1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تأملات في جهاد النكاح

جمال الهنداوي١١ أبريل ٢٠١٣

يرى جمال الهنداوي أن لا جدوى من الجدل حول عائدية فتوى جهاد النكاح ، ولا نفع في السخرية من رفضها الخجول من قبل السيد نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية في تونس.

https://p.dw.com/p/18ED0
صورة من: picture-alliance/abaca

العبرة –الأكثر إيلاما- هي في تلك البدع التي على شاكلة "جهاد النكاح" قد أصبحت تجد من يصغي لها ويقطع الفيافي والقفار لإتيانها في ظل كل ذلك الانفلات القيمي والأخلاقي الذي يسود الكثير من فتاوى تسليك الجهد السياسي والأمني لأحزاب الربيع السلفي.

فقد يكون اسقط في يد السادة الدعاة، ولم يعد في إمكانهم تفنيد الأنباء التي تتحدث عن فتاوى "جهاد النكاح " ولا عزوها - كعادتهم- الى مثيري الفتن ومناهضي الحق الآلهي لقوى الإسلام السياسي في حكم دنيا وآخرة الشعوب.. ولكن صمت السادة العلماء الأجلاء وسكوتهم المريب عن تلك الفتاوى لا يصلح للتغطية على الجهد المؤسسي المنظم الذي يسهل مثل هذه الجرائم ويوفر لها الإمكانات اللوجستية الملائمة والتي لا يكون للفقيه فيها إلا دور الشرعنة الزائفة لما تقرره الدوائر السياسية المنظمة لهذا الجهد.

السؤال هو: من سهّل هذا الجهاد؟

ليس مهما معرفة ما الذي دفع أولئك الفتيات إلى ذلك البغاء المشرعن بالكتب العتيقة، ولكن السؤال يجب ان يكون عمن رتب وجهز ومول نقلهن على جناح الطير لإمتاع المقاتلين في ارض الجهاد والرباط، وعن المنقبات اللواتي يتنقلن بين البيوت حاملات غوايتهن راضيات مرضيات في البلاد المحروسة بعين الله والإخوان.

لا جدوى من الخلاف حول مقترف تلك الفتوى إن كان هذا او ذاك، فهي لا تختلف عن الكثير مما تساقط علينا في سنوات الخلط المزمن للديني الزائف والمشروع السياسي الملتبس، فمن يفتي برضاع الكبير لن يعجزه الإتيان ب"جهاد النكاح" ، ولكن السؤال الآن يجب أن يكون عن التنامي المطرد لشبكات التجييش الفكري والعقائدي التي تستهدف ضبط مسارب الفقه الديني تجاه شرعنة الإسلام السياسي وتزويده بخطوط متوالية من المتاريس النصية الماضوية ، من خلال تفسير – او ولوغ - تاريخي واجتماعي مغلق للنص المقدس يضمن تكفير وزندقة المعارضة السياسية المتوقعة لمشاريع اسلمة مستقبل شعوب المنطقة.

Frauenrechtsgruppe Femen Protest in Berlin für Amina Tyler
احتجاجات نسوية عارية في برلين على فتاوى الجهاد السلفية.صورة من: picture-alliance/dpa

مثل هذه الفتاوى لا يمكن أن نعدها هفوة او سقطة أو انحرافا في مسيرة فقه الإسلام السياسي، ولا قيمة لمن أراد أن يبرر هذه الفتوى بأنها تختص بالفتيات السوريات المقيمات في سوريا اللواتي يستطعن "مؤازرة المجاهدين عبر الزواج بهم لساعات".

"التنظير لتأسيس سلطة الإسلام السياسي"

وليس مما ينزه هذا الفكر عن الممارسة المستدامة للتبرؤ من التصريحات والفتاوى التي تصفع المواطن المسلم روتينيا من قبل أساطين الكهنوت السلفي والرموز التي يعتمد عليها هذا الفكر، فالسؤال-والإدانة- يجب ان يكون عن مسؤولية ذلك السكوت الطويل عن فتاوى السبي وملك اليمين التي تزدحم بها منابر الإسلام السياسي عن هذه الجرائم، ومدى مسؤولية ذلك التبسط الكبير في استهداف الآخر الذي لا يتموضع ضمن أيديولوجيتهم إلا ضمن مواطنة ناقصة يجب ان تعاقب باستمرار على مرجعياتها الفلسفية، بل وحتى وجودها على قيد الحياة ،والذي هو أما كافر أو جاحد أو منحرف أو ضال عند الفكر السلفي الساكن المطمئن لأجوبته الأحادية الكلية للكون والحياة والتي يعد مجرد التساؤل عنها او محاولة تقديم أي بدائل للفهم تعديا على الدين ومحاربة له.

ما يجب ان نعيه هو ان مشكلة قوى الإسلام السياسي-ومأساتها- تكمن في عجزها البنيوي عن تقديم اي صيغة مستنيرة للإسلام، لأن ثوابتها الشرعية مستندة الى أسوار عالية من النصوص الملتبسة ما بين التاريخي والمقدس والمراد منها الوصول الى سدة الحكم دون النظر الى التفاصيل الأخرى، لذا فان أي محاولة لمواءمة هذا الفكر مع مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة وحرية المرأة والاعتقاد يتناقض مع المنظومة الفكرية التي يستند عليها ، وأية محاولة للتخفيف من غلواء التشدد السلفي والحديث عن معاصرة ما قد تكون له لن تعد إلا نوعا من المناجاة الأحادية غير المنتجة أو على الأقل ضحكا- وان كان سمجا- على الذقون، ولكنه الضحك الأبهظ كلفة والأشد وطأة والأكثر انتزاعا لطمأنينة الحياة من النفوس.