1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الاندماج في فرنسا وبلجيكا.. الحل في النموذج الأمريكي؟

إليزابيث بايرانت (مولنبيك/ سيفران)، ملهم الملائكة ٩ أبريل ٢٠١٦

أشعلت الهجمات الإرهابية في بروكسل النقاش بشأن الاندماج في بلجيكا وفرنسا. فالبلدان تتشابه ظروفهما ويقفان على رأس الدول الأوروبية المصدرة للـ"جهاديين" في سوريا والعراق. فهل الاندماج على الطريقة الأمريكية هو الحل؟

https://p.dw.com/p/1IR9x
Belgien Schweigeminute nach den Anschlägen in Brüssel
صورة من: DW/E. Bryant

نساء بالحجاب ورجال بالزي التقليدي لشمال إفريقيا، يمثلون مظهر الحركة الأهم في أحد الشوارع التجارية المزدحمة. وبالقرب منه يوجد متجر للمسلمين يشهد إقبالا كبيرا حيث تباع كتب وسجاجيد الصلاة ومصاحف. وبعد المتجر بعدة مبان توجد مجموعة من الشبان يرتدون "الكورتا"، الجلباب التقليدي لجنوب آسيا، ويلعبون الكريكيت في باحة كنيسة ضخمة. مرحبا بكم في حي مولنبيك ببروكسل عاصمة بلجيكا. هذا الحي يذوب فيه مهاجرون من أكثر من ست أمم مختلفة، حيث الصراع على أشده، فمعدل البطالة يصل هنا إلى 50 بالمائة بين الشباب، ولعل هذا يرتبط بالسمعة، التي تلتصق بالحي في السنوات الأخيرة بأنه "عاصمة الجهاد" في أوروبا.

هذا الحي بات بؤرة للتطرف، فمولنبيك الواقع على مسيرة نصف ساعة على الأقدام من قلب بروكسل المعروف بـ"غراند بليس" قد يصبح في القريب "غراوند زيرو" الأوروبية ( في إشارة إلى منطقة برجي مركز التجارة العالمي، اللذين دمرتهما هجمات 11 سبتمبر في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية).

إلى حي مولنبيك عادت أعداد كبيرة من "الجهاديين"، الذين قاتلوا في سوريا. وفي هذا المكان كبر وترعرع عدد من المتطرفين، يعتقد أن لهم صلات بهجمات باريس وبروكسل. لكن الأهم هو أن مولنبيك هو انعكاس لأوروبا، متعددة الثقافات، التي تتغير. ويتطلب التغيير السريع فيها إعادة نظر في قضية الاندماج.

شعور الانتماء

الاندماج في نظر البعض هو شعور بالانتماء ينمو في محلة ما أو مدينة، أو حتى في أمة ما. فيما يؤمن البعض بأنّ الاندماج يعني مغادرة أنماط التشبّه والاحتواء التقليدية وتبني أسلوبا أكثر "تأمركا" تجاه قضايا الدين والتعدد الثقافي، بما يعكس واقع الذوبان والانصهار الأوروبي اليوم.

"ليس المهم أن تضعي على وجهكِ نقابا، المهم ما يدور في رأسكِ"، تقول خبيرة علم الاجتماع كورينه توريكينس المتخصصة بالمجتمعات الإسلامية في جامعة بروكسل الحرة. "لابد أن نتخلص من الجدل حول الحياد والعلمانية في بلجيكا وأن نعترف ونقبل بمجتمعنا متعدد الثقافات بكافة مظاهره. وهذا لا يجري بمجرد شرب الشاي المنعنع وتناول "البيتا"، (الخبز التركي التقليدي)."

Belgien Schweigeminute nach den Anschlägen in Brüssel
الحزن على ضحايا هجمات بروكسل وباريس الارهابية.صورة من: DW/E. Bryant

نفس الجدل يدور اليوم في الجوار الفرنسي، بما يعكس كافة المشتركات بين البلدين. فكلاهما يتصدران قائمة الدول الأوروبية، المصدّرة للمقاتلين " الجهاديين"، وكلاهما يئنان تحت ضربات الهجمات "الإسلاموية" الإرهابية، التي ما برحت تزداد تعقيدا. وكلاهما يكافحان من أجل التوفيق بين المجتمعات العلمانية الخاصة بهما وبين مجتمعات المهاجرين المسلمين المتدينة، الموجودة بكثرة ووضوح وسط المجتمع الفرنسي والمجتمع البلجيكي.

الخطأ في المجتمع

"القضية لا تتعلق بعدم اندماج المسلمين، القضية هي أن المجتمع لا يُدمج المسلمين بنسيجه"، كما يقول الكسندر بيتره، وهو خبير اجتماعي ضمن مجموعة خبراء ومستشاري "المجتمعات والأديان والعلمانية "، التي تتخذ من باريس مقرا لها.

إلى أي حد ترتبط مشكلات الاندماج المشار إليها بالإرهاب؟ يبقى موضوعا خاضعا للجدل. ويشير خبراء إلى أنه ليس هناك سوى نسبة ضئيلة من المسلمين البلجيكيين والفرنسيين تميل إلى الإسلام الراديكالي. وهناك أيضا آخرون ممن اعتنقوا الإسلام، (يميلون للتطرف)، رغم أنهم نشأوا في عائلات مسيحية أو علمانية، ذات جذور محلية تمتد إلى أجيال.

