1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ثقافة الاستقالة في العراق الجديد

رياض البغدادي٤ أبريل ٢٠١٣

يرى رياض البغدادي أن أي سياسي مسؤول لا يقبل أن يغادر منصبه طوعا لأنه الطريق السالك والسهل للوصول إلى كل ما يطمح له الإنسان من مال وسلطة ورخاء وغيرها من الامتيازات التي أقرّتها قوانين دول العالم الثالث للسياسيين.

https://p.dw.com/p/189K6
صورة من: picture-alliance/dpa

رغم ذلك، فهناك حالات كثيرة تجبر المسؤول النزيه وغير النزيه على الاستقالة ، ففي الدول المتقدمة مثلاً تعتبر الاستقالة ثقافة عامة وحاضرة في ذهن كل مسؤول ومن اليوم الأول الذي يتربع فيه على كرسي منصبه الحكومي ، وقد شهدنا استقالات تاريخية في العالم المتقدم ، منها استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1974 بسبب فضيحة ووترغيت واستقالة أكثر من سبعة وزارات عراقية أيام الحكم الملكي واستقالة البابا بندكت السادس عشر هذا العام بسبب ضعفه في أداء مسؤولياته البابوية واستقالة الرئيس الألماني كريستيان فولف عام 2012 بسبب فضيحة قرض شراء منزل ، وهناك استقالات من نوع آخر مثل استقالة وزير الداخلية الألماني بسبب فشله في منع هجمات إرهابية واستقالة رئيس الوزراء اليوناني بسبب الفشل في تقديم حلول للازمة الاقتصادية التي تمر بها اليونان .

إذا ... فالاستقالة واحدة من مفصليات العمل السياسي في الدول الديمقراطية ، وبالطبع ليس بالضرورة ان يكون المسؤول المستقيل فاشلاً وإنما في حالات كثيرة بل أكثرها يكون المسؤول فيها بارعاً في أدائه الحكومي لكنه غير قادر على تنفيذ مشروعه السياسي بسبب الطاقم الذي يعاونه او بسبب الضغوط البرلمانية أو بسبب أخطاء غير صادرة عنه مباشرة او غيرها من الأسباب .

الاستقالة ليست جزءا من شخصية المسؤول العراقي

هنا ربما يتبادر الى أذهاننا سؤال بريء أو غير بريء عما يمنع المسؤول العراقي النزيه غير القادر على أداء مهامه من تقديم استقالته ؟ أليست الاستقالة جزءاً من العمل الديمقراطي ؟ أم أن الديمقراطية لا يفهمها المسؤول العراقي إلا لمجرد كونها امتيازاتٍ وأموالا وعقوداً وصفقات يستحوذ عليها هو وحزبه الذي ينتمي إليه وأفراد عائلته ؟

 لقد شهد العراق بعد تغيير النظام البعثي البائد حالة استقالة فريدة من نوعها ربما لم يحدث مثيل لها في كل الدول الديمقراطية ، واعني بها استقالة السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية ، فهي لا تنتمي لأي نوع من أنواع الاستقالات التي حدثت في التأريخ ، فلا يوجد مسؤول في العالم يستقيل لأجل التخفيف من أموال الميزانية المصروفة على المناصب الحكومية!

 نعم هذا هو السبب الرئيس لاستقالة عادل عبد المهدي ، لم يرضَ هذا الرجل أن يكون منصبه سبباً في بعثرة أموال الشعب العراقي ، بعد ان اخترع مهندسو تشكيل الحكومة منصبا يناسب خضير الخزاعي كنائب ثالث الى رئيس الجمهورية لترضية الخزاعي وكسب تأييده لدعم احتفاظ السيد نوري المالكي بمنصب رئاسة الوزراء !

انها حالة من نكران الذات وتعبير حي للضمير النقي لم يألفه الوسط السياسي العراقي ، فثقافة الاستقالة جهاد ثقيل للنفس يريد له السيد عادل عبد المهدي ان يرسخه في أدبيات السياسة العراقية الناشئة بعد التحرير.

فضائح لم تدفع بأحد للاستقالة

 نحن نرى بأم أعيننا الفشل الذريع في كل مفاصل الدولة ونعيش فصول دراما الدم العراقي الذي يسيل كل يوم ، إضافة إلى صفقات الفساد التي فاحت رائحتها الكريهة في مكاتب اعلى المناصب الحكومية ليس اولها صفقة الطائرات الكندية ولا ثانيها ملياري دولار شركات الكهرباء الوهمية ولا آخرها صفقة السلاح الروسية ، لكننا ، لم نرَ مسؤولاً يستقيل ولا حتى يكون شجاعا ويتحمل مسؤولية الخطأ على اقل تقدير ، وإصرارا منه في اهانة الأمة والسخرية منها يكرر سيمفونية تشكيل لجان  التحقيق بعد كل فشل حكومي ، وتمر الأيام وتذوب القضية لينسى الشعب وينشغل بهمٍّ جديد وأزمة جديدة اكبر من سابقاتها .

وهكذا يعيش المواطن العراقي أزمات الحكومة مع شركاءها ويتحمل تبعاتها ولا تجد مسؤولاً يتحمل أزمات الشعب المنهك المحاصر ببؤسه وحرمانه وضياع مستقبله.

إنها دراما الفشل الذي يعيشه العراق بعد تحرره من كابوس البعث الرهيب!