1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: ارتفاع تكاليف استيراد القمح وتحديات دعم سعر الخبز

٨ نوفمبر ٢٠٢١

يطال الارتفاع المستمر في أسعار القمح تكاليف صناعة الخبز الذي يُعد الأكثر حضوراً على الوجبات الغذائية في العالم العربي. إلى أي مدى تستطيع الدول العربية الاستمرار في دعم سعر الخبز بالشكل القائم حالياً؟ وهل من بدائل؟

https://p.dw.com/p/42gqM
Ägypten Smart Card zum Brot Einkaufen
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany

رغم ارتفاع أسعار القمح بنسب تراوحت بين 10 إلى 18 بالمائة، يتزايد إقبال الدول المستوردة على شرائه بشكل ملفت للأنظار منذ مايو/ أيار الماضي. وكالة الأنباء الألمانية نقلت عن الأمم المتحدة قولها أن التجارة العالمية للحبوب سوف تقفز إلى مستويات قياسية هذا الموسم. وحسب وكالة "بلومبرغ" وصل الأمر بالمنظمة الدولية إلى حد القول أن "جنون الاستيراد" في دول الشرق الأوسط بات واضحاً. ويتزايد الإقبال على الشراء بشكل خاص من قبل العراق وإيران وتركيا وأفغانستان بعد أن ضرب الجفاف محاصيلها هذه السنة مما أدى إلى استنفاذ المخزون.

وفي مصر التي تعد أكبر مستورد في العالم للقمح بحجم أكثر 10 ملايين طن سنوياً يجري العمل  على توفير مخزون جديد بهدف ضمان الحد المقبول من الأمن الغذائي. وتواجه مختلف الدول العربية هذه المشكلة أو تلك مشاكل كثيرة في توفير هذا الأمن بسبب اعتمادها على الاستيراد في الحصول على أغذيتها بنسب تزيد عن الثلث في دول لديها قطاع زراعي متنوع كتونس والمغرب والجزائر والسودان.

أما في الدول النفطية كالسعودية والإمارات فإن نسب الاعتماد على الخارج تزيد عن الثلثين. وتشير التقديرات إلى أن العالم العربي يستورد لوحده نحو ربع واردات القمح في العالم.

إنتاج القمح في مصر ما يزال بعيدا عن مواكبة الطلب الداخلي، هل تغير الحكومة سياستها الزراعية وتنجح في تجاوز هذه المشكلة؟
تراجع إنتاج القمح في العالم العربي يجعلها على رأس الدول المستوردة له في العالم، هل من سبيل لتقليص الاعتماد على الخارج؟ صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Ammar

ارتفاع أسعار القمح وعجز الموازنة؟

تأتي زيادة الطلب على شراء القمح في وقت تتوقع فيه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" تراجع الإنتاج من الحبوب خلال موسم 2021/ 2022، إضافة إلى تراجع المخزونات بنسبة تزيد عن 2 بالمائة. وهو أمر سيؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار ومعها تكاليف الإنتاج لسلع أساسية يدخل القمح والحبوب الأخرى في صناعتها وفي مقدمتها الخبز والمعجنات والحلويات وصناعات غذائية أخرى. ومما سيعنيه ارتفاع التكاليف زيادة الضغوط المالية على موازنات الدول العربية وبشكل خاص مصر وتونس والمغرب والسودان وسوريا ولبنان التي لا تعتمد على عائدات تصدير النفط والغاز التي ارتفع سعرهما مؤخراً.

أما في الدول التي تعتمد على هذه العائدات كدول الخليج والجزائر وليبيا والعراق، فسيكون بإمكانها تقليص العجز أو سده في المدى المنظور بفضل هذا الارتفاع. وتعاني موازنات الدول العربية بالأصل ولكن بنسب مختلفة من العجز المالي قبل ارتفاع أسعار القمح.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى ذلك زيادة كميات وارتفاع قيم فواتير المستوردات  من الأغذية ومكونات صناعتها. وحسب مجلس الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، وصلت فاتورة استيراد الأغذية في العالم العربي إلى نحو 100 مليار دولار خلال موسم السنة الماضية بزيادة بلغت نسبتها 10 بالمائة مقارنة بعام 2016. وتأتي زيادة الكميات المطلوبة بسبب فشل أو ضعف السياسات الزراعية في تنويع الإنتاج الزراعي ومواجهة الظروف المناخية الصعبة وفي مقدمتها الجفاف الذي تعاني منه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وجاءت تبعات جائحة كورونا لتفاقم مشكلة العجز، لاسيما في الدول التي تشكل فيها السياحة أحد أعمدة الدخل الوطني وتلعب دوراً أساسياً في تشغيل العمالة المحلية كتونس والمغرب ولبنان ومصر والأردن.

خبز مغربي توفره الدولة بأسعار مدعومة، لكن السؤال إلى متى؟
دعم الدولة للخبز في المغرب كما في الدول العربية الأخرى يواجه تحديات، هل يمكن تجاوزها؟ صورة من: Wigbert Röth/picture alliance

هل الدعم محق رغم العجز؟

تدعم جميع الدول العربية تقريباً الخبز ودقيق القمح بمبالغ كبيرة وإذا أخذنا المغرب الفقير بالنفط والغاز كمثال، فإن قيمة دعمه السنوي للخبز والسكر وغاز الطهي تصل لوحدها إلى 1.8 مليار دولار سنوياً يذهب قسم كبير منها لدعم القمح. وتصل قيمة دعم الخبز لوحده في مصر إلى حوالي 1.5 مليار دولار سنوياً. وفي الجزائر يصل الدعم إلى 1.3 مليار دولار سنوياً.

وفي دول كالعراق ومصر وسوريا فإن الأمر يتجاوز دعم الخبز ليشمل السكر والأرز والزيت وسلع أخرى. ورغم أن هذا الدعم تستفيد منه فئات غنية وميسورة الحال لا تستحقه، فإنه مسألة محقة وضرورية في الظروف الحالية التي يمر بها العالم العربي بسبب غياب نظم تعويضات اجتماعية للفقراء والمحتاجين من أصحاب الدخول المتدنية.

ويزيد من هذه الضرورة أن الخبز مادة غذائية أساسية حاضرة في جميع الوجبات الغذائية في العالم العربي، ما يعني أن دعمه يساعد على الحد من تفشي الجوع والفقر إلى حد ما. ولا ننسي أن رفع الدعم يؤدي كما تظهر تجارب السنوات الماضية إلى القيام بثورات اجتماعية أو "ثورات الخبز" التي يمكن أن تعصف بأي استقرار سياسي. 

العيب في سياسات الدعم الحالية

يضع ارتفاع تكاليف مستلزمات صناعة الخبز في ظل تراجع الإنتاج المحلي عن مواكبة الطلب الداخلي حكومات الدول العربية أمام صعوبات كبيرة ومتزايدة على صعيد توفير مليارات إضافية من الدولارات اللازمة لتمويل الدعم. وقد دفعت هذه الصعوبات الحكومات خلال السنوات الخمسة الماضية إلى إعادة النظر وبشكل متكرر في حجم هذا الدعم بشكل أدى على تقليصه أكثر من مرة على صعيد الخبز وسلع أساسية أخرى كالرز والبنزين والديزل والكهرباء وغيرها.

وعلى ضوء التوقعات بمزيد من الارتفاع في أسعار القمح والأغذية الأخرى التي تعتمد على الحبوب في صناعتها لن يكون بإمكان الدول العربية، لاسيما غير النفطية منها الاستمرار سياسات الدعم الحالي بسبب تكاليفها المتزايدة. ومما سيعنيه ذلك اللجوء إلى مزيد من الاقتراض الخارجي، لاسيما من صندوق النقد الدولي تحدت شروط من ضمنها المزيد من تقليص الدعم القائم. ورغم الاعتراض على سياسات صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، فإن آليات الدعم الحالية لم تعد مناسبة. ويدل على ذلك ضعف كفاءتها وتبعاتها السلبية على الإنتاج الزراعي المحلي. وما  تردي نوعية الخبز المدعوم سوى أحد الأدلة على ذلك.

ومن الأدلة أيضا استغلال بيروقراطيين من القائمين على مؤسسات الدعم الحكومي أموال الدعم للإثراء الشخصي وممارسة أشكال الفساد الأخرى بالتعاون مع تجار وصناع قرار آخرين. 

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى مؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: السياسات الزراعية ينبغي أن تركز على دعم إنتاج الأغذية بأسعار منافسةصورة من: DW/P.Henriksen

هنا يطرح نفسه السؤال، ما البديل عن آلية الدعم القائمة حالياً؟ تدل خبرات مختلف الدول أنه من الأفضل لا بل من الضروري للدول العربية التوجه بأسرع وقت ممكن إلى دعم المزارعين ومنتجي المواد الغذائية الأخرى بشكل أشمل لزيادة الإنتاج الزراعي من القمح والحبوب وعرضها في الأسواق بكميات كافية وبأسعار تناسب القدرة الشرائية لغالبية الشرائح الاجتماعية.

ومما يعنيه الدعم الأشمل تقديم المعدات الزراعية وإقامة محطات لتأجيرها لأصحاب المساحات الصغيرة بأسعار محدودة، إضافة إلى المساعدة في رعاية المحاصيل والحرص على قديم البذار ومستلزمات الإنتاج الأخرى بنوعية جيدة. أما دعم المستهلكين بالشكل القائم حالياً فينبغي أن يحل مكانه نظام تعويضات اجتماعي شامل يقدم الدعم فقط للفقراء والمحتاجين دون الفئات الوسطى والغنية. كما أن هناك حاجة إلى تغيير العادات الاستهلاكية بحيث يتوجه الناس في عالمنا العربي إلى التخفيف من استهلاك الخبز في الوجبات التي تحتوى على مواد غذائية متشابهة المحتوى كالأرز والبرغل والكسكس والبطاطس.

إبراهيم محمد