1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

إنتسنسبرغر في الثمانين: جذوة فكرية لا تعرف الخمود

٢٢ نوفمبر ٢٠٠٩

يُعتبر هانز ماغنوس إنتسنسبرغر من أنشط الكتّاب الألمان وأغزرهم إنتاجاً. بقصائده السياسية أصبح نجماً لامعاً في الخمسينيات، واليوم - ورغم بلوغه الثمانين - ما زالت آراؤه، حول الإرهاب مثلاً، تثير الجدل الشديد.

https://p.dw.com/p/KcaI
رغم بلوغه الثمانين ما زال إنتسنسبرغر يدلي بدلوه بحماس في النقاشات السياسية والفكرية في ألمانياصورة من: picture-alliance/ dpa

"إنني أعتبر الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة التي تسيّر أعمال تلك الطبقة خطراً على العالم لأن هدفهما السيطرة عليه: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً." – هذه الكلمات لم يكتبها كاتب عربي قومي أو مفكر من العالم الثالث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو حرب العراق؛ كلا، لقد كتبها الشاعر الألماني هانز ماغنوس إنتسنسبرغر عام 1967 بعد عودته من الولايات المتحدة. آنذاك هُوجم إنتسنسبرغر باعتباره يسارياً متطرفاً ومعادياً لأمريكا، أما الآن - وبعد مرور أربعة عقود على تلك الكلمات – فقد تغيرت مواقفه، حتى أنه يُتهم بمغازلة اليمين والطبقة الحاكمة في أمريكا.

إنتسنسبرغر معروف في ألمانيا وخارجها بشعره الذهني المثير للتأمل، غير أن أهميته كاتباً نقدياً مثيراً للجدل تتعدى ربما شهرته شاعراً. هذا الكاتب هو تلميذ نجيب في مدرسة فرانكفورت النقدية، وما يميزه عن غيره من الكتاب والمفكرين هو ابتعاده عن الدوغمائية، ولذلك لا يجد غضاضة في تصحيح بعض أفكاره، بل والتراجع عنها إذا رأى أنها خاطئة، وهو ما يتجلى واضحا في موقفه من الولايات المتحدة.

من هو إنتسنسبرغر؟

ولد إنتسنسبرغر يوم الحادي عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1929. شارك في الحرب العالمية الثانية صبياً في عمر السادسة عشرة، وبعد انتهاء الحرب انهمك الشاعر الشاب في الدراسة الجامعية التي أنهاها برسالة الدكتوراه، ثم عمل مترجما ومحرراً وإذاعياً وأستاذاً جامعياً. وسريعاً اكتشف إنتسنسبرغر ولعه بالسفر، فقام برحلات مطولة إلى شرق العالم وغربه، من الولايات المتحدة إلى المكسيك، ومن النرويج إلى إيطاليا، ومن الاتحاد السوفيتي إلى كوبا. وفي عام 1957 لمع اسمه شاعراً سياسياً عندما نشر قصيدته المشهورة "دفاع عن الذئاب". ومنذ ذلك الحين وهو يؤدي دوراً شديد الحيوية في الحياة الثقافية الألمانية، بل إن الكاتب يورغ لاو الذي ألّف مؤخراً كتاباً عن إنتسنسبرغر، يعتبر أن حياته تمثل "انعكاساً فكرياً لتاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية".

الإرهابي ليس إلا خاسر راديكالي

Buchcover Hans Magnus Enzensberger: Schreckens Männer
غلاف كتاب إنتسنسبرغر: الخاسر الراديكالي

كثيرة هي النقاشات السياسية والفكرية التي خاضها الكاتب منذ الخمسينيات، مثل النقاش حول إعادة التسلح والنازيين القدامى واليسار الجديد والحرب في العراق. وقبل ثلاث سنوات اشتعل جدل ساخن حول نظرياته بخصوص ظاهرة الإرهاب الإسلاموي، وذلك عندما أصدر كتابه "رجال الرعب". في هذا الكتاب (دار "زوركامب" 2006) حاول إنتسنسبرغر فهم نفسية "الخاسر الراديكالي"، سواء كان شخصا مختلا نفسيا يقوم بإطلاق النار عشوائيا على مَن حوله، أو متطرفا "إرهابياً" يفجر نفسه ومن حوله لأسباب سياسية في الغالب. ولكن، هل هناك فعلا ما يجمع بين التجليات المختلفة للخاسر الراديكالي؟ وهل يكفي مفهوم "الخاسر" لشرح أبعاد الإرهاب الإسلاموي مثلا؟ هل يكفي أن يكون المرء خاسراً متطرفاً حتى ينقلب إلى قنبلة موقوتة؟

هل هناك ما يجمع بين النازيين والإسلامويين؟

Adolf Hitler
يرى إنتسنسبرغر أن هتلر وقادة النازية "خاسرين راديكاليين" تماماً كالإرهابيين الإسلامويينصورة من: AP

يرى إنتسنسبرغر أن النظام السياسي المعولم يؤدي إلى زيادة عدد الخاسرين يوما بعد يوم. وتختلف طريقة تعامل هؤلاء الضعفاء والمهزومين مع فشلهم وإحباطهم وهزيمتهم. والخطورة في رأي إنتسنسبرغر لا تكمن في حالة الخاسر الراديكالي الفرد، بل عندما يجد وطناً من الخاسرين، أي عندما يجد مجتمعاً من أمثاله يرحب به ويحتاج إليه. عندئذ تتراكم الطاقة الهدامة الكامنة فيه، ولا يتورع عن فعل أي شيء.

هنا يقارن إنتسنسبرغر بين سمات "الخاسر الراديكالي" وسمات قادة النازية في ألمانيا، ويقول إنه في نهاية حقبة "جمهورية فايمر" اعتبرت قطاعات عريضة من الشعب الألماني نفسها خاسرة. موضوعيا لم يكن ذلك صحيحاً، كما أن الأزمة الاقتصادية والبطالة وحدهما لم تكن كافية للإتيان بهتلر على قمة السلطة في ألمانيا. كان لا بد من بروباغندا تجيد توظيف تلك الإهانة النرجسية التي تولدت لدى الشعب عقب هزيمة عام 1918 واتفاقية فرساي؛ أي أن إنتسنسبرغر يقارن بين شعور الألمان بالإهانة وسقوطهم من علٍ، وشعور العرب بالانحدار وفقدان مجد الحضارة الإسلامية التليد.

العالم العربي: منطقة تفريخ للخاسرين؟

Spanien Granada Alhambra
قصر الحمراء في غرناطة يرمز إلى الفترة الذهبية التي بلغتها الحضارة الإسلاميةصورة من: picture-alliance / dpa

ولكن لماذا يعتبر الكاتب العالم العربي منطقة تفريخ للخاسرين؟ في تقيمه يستند إنتسنسبرغر على تقرير التنمية الإنسانية الذي وضعته لجنة عربية تابعة للأمم المتحدة، ويؤكد خصوصا على انعدام الحريات وتدهور وضع المرأة وضعف موازنة البحث والتنمية. ويتساءل إنتسنسبرغر: كيف وصلت الحضارة الإسلامية إلى هذه الدرجة من الانحطاط بعد فترة الازدهار التي بلغت ذروتها قبل ثمانية قرون؟ ذكرى ذلك المجد التليد تحولت لدى عديدين إلى يوتوبيا ذهبية، عندما يتذكرونها يشعرون بالحسرة لزوالها. هذا "السقوط من علٍ" يراه إنتسنسبرغر تفسيراً لمحاولة المرء في العالم العربي البحث عن قوى خارجية وإلقاء الذنب عليها – ولهذا – يضيف الشاعر – يحمّل العرب سلسلة طويلة من الغزاة مسؤولية انحدارهم: من السلاجقة عبر الصليبيين والمغول وصولا إلى العثمانيين والفرنسيين والإنكليز. أما في العصر الراهن فإن العرب يرجعون وضعهم البائس إلى "الشيطان الأعظم" أو إلى المحتلين والمستعمرين. ويتساءل إنتسنسبرغر: ولكن لماذا يختلف وضع الهنود والصينيين أو الكوريين عن العرب، رغم أنهم عانوا وطأة الغزاة والمحتلين والمستعمرين؟ لماذا نجحوا في مواجهة تحديات الحداثة، وأصبحوا فاعلين على الساحة الدولية؟

هذه الآراء أثارت جدالاً كبيراً في ألمانيا وصل صداها إلى العالم العربي. غير أن إنتسنسبرغر بقي على هدوئه لأنه يرى أن مهمة المفكر هي أن يثير النقاش والجدل، وليس بالضرورة أن ينال إجماعا حول آرائه.

الكاتب: سمير جريس

مراجعة: طارق أنكاي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد