبَر إلى جانب الشِّعر والفن المعماري من أهم أركان التراث الثقافي الذي يحدد هوية ثقافة المجتمعات ويُميّزها عن غيرها ويعكس مدى تطورها. ويعبر مستوى اندماج الثقافات في ركب المَدَنيَّة حسب الفيلسوف كونفوشيوس عن مستوى تطور الموسيقى فيها:"إذا أردت أن تتعرف على بلد ما وتَطَلع على مدى رقيه وتطوره، عليك أن تسمع موسيقاه".

التجديد حيويّة حتى في المُجردات

كل موروث ثقافي معرض للتجديد حتى ولو كان مجرّداً، لأنه كان يوماً من الأيام جديد عصره ولكنه كان أيضاً مبنياً على أسُس ما سبقه، ولكن التجديد بحاجة إلى الاحتكاك الدائم والتحاور مع الآخر والاندماج معه أحياناً. وحتى لا يتحول هذا التجديد إلى تشويه للموروث التراثي أكثر مما هو تجديد له، يجب تفهم الموروث بالدرجة الأولى ثم توظيف الجديد الداخل عليه في المكان والزمن المناسبين، وبما أن الموسيقى هي بحد ذاتها حيوية، أي أنها متحولة وليست ثابتة، فهي قابلة للتأثر والتحول واستيعاب أي تجديد دون أن تفقد هويتها الأساسية.

التأثير الموسيقي المتبادل بين الشرق والغرب

يعتبر تأثير الموسيقى العربية على الأوروبية تاريخياً بحد ذاته و يعود إلى القرن الثاني عشر والثالث عشر. في ذلك الحين تكونت الموسيقى الغربية الحديثة "الأوركسترا السيمفونية" التي استفادت بشكل واسع من التراث الموسيقي الشرقي ومن نظريات الموسيقى المدونة والمستخدمة في ذلك العصر في بلاد العرب وخاصة في بلاد الهلال الخصيب. مثال على ذلك "إيقاع الأربع حركات" المعتمد عليه في تأليف قالب "السماعي الثقيل" فهو قريب من قالب "السيمفونية الحديثة" التي تبني إيقاعها أيضا على "أربع حركات". وهكذا استفادت أيضاً موسيقى الجاز من الارتجال الموسيقي "إمبروفيزيشين" أي التقاسيم المرتجلة في الموسيقى العربية.

Laute
يرمز العود إلى الموسيبقى الشرقية عموما والعربية خصوصاصورة من: picture-alliance / imagestate/HIP

وكما يؤكد عازف العود العراقي، الموسيقار رائد خوشابا، المقيم منذ سنة 2000 في ألمانيا، في سياق حديثه للدوتشه فيلله: "يعود تدوين الموسيقى الشرقية إلى حضارات الشرق القديمة، فعندما عرف السومريون آلة القيثارة ذات الأحد عشر وتراً منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة، عرفوا أيضا التنظير الموسيقي وأوجدوا ألحاناً كانت تمارس في طقوسهم الدينية وممارساتهم اليومية. وهذه التقنية في تدوين الموسيقى نقلت عبر العصور إلى أوروبا." ويضيف قائلاً: " إن تأثير الموسيقى العربية على الأوروبية يعود إلى عصور الحضارة العربية الإسلامية وبالأخص في الحضارتين الأموية والعباسية، وكما هو معروف لدى أغلب الباحثين الأوربيين قصة دخول آلة العود إلى أوربا عبر الأندلس. وقد عمل الأوربيون بعد ذلك على تطوير صناعة هذه الآلة بوضع حلقات الدساتين وإضافة أوتار عديدة لها وصناعتها بأحجام مختلفة."

ولكن لا يبقى التأثير أحادي الجانب وإنما كان وما زال هناك تأثير موسيقي غربي على الموسيقى العربية. فهناك عناصر موسيقية من ثقافات أخرى تربعت في حضن الموسيقى العربية أو الشرقية عامة، فنسمع موسيقى الجاز الشرقي وموسيقى الراب و البوب العربي أو التركي والإيراني. ورغم اختلاف البناء الموسيقي الشرقي عن الغربي، فهناك تشابه في المقامات بين الشرق والغرب وهنا يؤكد أيضاً الموسيقار رائد خوشابا، أنه يوجد عدة مقامات فيها أوجه التشابه من حيث الأبعاد بين الدرجات الموسيقية مع المقامات الغربية مثل: "مقام العجم" و"مقام النهاوند" ويقابلهما في الموسيقى الأوربية المقام الكبير المسمى "الميجور" والمقام الصغير المسمى "المينور".

عصر الإنترنت ألغى الحواجز بين الأمكنة وبالتالي بين الثقافات

Sängerin Hindi Zahra qrious Music
تمزج المغنية المغربية زهرة هندي في أغانيها بين الموسيقى الإفريقية والغربيةصورة من: Hassan Hajjaj

إن التطور التكنولوجي وعصر الإنترنت جعلا المعلومات تسافر من شاطئ لآخر دون جواز سفر. وما قدمه الرحّالة والمترجمون إلى البشرية في نقل الثقافات من مكان لآخر في عصور غابرة، تقدمه التكنولوجيا الحديثة في هذا العصر. وبذلك يكون عصر الإنترنت قد ألغى الحواجز بين الأمكنة وبالتالي بين الثقافات، فما عاد هناك بُعدٌ وابتعاد، وإنما تتشابه الأشياء وتتقارب الأحاسيس. فليس هناك فرق فيما إذا كنت تتكلم اللغة العربية أو لغة أخرى، إذا كنت عربياً أم أنك من مكان آخر، الموسيقى وحدها هي لغتك العالمية، فهي اللغة الوحيدة التي تفهمها جميع الشعوب على اختلاف ثقافاتهم.

آخر الكلام:

عندما أتقبل الآخر يعني أنني أتقبل ثقافته، وإحدى أهم مكونات الثقافة هي الموسيقى والتي هي كماء النهر تسيل من مكان لآخر وتعبر الحدود بين ثقافات مختلفة وتجعلها تتلاقح مع بعضها البعض وبالتالي تبقى الموسيقى المكان الوحيد لاحتضان الروح ولقاء الجسد مع المشاعر بغض النظر عن الانتماءات العرقية. فالموسيقى هي بوتقة للحوار بين الثقافات لأنها وقبل كل شيء لا تحتاج إلى مترجم.

الكاتب: فؤاد آل عواد

مراجعة: منى صالح

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد