1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العاصفة الثلجية تزيد من اشتعال أزمات السوريين

سوسن محروسة ـ دمشق١١ يناير ٢٠١٣

لم يكن في حسبان السوريين أن معاناتهم ستزداد سوءا إلى أن حلت العاصفة الثلجية ضيفا ثقيلا عليهم. DW عربية رافقت شبانا يعملون في مجال الإغاثة بدمشق وأعدت هذا التقرير عن معاناة السوريين الإضافية إثر هذه العاصفة.

https://p.dw.com/p/17Hvs
People walk past a poster featuring Syria's president in a street covered with snow on January 10, 2013 in the Syrian capital of Damascus. Snow carpeted Syria's war-torn cities but sparked no let-up in the fighting, instead heaping fresh misery on a civilian population already enduring a chronic shortage of heating fuel and daily power cuts. AFP PHOTO / LOUAI BESHARA (Photo credit should read LOUAI BESHARA/AFP/Getty Images)
صورة من: AFP/Getty Images

لم يكن قدر السوريين أن يبقوا تحت رحمة المدافع والقذائف والسيارات المفخخة، التي ما لبثت تحصد أرواحهم منذ أكثر من سنة وأحد عشر شهرا، بل جاءت العاصفة الثلجية على سوريا لتدق ناقوسا آخر من الخطر يضاف إلى قائمة الأخطار التي تحدق بهم. وقد زادت الأحوال الجوية السيئة التي ترافق هذه العاصفة من معاناتهم إلى مأساة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى.


فمفهوم الخير الذي طالما فهمه العم أبو صالح طيلة ستين عاما من عمره وهو يردد عبارة "الله يبعت الخير" مع هطول أول قطرة من مطر الشتاء متمنيا المزيد منها، تحول إلى نقمة هذا العام .فعلاوة على النكبة التي حلت به وبعائلته، بعد أن اضطرتهم أعمال العنف التي انتقلت إلى حيه (مخيم اليرموك) للنزوح إلى منزل مازال قيد الإنشاء، تأتي هذه العاصفة لتضع عبئا إضافيا عليهم. فالأمان من القصف الذي طلبوه من هذا المنزل لم يحمهم من المطر الغزير والصقيع الذي "أخذ ينخر في لحم أطفاله وزوجته"، حسب وصف أبو صالح.

كان جميع أفراد العائلة يلتحفون بالبطانيات داخل غرفة المنزل الوحيدة ويرتدون القبعات الصوفية علها تدرأ عنهم شيئا من البرد. أما دموع العم أبو صالح فكانت أبلغ تعبيرا من كلماته وهو يروي لـ DW عربية بعضا من معاناته "لقد تحملنا التجويع والتشرد والخوف ولكن لن نستطيع تحمل هذا البرد القاسي. لقد اضطررنا للخروج من المنزل بملابسنا فقط. لم نستطع أن نحمل شيئا من الأمتعة أو الملابس الشتوية البرد ينخر عظام أولادي ولا أستطيع عمل شيء لهم".

Civilians fleeing from the violence are pictured with their belongings on a vehicle in Aleppo in this January 5, 2013 file photo. As government forces fight on in parts of Aleppo, in large areas that have been under rebel control for six months or more complaints are getting louder about indiscipline among the fighters, looting and a general lack of security and necessities like running water, bread and electricity to areas that have been pounded by tanks and hit by Syria's President Bashar al-Assad's air strikes. To match Insight SYRIA-CRISIS/REBELS REUTERS/Muzaffar Salman/Files (SYRIA - Tags: CONFLICT CIVIL UNREST)
ازداد وضع اللاجئين السوريين تفاقما بسبب العاصفة الثلجيةصورة من: Reuters

سباق مع الصقيع

لم نمكث كثيرا عند العم أبو صالح. خرجنا من غرفته ونحن نتحرى في مشيتنا الأماكن الخالية من الأواني المنزلية التي فرشت بها الأرض لتلتقط حبات الماء المتساقطة من السقف الذي يدلف. كنا في سباق مع الصقيع، فقائمة العائلات المنكوبة التي تحتاج إلى مساعدة طويلة جدا. وكانت مجموعة الإغاثة تعمل جاهدة على تأمين أكبر قدر من احتياجات الألبسة والأغطية والمدافئ الكهربائية (علما أن الكهرباء تنقطع باستمرار) لهذه العائلات لتتمكن من مواجهة هذه العاصفة. فالكثير منها لا يملك ألبسة شتوية نتيجة نزوحها في فصل الصيف من منزلها وعدم قدرة رب الأسرة على تعويض عائلته بما كانت تملكه من الألبسة الشتوية بسبب خسارته لعمله.


أم محمد وأطفالها الأربعة إحدى هذه العائلات التي اضطرت إلى النزوح إثر القصف الذي طال حيهم في بلدة حرستا بريف دمشق. وبعد أن قتل زوجها جراء القصف قام بعض أقاربها بتأمين منزل صغير يتكون من غرفة واحدة لجأت إليه مع أطفالها. كانت رائحة الرطوبة والعفن تفوح من المكان وقد علا صوت سعال أطفالها وملأ أرجاء الغرفة. استقبلتنا أم محمد وهي تلبس عباءة صيفية تحتها العديد من طبقات الألبسة "ولكن ما فائدة هذه الطبقات إن كانت كلها صيفية"، قالتها بحسرة لـ DW عربية.

وجل ما تصبو إليه هذه الأرملة لأولادها الأربعة ولنفسها هو أن تحصل على ملابس شتوية فهي "كانت تدبر أمورها بهذه الملابس الصيفية إلى أن جاء هذا البرد الذي لا يحتمل، والآن هي بحاجة ملابس شتوية، ولا يهم إن كانت قديمة أو مهترئة المهم أن تكون شتوية"، تقولها وهي تغالب دموعها. ولحسن الحظ استطاعت أم محمد أن تجلب لأطفالها بعض الملابس الشتوية القديمة وتأمين مدفأة كهربائية ولكن أين الكهرباء؟ فساعات انقطاع التيار الكهربائي أصبحت تتناسب طردا مع ازدياد قساوة فصل الشتاء. هذا الانقطاع الذي لم يعد يفرق بين أحياء دمشق الراقية والشعبية،الأمر الذي أدى إلى حرمان معظم السوريين من فرصة التدفئة الوحيدة التي بقيت متاحة لهم بعد غلاء سعر المحروقات، هذا إن وجدت أصلا.

A child runs at Atma refugee camp, Syria Copyright: DW/Karen Leigh Dezember, 2012
أحد مخيمات اللاجئين السوريينصورة من: DW/K. Leigh

يبقى الرمد أهون من العمى

وعلى الرغم من الوضع السيئ الذي تعيشه أم محمد إلا أن لسانها لم يفتر عن ترديد عبارات الشكر والرضى بأنها على الأقل "وجدت هذا المنزل الذي يؤويها مع أطفالها، ويبقى حالها أفضل بكثير من جيرانها في منزلها القديم الذين لم يجدوا سوى الحدائق العامة يفترشونها بعد أن أخرجوا من ديارهم هربا من الموت"، تقولها هذه السيدة الخمسينية القادمة من منطقة ملتهبة بريف دمشق.

اضطررنا إلى إنهاء زيارتنا لأم محمد بعد أن تحولت قطرات المياه الغزيرة إلى قطع من الثلج الأبيض منذرة باقتراب العاصفة أكثر فأكثر من العاصمة دمشق. بيد أن مشهد العائلات التي انتشرت في حدائق دمشق جعل شبان الإغاثة يتوقفون مرارا لإمدادهم بما تبقى لديهم من الأغطية والألبسة الصوفية علها تقيهم شيئا من الصقيع الذي لف أرجاء المدينة. كان منظرا مخيفا فعلا إذ كانت هذه العائلات تجتمع حول بضعة قطع من الحطب قامت بإشعالها لتحصل على بعض الدفء في هذا الجو الصقيعي الذي لم تألفه دمشق منذ عقود.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات