1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الاتحاد العام للشغل – مصدر قوة لديمقراطية تونس أم عبء عليها؟

١٧ يناير ٢٠١٩

توقفت حركة النقل وأصيبت العديد من القطاعات بالشلل في تونس بعد إضراب دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، فهل مطالبه مبررة وسط مناخ سياسي مشحون في مطلع سنة انتخابية؟ ما هو رأي المحللين؟

https://p.dw.com/p/3Bk86
Tunesien Arbeiter Generalstreik in Tunis
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Nasraoui

إضراب عام في تونس.. شلل في الخدمات وترقب للتبعات

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الخميس (17 كانون الثاني/ يناير 2019) عن أضراب في المؤسسات الاقتصادية والوظيفة العمومية. ويأتي الأضراب احتجاجا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة، ومطالبا بزيادة الأجور في مناخ سياسي مشحون في مطلع سنة انتخابية.

ودعا الاتحاد لأضراب الخميس يشمل 677 ألف من الموظفين الحكوميين وحوالى 350 الف من القطاع العام ما يمثل نحو ربع السكان العاملين في البلاد. ورفض الاتحاد مقترحا تقدمت به الحكومة ويقضي بزيادة 70 دينارا (20 يورو) في 2019 و110 دينار (33 يورو) في 2020 بداعي ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ 7,5 في المئة في 2018. ويبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي التونسي حوالى 1580 دينارا (حوالى 500 يورو)، وفقا لتقرير رسمي.

أثارت الأحداث الأخيرة في تونس وتصعيد الاتحاد التونسي العام للشغل، مزيدا من الانقسام بين المراقبين في وسائل الإعلام التونسية حول دور الاتحاد التونسي للشغل، إذ يرى البعض أنه يدافع عن حقوق التونسيين، خاصة الطبقة العاملة منهم، وأنه يعطي إنذارا للحكومة كي تخرج بالحلول وتلبية المطالب وفق رأيهمفيما يرى آخرون أن الاتحاد التونسي، ربما يسعى عبر دعواته للإضراب إلى طرح نفسه كبديل سياسي، وهم يرون أنه يحول القضية إلى قضية سياسية والهدف من ذلك هو انهاك الائتلاف الحاكم قبل موعد الانتخابات القادمة.

ولم يكن أضراب اليوم هو الأول، ففي 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، نفذ موظفو المؤسسات الحكومية في تونس إضرابا عاما للمطالبة بالأمر نفسه. فيما يتزامن الإضراب الحالي مع تزايد التجاذبات السياسية في البلاد مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية العام الجاري 2019.

ويعد الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة نقابية ديمقراطية مستقلة عن كل التنظيمات السياسية في تونس، وتأسس في 20 يناير 1946 ويستمد الاتحاد شرعيته وقوته من القواعد العمالية. ويُنظر إلى الاتحاد على أنه قوة نقابية ضحمة لا يمكن تحييدها عن المشهد السياسي، إذ يضم نحو ٥٠٠ ألف عضو في معظم القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية. كما إن للاتحاد تاريخا من الشد والجذب، بلغ حد الصدام، مع جميع الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد.

"عبء على الديموقراطية"

واعتبر الإعلامي التونسي زياد الهاني أن دور الاتحاد العام التونسي للشغل بات عبئا على الديمقراطية الناشئة في تونس، وأنه أصبح يهدد مكتسبات الدولة المدنية والنظام الجمهوري. فالدولة المدنية والنظام الجمهوري مبنيان على القانون والمؤسسات.

وأوضح الهاني في حوار خاص لـ DW عربية قائلا: "عندما تقوم منظمة في وزن الاتحاد العام للشغل بكل ما له من رصيد تاريخي باستغلال ضعف الحكومة لكى تدوس على القانون، فيعتبر ذلك ضربا لدولة القانون وبالتالي ضربا لأسس الدولة المدنية والديموقراطية، ولا يعكس سوى ضعف الثقافة النقابية"، على حد قوله.

"ضربة للاقتصاد التونسي"

ويفرق الهاني بين شرعية المطالب وبين آليات تحصيلها تعليقا على تأثير الإضراب على الاقتصاد، فحسب آخر الدراسات كانت نسبة التضخم الفعلية في نهاية 2018 قد تجاوزت الأرقام التي قدمتها الحكومة وبلغت 10 بالمائة. وانعكس هذا التضخم بالإضافة إلى انخفاض سعر الدينار أمام العملات الأجنبية على الاقتصاد التونسي وعلى مستوى المعيشة. ونتيجة المطالب النقابية، فإن الحكومة تضطر للاستدانة لتلبية تلك المطالب، كما أكد الهاني. ويضيف قائلا:" لا أحدث يتحدث عن الإنتاج أو زيادة الثروة لتلبية تلك المطالب".

وأضاف: يتضح اليوم أن هناك أطراف سياسية ضعيفة شعبيا تدعم النقابة وأتت بنتائج هزيلة في الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2018، وهذه الأطراف السياسية متحكمة في النقابات وقراراتها".

وبحسب الهاني فإن كل من تلك الأطراف السياسية له أجندته وحساباته الخاصة، ويعتقدون أنه" لن تتم الثورة إلا بكسر مؤسسات النظام السياسي والاقتصادي الحالي وأنه بإمكانهم الاستيلاء على الحكم بالإطاحة بالنظام الحالي بمؤسساته".

على الرغم من أن البعض يقولون إن مطالب الاتحاد اليوم ليست بمطالب سياسية إلا أن الهاني يرى عكس ذلك، إذ يقول إنه "عادة ما يُستغل الغطاء الاجتماعي كغطاء لتبرير الموقف السياسي"، ويضيف" المشكلة أننا نسمع خطابا أو شعارات في جهة لكن عندما نتابعها في الواقع نجد أنها ليست سوى شعارات مغلفة لمطالب سياسية."

تاريخ نضالي طويل

ينشط الاتحاد أساسا في القطاع العام. كما يملك الاتحاد صحيفته الخاصة وهي الشعب. وجاء تأسيس الاتحاد بعد فشل محاولتين سابقتين لتأسيس منظمة نقابية وطنية في العشرينات ثم الثلاثينات. وبقي الاتحاد المنظمة النقابية الوحيدة على الساحة التونسية بعد الاستقلال رغم محاولات للخروج عليها وتأسيس منظمات أخرى هي: الاتحاد التونسي للشغل في الخمسينات والاتحاد الوطني التونسي للشغل في الثمانينات، والجامعة العامة التونسية للشغل عام 2006، نقلا عن موقع الاتحاد الرسمي.

والاتحاد هو أحد مكونات رباعي الحوار الوطني الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في 2015 لنجاحه في الخروج بتونس من أزمتها السياسية عبر الحوار الوطني والتوصل للمصادقة على دستور تونس 2014 وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية.

ومن جانبه يرى الدكتور عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ السياسي بجامعة تونس، في حواره لـ DW عربية قائلا إن الاتحاد لديه "تقاليد وثقافة نضالية واسعة في الأضراب أو الاعتصام.. وما حدث اليوم هو جزء من النضالات التي قام بها منذ تأسيسه". وتأتي إضرابات اليوم لقطاعين فقط هما قطاع الوظيفة العمومية والقطاع العام وهما يمثلان العمود الفقري للاتحاد، وبالتالي فهو ليس أضرابا عاما بالمعنى الدقيق كما أكد المحلل السياسي.

ويتفق الحناشي مع الهاني في أن الأضراب يضر بالاقتصاد وستكون له  تداعيات غير محمودة على الاقتصاد التونسي، إذ أن القطاع العام كله في حالة أضراب اليوم. ويقول:" في النهاية فالإضراب حق دستوري، لكن تداعياته ليست اقتصادية فقط وإنما سياسية أيضا باعتبار أنه موجه أيضا ضد الحكومة الحالية التي ترددت أو لم ترغب في تحقيق مطالب الاتحاد."

ونفى الحناشي، أن يكون وراء الاتحاد أي مصالح أخرى، مشيرا إلى أنه لا توجد معطيات تدل على ذلك فهو منظمة مستقلة وديموقراطية. وأوضح الحناشي أن أضراب اليوم لم يكن أضرابا سياسيا في شكله ومضمونه وإنما كان ذو طابع اجتماعي. فإذا استجابت الحكومة لمطالب الاتحاد كان بالإمكان تجنب هذا الأضراب.

ويلعب الاتحاد التونسي للشغل دورا نقابيا للدفاع عن حقوق العمال والموظفين، ويتم الاستعانة به أيضا عندما يستعصى الأمر على الأحزاب السياسية، وهذا ما حدث مثلا في قضية الحوار الوطني وفي وثيقة "قرطاج 1" و"قرطاج2 ".

فيما ذكر الدكتور عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ السياسي بجامعة تونس، أنه لا يعتقد في أن الاتحاد يمثل خطرا على الديموقراطية بل إنما "هو داعم لها، لكن المشكلة تكمن في ضعف الأحزاب السياسية في تونس".

سارة إبراهيم