وفيما يواجه البلدان مشكلات متشابهة، فإن لهما موروثا استعماريا مختلفا، ارتبط بتباين أساليب استقبال وتوطين سكان المستعمرات، الذين هاجروا إليهما في خمسينات وستينات القرن الماضي وباتوا جزءا من مجتمعات البلدين.

في بلجيكا ، عاش العديد من المهاجرين وأولادهم في أحياء المدينة الرثة المشابهة لحي مولنبيك، منفصلين ثقافيا عن كل ما حولهم، لكنهم مرتبطون جسديا بالمحيط المدني الأوروبي.

وخلافا لذلك، عاش كثير من أبناء الإثنيات (العرقيات) المهاجرة إلى فرنسا في الضواحي الفقيرة، التي تحلقت حول مدن مثل باريس، حيث تعمق البطالة ومشكلات التنقل الشرخ المكاني مع محيطهم.

وفي هذا الصدد يؤكد اريك كوريجن أستاذ الدراسات الحضرية بجامعة بروكسل الحرة أنه يتوفر في المناطق القريبة من غراند بالاس في بروكسل "استثمارات، وبرامج وبنية تحتية ذات مواصفات ونوعية أفضل من مثيلاتها في الضواحي الباريسية على سبيل المثال."

المضي قدما سويا

رغم هذا التباين، فقد شارك المسلمون في التظاهرات، التي عمت البلدين بعد الهجمات الإرهابية. ويقول لعربي عرباوي البالغ من العمر 41 عاما: "نعم أشعر أنّ الناس يشيرون نحوي بالبنان، وهذا حال أغلب الناس هنا. لكن محدودي الفكر هم وحدهم من يفكرون بهذا الشكل. وأعتقد أننا يجب أن نمضي سويا إلى الأمام."

"هناك العديد من الأطفال الذين تركوا المدرسة وهم في سن الرابعة أو الخامسة عشرة، لكنهم أطفال طبيعيون مثلنا تماما"، تقول نفيسة مزياني، البالغة من العمر 16 عاما، والتي ترتدي ملابس عصرية عبارة عن سروال "جينز" ضيق وتي شيرت أزرق طُبِع عليه باللغة الانكليزية عبارة "الشارع الخامس"، (في إشارة إلى الشارع الشهير بواشنطن).

Belgien Nafisa Mezian in Brüssel
نفيسة مزياني مولنبيك/ بروكسلصورة من: DW/E. Bryant

ردودر الفعل في فرنسا المجاورة لبلجيكا جاءت متباينة، فالحرب على الإرهاب ومشكلات الهوية تدفع بعض الساسة الفرنسيين إلى التأكيد أن فرنسا تضم أحياء عديدة مثل مولنبيك.

ضواحٍ فرنسية تشبه مولنبيك

ضاحية "سيفران" العمالية، التي تبعد عن العاصمة باريس بمسافة نصف ساعة بمترو الأنفاق، لحقت بها أيضا سمعة تشبه سمعة مولنبيك. ففي حي سيفران هو الآخر مجتمع مهاجرين مسلمين، من إثنيات متعددة كبيرة، ويعاني الحي من معدلات بطالة مرتفعة. وفي آذار/ مارس المنصرم اتهمت مجموعة من سكان الضاحية عمدة البلدة بأنه يغض الطرف عن تصاعد التطرف. وقد تم مؤخرا إغلاق مسجد كانوا يطلقون عليه اسم "مسجد الدولة الإسلامية" بسبب كثرة الشكاوى ضده.

ستيفان غاتينون عمدة سيفران كشف أن نحو 12 من شبان المنطقة قد سافروا إلى سوريا، لكنه عاد وقال إن أعداد "الجهاديين" في أنحاء أخرى من فرنسا أكثر بكثير من هذا العدد، مضيفا أن محاربة الإرهاب لا تقتصر على مدينة واحدة، "نحن نتحدث عن شبكة واسعة الانتشار من الإرهابيين، ونحن في حرب. وعلى كل واحد منا أن يؤدي دوره في الحرب، بما في ذلك المواطنون أنفسهم."

غاتينون مؤمن بأنه دون تغيير، ودون خلق شعور أقوى بالانتماء في صفوف المسلمين الفرنسيين، سيكون من الصعب مكافحة الإسلام المتطرف.

Frankreich Gemeinde Sevran
ضاحية سيفران قرب باريسصورة من: DW/E. Bryant

أما ياسين حلمي البالغ من العمر 32 عاما، وهو ابن لمهاجرين من المغرب، فيقول إنه يشعر بأنه فرنسي بكل معنى الكلمة، وأنه يعرف أن عديدين لا يشاطرونه هذا الرأي، ويضيف حلمي: "نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في التاريخ، ولابد لنا أن نخلق أبطالا يجسدون شخصيات الأطفال القادمين من هذه الأحياء." ويمضي المقاول والناشط المغربي قائلا: "من يشعر أنه فرنسي في الصميم لن يمضي إلى مهاجمة أهل بلده."

وينبه ياسين حلمي إلى أنّ حواره مع مهاجرين أمريكيين التقاهم في الولايات المتحدة قد صدمه: "كل مهاجر يصل حديثا إلى أمريكا يقول بلا تردد: أنا أمريكي. هم يعيشون حسَ مواطنة وانتماءٍ عالٍ لا تجد مثله هنا في فرنسا." ولعل هذه المقاربة الأمريكية التي يتحدث عنها حلمي هي الحل الأمثل لمشكلة الاندماج المستعصية في أوروبا.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات