1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: السيسي وقيس سعيِّد - أيهما يحظى بدعم ألماني سخي؟

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٢٨ نوفمبر ٢٠١٩

الصورة الإنسانية التي ترسخت حول سياسة المستشارة أنغيلا ميركل منذ سنوات بسبب قرارها استقبال مليون لاجئ معظمهم سوريين، قد تبدو مختلفة تماما عن خطوات تتخذها ألمانيا حاليا في سياستها إزاء منطقة شمال أفريقيا، فماذا يحدث؟

https://p.dw.com/p/3TsOR
Bildkombo Präsident Abdel Fattah al-Sisi  und  Kais Saied   Tunesien
قيس سعيد وعبد الفتاح السيسي ..وجهان مختلفان

ما يرصده المحللون من أداء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وحكومتها خلال الآونة الأخيرة في ملفات شائكة خاصة بمنطقة شمال أفريقيا وأبرزها الملف الليبي والعلاقات مع مصر وتونس والجزائر والمغرب، يمكن أن تنطبق عليه "سياسة الأمر الواقع"، هذه السياسة التي يبدو أن المرأة القوية التي تقود أكبر اقتصاد أوروبي أضحت تميل إليها، تجد جذورها في التراث السياسي لبلدها منذ عهد "المستشار الحديدي" أوتو فون بسمارك، فهل يتعلق الأمر بتغييرات في سياسة برلين مع نهايات حقبة ميركل، وكيف يمكن فهم حالات ومشاهد من السياسة الألمانية والأوروبية بمنطقة شمال أفريقيا، لا تخلو من مفارقات. 

قيس سعيّد لم يقدم نفسه بعد 

الحفاوة التي اُستقبل بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر قمة العشرين وأفريقيا الذي عقد الأسبوع الماضي في برلين، كشفت عن وجه غير مألوف في سياسة المستشارة ميركل، وجه لا يختلف كثيرا عما عُرفت به سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو حتى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وعندما يضع المرء هذا المشهد مع البرودة التي تتسم بها العلاقة مع زعماء دول مغاربية مثل الجزائر والمغرب وحتى تونس التي وصل رئيسها بأغلبية كاسحة في انتخابات ديمقراطية، يصبح التساؤل مطروحا حول أبعاد ما يجري.  

هل كان حصاد موجة الربيع العربي الأولى بالنسبة للسياسة الألمانية والأوروبية، متواضعا أو كارثيا على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية، حتى تُراجع العواصم الأوروبية أولوياتها وربما استراتيجياتها إزاء علاقاتها مع بلدان شمال أفريقيا والملفات الساخنة بالمنطقة؟  

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، لم يشذ عن قاعدة أسلافه، باستقباله كأول مسؤول غربي في قصر قرطاج بعد تولي قيس سعيّد للرئاسة. لكن نتائج زيارة ماس سواء على المستوى الثنائي أو فيما يتعلق بالملفات الإقليمية وعلى رأسها الأزمة الليبية، تؤشر إلى أن حرارة العلاقات بين برلين وتونس أقل مما كانت عليه في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي. 

لقد بذلت ألمانيا جهودا ديبلوماسية واقتصادية كبيرة بعد الثورة التونسية لمساعدة تونس على تجاوز صعوبات المرحلة الانتقالية. بيد أن رسالة التهنئة التي وجهتها المستشارة ميركل إلى الرئيس سعيّد بمناسبة انتخابه، حملت معها إشارات على أن الدعم الألماني لتونس في المرحلة المقبلة سيكون "مشروطا" بالتقدم في الإصلاحات الاقتصادية والمجتمعية. ويبدو أن الرئيس التونسي الجديد قد التقط الإشارة عندما قال لضيفه وزير الخارجية ماس بأن تونس تريد أن تستفيد من تجربة ألمانيا في التنمية والحوكمة ومكافحة الفساد. 

وما يدل عليه ذلك أن ساكن قصر قرطاج الجديد يدرك أن كون تونس تعتبر الاستثناء في بلدان الربيع العربي وبأنها من أفضل بلدان المنطقة في مجالات حقوق الانسان، لا يجعلها في منأى عن الانتقادات خصوصا إذا تعلق الأمر بمعضلة الفساد وتأخر الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.  

في مؤتمر اقتصادي دولي على غرار، قمة العشرين أو مؤتمر ألمانيا وأفريقيا، كان قايد السبسي الوجه المألوف في صدارة الدول النامية التي تحظى بدعم الدول الغربية. غير أن حضور تونس في القمة الأخيرة تراجع إلى مستوى كاتب دولة (وكيل وزارة) في الشؤون الخارجية، في انتظار أن يسجل قيس سعيّد حضوره على الساحة الخارجية واتّضاح ملامح سياسته وعما إذا كانت بعض توجهاتها ستكون مطابقة فعلا لما أعلنه في حملته الانتخابية سواء ما يتعلق بالعلاقات مع فرنسا أو الموقف من الملف الإسرائيلي الحسّاس جدا في المنظور الألماني. 

في غضون ذلك يُفرش السجاد الأحمر أمام الرئيس المصري السيسي ليكون نجم مؤتمر برلين. ورغم ارتفاع أصوات المنتقدين في العاصمة الألمانية من منظمات حقوق الإنسان وأحزاب معارضة، لأوضاع حقوق الانسان في مصر، فقد كان حرص المستشارة ميركل على الحفاوة بالسيسي بارزا من خلال تهنئته بعيد ميلاده الـ 65 في مستهل قمة العشرين وأفريقيا ببرلين.  

بالمقابل تُثار في تونس التساؤلات كيف أن بلد الياسمين "الاستثناء" في بلدان الربيع العربي يحصل على نسبة ضئيلة من المساعدات من الدول الغربية، مقارنة بمصر السيسي التي تصنفها المنظمات الحقوقية الدولية في أسفل سجلات حقوق الانسان، أيضا بسبب وجود آلاف المعتقلين في أقبية السجون المصرية لأسباب سياسية 

سوق مغرية 

في رؤية صناع القرار الألماني والأوروبي، لا تنفصل النظرة إلى دور السيسي عن المكانة الجيواستراتيجية للبلد الذي يحكمه، وتأثيرات استقراره على باقي دول المنطقة، ناهيك عن الأدوار التي تلعبها مصر في الصراع الفلسطيني الإسرائيليفمصر سوق قوامها يقترب من مائة مليون نسمة، ويشكل التعاون الاقتصادي معها وسيلة أساسية للمساهمة في الاستقرار وفي تحقيق مكاسب للشركات الألمانية. فقد أبرم عملاق الصناعات التكنولوجية الألماني سيمنس/ Siemens سنة 2015 أكبر صفقة في تاريخه عبر عقد استثمار في مجال الطاقات المتجددة بقيمة 8 مليارات يورو، وتمكّن استطاعته من توفير الطاقة الكهربائية لأربعة عشر مليون نسمة. 

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي، خبير الشؤون المغاربية بمؤسسة دويتشه فيله الألمانية

وتأتي مصر في صدارة دول العالم المستوردة للأسلحة الألمانية، بعد المجر والسعودية، بقيمة تتجاوز 800 مليون يورو خلال الفترة المنصرمة من السنة الحالية 2019، بينما تراجعت صادرات الأسلحة الألمانية للجزائر إلى المرتبة السابعة عالميا بقيمة 238 مليون يورو. 

ولا يعني ارتفاع حجم الاستثمارات الألمانية في مصر، غيابها في بلدان المغرب الثلاثة: تونس، والجزائر والمغرب، وإنما تبدو الأولوية في السنوات القليلة الأخيرة موجهة للسوق المصري. بينما يبدو سقف برامج التنمية والتعاون الاقتصادي مع تونس والمغرب، محدودا ومحاصرا بمشاكل بيروقراطية أو خلافات حول ملف الهجرةأما التعاون الألماني مع الجزائر فيتركز في مجال الطاقة وبدرجة ثانية مبيعات الأسلحة. 

وبقدر ما تبدو السوق المصرية واضحة المعالم وموحدة ومغرية للألمان، فان سوق البلدان المغاربية تظل غير واضحة الآفاق، بسبب حالة الاضطراب السياسي التي تعيشها الجزائر، وانسداد عملية الاندماج بين بلدن الاتحاد المغاربي. 

أدوار إقليمية لها ثمن 

الدعم الاقتصادي السخي من ألمانيا والدول الغربية لمصر، لا يستفيد منه الرئيس السيسي في تثبيت حكمه، وحسب، بل إنه يكرس من خلاله دوره القيادي إقليميا في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. وبالمقابل فإن برلين وحلفاءها في الاتحاد الأوروبي، ينتظرون من السيسي كرئيس للاتحاد الأفريقي أدوارا كبيرة في ملف مكافحة الهجرة الذي يؤرق الأوروبيين، كما ينتظرون منه دورا أساسيا في الملف الليبي، الذي يشكل الحقل الأكثر إثارة في ظهور معالم سياسة "الأمر الواقع" التي تنتهجها برلين ومعها معظم العواصم الغربية.  

مع أحمد معيتيق نائب رئيس حكومة الوفاق الليبية

في ظل الاستعدادات الصعبة للمؤتمر الدولي حول ليبيا، يبدو الرهان الألماني على دور الرئيس السيسي واضحا، ليس فقط فيما صدر من تصريحات للمستشارة ميركل حول أهمية الدور المصري في حل الأزمة الليبية، بل أيضا من خلال كواليس التحضيرات للمؤتمر. في هذا الإطار تفيد مصادر متطابقة بأن المشاركين في المؤتمر ستكون غالبيتهم من الدول المساهمة عسكريا في دعم أحد طرفي الأزمة. ولأن عدد الأطراف الإقليمية والعالمية الداعمة عسكريا وسياسيا للجنرال خليفة حفتر الذي تضرب قواته منذ بداية أبريل/ نيسان الماضي حصارا على القوات المؤيدة لحكومة فايز السراج، فان تركيبة المشاركين المتوقعة في مؤتمر برلين ستكون لصالح الجنرال حفتر. مقابل غياب دور دول الجوار المغاربي: تونس، والجزائر والمغرب، التي تدعم حلا سياسيا للأزمة وتعترض على تسوية تُغلب فيها قوات شرق ليبيا على الحكومة الشرعية في طرابلس. كما أن المغرب كان محتضنا لاتفاقية صخيرات، برعاية الأمم المتحدة.  

ومن هنا تبدو مهمة الرئيس السيسي محورية في المبادرة الألمانية لحل الأزمة الليبية، لكن من غير الواضح إن كان المطلوب من السيسي وقف هجوم قوات حفتر وحقن الدماء التي يمكن أن يتسبب بها إتمام الهجوم على طرابلس. أم أن تصدره للمشهد في الأزمة الليبية يعني منح قوات حفتر مزيدا من الوقت لإتمام الهجوم الذي تشكل مصر والإمارات القاعدة الخلفية لدعمه عسكريا ولوجستيا. 

وكيفما كانت سيناريوهات إنهاء هجوم قوات حفتر، فإن الثمن السياسي الذي يمكن أن يتحقق في ظل تكريس دور محوري للسيسي في تسوية الأزمة الليبية، يكمن برأي المراقبين، في أن إنجاز تسوية ما ستكون على حساب الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، التي تعيب عليها الحكومات الغربية تهاونها في إنهاء دور الميليشيات والجماعات الإسلامية المسلحة، وفي مكافحة الفساد وفي وقف الهجرة. 

Libyscher Militärbefehlshaber Khalifa Haftar mit dem ägyptischen Präsidenten Abdel Fattah al-Sisi im Präsidentenpalast in Kairo
السيسي داعم لحفتر ...لاعب رئيسي في الملف الليبيصورة من: Reuters

وثمة ثمن آخر لا يقل قيمة، يمكن أن يحصل عليه السيسي في حال سارت الأمور في هذا الاتجاه، وهو تمكينه باعتباره أحد أهم أقطاب "الثورة المضادة" للربيع العربي من توسيع نهجه بالمنطقة، عبر سياسة القبضة الأمنية لوقف "الخطر الإسلامي" الذي تحمله صناديق الاقتراع. فيما سيبدو مؤشرا حاسما على تحول دراماتيكي في سياسات العواصم الغربية، تحت وطأة التداعيات الكارثية التي خلفتها موجة الربيع العربي الأولى على أوروبا بالخصوص، وحالة القلق الأوروبي من توسع الدور الروسي بدءا من سوريا إلى ليبيا وصولا إلى العمق الأفريقي. وهناك من المؤشرات ما يعزز هذه الاستنتاجات في تصريحات وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارينباور خليفة أنغيلا ميركل على رأس الحزب المسيحي الديمقراطي، ومواطنتها أورسولا فون دير لاين الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية. 

فهل تُعيد مشاكل أوروبا التي تحاصرها من جنوبها وشرقها ومن داخلها، القارة العجوز إلى تكرار سياسة الأمر الواقع التي اكتوت بها بالأمس عندما دعمت حكاما مستبدين، مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهم، تساقطوا تحت وطأة الحركات الاحتجاجية الشبابية؟ وهل تغرس أوروبا رأسها كالنعامة في الرمال، وتتجاهل موجة الاحتجاجات العربية الثانية بدءا من السودان ووصولا إلى الجزائر ولبنان والعراق؟ 

منصف السليمي

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد