1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

توني بلير وتحرير العراق

حامد الشريفي٧ مارس ٢٠١٣

يرى حامد الشريفي أن المنتصر في حرب تحرير العراق هو إيران ، معتبرا أنها قد استطاعت أن تتغلغل في العمق الشيعي العراقي الذي لم تقرأه الولايات المتحدة بشكل صحيح وأخفقت في حشده لصالحها فانقلب ضدها.

https://p.dw.com/p/17sar
صورة من: picture-alliance/dpa

باعتباره الشريك الأساس للرئيس الأمريكي بوش صاحب قرار غزو العراق واحتلاله بالطريقة التقليدية أي بدخول قوات الحلفاء لبغداد بدباباتها وطائراتها والمائة وخمسون ألف جندي فقط ! حيث كانت هناك نصيحة كويتية بجعله نصف مليون جندي . يقول السيد بلير في مقابلته التلفزيونية الأخيرة مع قناة الBBCالبريطانية التي أحرجته ببعض الأسئلة والتي ملخصها هو أن العراق وبعد عشر سنوات من تحريره من دكتاتوريته بتلك الحرب الدموية المدمرة والتي راح ضحيتها أكثر من مائة ألف عراقي ، ها هو يغوص في الدماء والفساد المالي المستشري والتوتر الطائفي والعرقي بين كل مكوناته ، وكل ذلك بحجة امتلاكه للأسلحة الكيميائية المزعومة التي لم يعثر احد عليها إلى ألان .

بتوتر واضح أجابها السيد بلير أن قرار إزالة صدام حسين كان قرارا صائبا ، وتحدث عن إجرام صدام في حربه مع العراق وضحايا الشعبين العراقي والإيراني التي تخطت المليون ضحية والتي استعمل فيها صدام أسلحة كيميائية ناهيك عن استعماله لها ضد شعبه في كوردستان وحرق الآلاف من الكورد فيها ، إذن فهذا خير دليل على امتلاكه لتلك الأسلحة .

نقول "للسيدين المحررين" بلير وبوش ؛ نعم صدام كان يمتلك السلاح الكيميائي الفتاك بلا ادنى شك ، وكانت إزالته مسألة أخلاقية كبرى على عاتق جميع دول العالم الحر وليس فقط بريطانيا وأمريكا ، وبالفعل شكرنا نحن الشعب العراقي المضطهد والمظلوم الأصدقاء الذين ساهموا في غزالة ذلك الوحش من عراقنا الحبيب ولكن ! وبعد .. ماالذي حصل ؟ لماذا فشلت تلك العملية الجراحية التي وعدنا الجراح الاختصاصي بنجاحها المضمون ؟ حيث تمكن ذلك الجراح من استئصال الورم الخبيث من الجسم العراقي ورميه في مزبلة تحت الأرض ، ليترك ذلك الجرح الذي مازال مفتوحاً ويهرب فاسحاً المجال لتلك الفايروسات المنتظرة لتلك اللحظة بفارغ الصبر لتلتهم وبلا رحمة أعضاء ذلك الجسد المريض والمفتوح بلا مراقبة من ذلك الجراح الفاقد للأخلاق ، والذي يحق للمريض مقاضاته في المحاكم الدولية .

هربت بريطانيا بعد فقدها اقل من 200 من قواتها ، حيث الرأي العام في بريطانيا مؤثر وبشكل فعال على قرارات السياسيين الذين تصورا أو صوروا لشعوبهم أنهم ذاهبون للنزهة هناك !

لتبدأ بعدها شريكتها الكبرى في تلك الغزوة أمريكا بالتفكير الجدي لخروج يحفظ ماء وجهها (هروب منظم ) وان لا يتحول العراق كمستنقع أفغانستان الذي مازال الأمريكان والبعض من شركائهم واحلين فيه .

"إن إيران استطاعت أن تكسب الجولة"

الأمر الذي لم يكن في الحسبان في عقلية الكاوبوي الأمريكي هو ضراوة التفكير وعمقه لدى المؤسسة الدينية الإيرانية ، التي تقدمت وغلبت الوجود الأمريكي بالعقل والخديعة من خلال تغلغلهم في أعماق البحر الشيعي العراقي الذي لم تدرسه أمريكا ولم تحلله بعمق ، لذا فان إيران استطاعت ان تكسب الجولة من خلال سيطرتها على جميع مفاصل ذلك البلد ومؤسساته الهشة من خلال تلك "الفوضى الخلاقة" التي نادت بها أمريكا وكانت إيران أول المستفيدين منها ، فسيطرت على الإعلام من خلال فتح فضائيات اجهل عددها لنشر الفكر الإيراني من خلال الدين ورجاله أو من خلال العلمانية ورجالها، سواء من الذين جندتهم منذ ما قبل الغزو او من اشترتهم من على الأرفف الأمريكية المهجورة بعد ما نفضت التراب من عليهم !

وكذلك سيطرت على التعليم من خلال زرع مناهج تعليمية غير مقررة رسمياً تتناسب ومصالحهم في الهيمنة ، وسيطرت أيضا على منظمات المجتمع المدني التي كان الوجود الأمريكي يشجع عليها بل ويدعمها مادياً وإيران تستلمها جاهزة بعد القليل من التعديلات سواء عن طريق الإغراءات او التهديد . وعطلوا الصناعات العراقية القليلة أصلا وكذلك الزراعة المهملة في وادي الرافدين الخصب ، كل ذلك لم يتم بدون عون السياسيين العراقيين الذين نصبتهم إيران في أماكنهم التي إرادتها لهم ، فمثلاً وزير التربية يساعدهم في موضوع البرامج وتعيين المعلمين "الموالين" في المدارس العراقية في العواصم العربية والأجنبية لإغراض نشر مبادئ ولاية الفقيه التوسعية في الدول التي تعاني من اقتصاد ضعيف كمصر والمغرب والأردن وغيرها ، ووزير الاتصالات الذي ومن خلاله حصل النظام الدموي في سورية على تقنية أمريكية متطورة في مجال الاتصالات كان العراق قد استوردها وأرسلها لسورية بعد بدء الثورة الشعبية ضد الحليف الإيراني الأهم بشار الأسد ، ووزير النفط الذي ومن خلال إلغائه الدعم عن النفط الأسود أقفلت الكثير من معامل الطابوق في العراق أمام المنافس الإيراني ، وتسريح عشرات الآلاف من العمال وانخراطهم مجبرين في الجريمة المنظمة وربما الإرهاب !

وكذلك تدمير ما تبقى من زراعة عن طريق وزارة الزراعة لفسح المجال أمام منتجاتها أو منتجات حليفتهم سورية ، وهكذا ينسحب الأمر على باقي الوزارات العراقية ، بل وانسحب ذلك الأمر على رئيس الوزراء الذي اتهمته أمريكا بتحويل مبلغ 10 مليار دولار الى سورية الذي سرعان ما أنكر ذلك وقال إن المبلغ المذكور هو جزء من مستحقات العراق التجارية لسورية وهذا ما تنفيه أمريكا !!

فالانفلات الأمني الذي ينخر بالجسد العراقي والذي جعل من الدم العراقي يسيل وكأنه شلالات نياكارا الشهيرة ، والانعدام التام للخدمات إن كانت صحة أو تعليم أو بنية تحتية كالماء والكهرباء ، والاهم بالنسبة لكم (يا أسياد العالم الحر ) هو الحريات الشخصية المفقودة في منتجكم الجديد ، والسجون السرية والاغتيالات للمعارضين الحقيقيين من صحفيين ونقاد وأدباء وكتاب ، أما بعد .. فما هو قولكما أيها "السيدين المحررين" بعد عشرة أعوام من ذلك التحرير ؟؟

ليت منتجكم اليوم هو مثل منتجات أواسط القرن الماضي التي هي عماد الاقتصاد والتقدم والحضارة ، ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية .